الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلام شعارنا أهل الإسلام
(1)
الحمد لله هو السلام ومنه السلام، وهو أهل الثناء والفضل والحمد في الأولى والآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحب المحسنين، ويجزي المتصدقين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أكمل الأمة خلقًا وأبرها قلبًا وأعفها لسانًا.
السلام مصطلح يشع منه الدفء والرحمة والحنان .. والسلام كلمة ذات معنى عظيم .. السلام اسم من أسماء الرحمن {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} والسلام تحية أهل الإسلام في الدنيا، وتحيتهم يوم يلقون ربهم- في الآخرة- سلام السلام شعارنا أهل الإسلام .. تذل به ألسنتنا ضمان ومسلم ونتقلب فيه في علاقاتنا وتحياتنا.
السلام كم يشيع من معان المحبة .. وكم يزرع من ألوان الثقة، تهدأ به النفوس، وتطمأن له القلوب، وتستقر به المجتمعات، والسلام هو المناخ المناسب للبناء الحضاري، والتقدم العلمي والاقتصادي بالسلام يأمن الخائف، ويؤمن المتخفي بإسلامه {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .. } [النساء: 94].
نحتاج للسلم في كل حال .. ونحتاج للمسلم حين تطعن لغة الحرب .. وتكون لغة القوة هي اللغة السائدة .. وفي هذه الأجواء تهلك الحرث والنسل وتتعطل المنافع .. ويحيق الخراب، وتهدر الطاقات .. وتتوقف الحياة وتشل حركة الأحياء ..
(1) ألقيت هذه الخطبة في 11/ 5/ 1429 هـ.
إلا أن الذين يعشقون الحر بدون هدف نبيل قوم غلاظ الأكباد في مشاعرهم جفاء .. وفي أخلاقهم عوج .. لديهم أنانية، وفيهم حب للسيطرة .. وعندهم نزعة لفرض مبادئهم وأفكارهم بالقوة .. ولا حقق الله أماني من يريدون أن يقذفوا بغيرهم البحر .. أو يرجوا بهم في السجون (السلام) ما أعذب هذه الكلمة، وأعمق مدلولها .. إنها جزء مهم في الإسلام بل هي من خير الإسلام .. فقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ فأجابه:«تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» (1) هي تحيتنا أهل الإسلام منذ خلق الله أبانا آدم وقال له: اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة فسلم عليهم، واستمع ما يحيونك به، فإنها تحيتك وتحية ذريتك (2).
وهي رمز وسبب للمحبة والتآلف وطريق إلى الجنة «والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تأمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» (3).
والسلام أحد مؤشرات الإيمان، وفي البخاري معلقًا- ووصله غيره- عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان .. الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار (4).
إن في بذل السلام -لمن عرفت ومن لم تعرف-، من الصغير والكبير، والغني والفقير، والأبيض والأسود، والقريب والبعيد .. تواضعًا وصلة ومحبة توجب للعبيد رفعة الدرجات وتكفير السيئات .. فالمسلمان إذ التقيا وسلم كل منهما
(1)(متفق عليه، مسلم (39).
(2)
(رواه البخاري في الاستئذان، باب بدء السلام).
(3)
(رواه مسلم وغيره 54).
(4)
قال ابن القيم معلقًا: وقد تضمنت هذه الكلمات أصول الخير وفروعه (زاد المعاد 2/ 407).
على الآخر تحاتت ذنوبهما كما يحت الشجر ورقه.
أجل لقد كان من هديه عليه الصلاة والسلام. السلام على الصبيان (1) وفي هذا تعويد لهم على الخير، وإشعار لهم بالمحبة، وتقدير لمشاعرهم .. وأكرم بذلك من تربية.
بل كان من هديه- عليه الصلاة والسلام إشاعة السلام، فالصغير يسلم على الكبير والمار يسلم على القاعد، والراكب على الماشي، والقليل على الكثير، (وأولى الناس بالله من بدأهم بالسلام)(2).
وإذا ظن البعض أن السلام في القدوم على القوم فقط، فالسنة تصحح ذلك وتضيف السلام عند الانصراف، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام:«إذا قعد أحدكم فليسلم، وإذا قام فليسلم، وليست الأولى أحق من الآخرة» (3).
وثمة تنبيه وملمح في السلام على المسلمين داخل المسجد، فبأيهما يبدأ بالتحية على المسلمين، أم بالتحية للمسجد؟ قال ابن القيم رحمه الله: ومن هديه صلى الله عليه وسلم أن الداخل إلى المسجد يبتدئ بركعتين تحية المسجد، ثم يجيء فيسلم على القوم فتكون تحية المسجد قبل تحية أهله، فإن تلك حق الله تعالى، والسلام على الخلق هو حق لهم، وحق الله في مثل هذا أحق بالتقديم .. ثم ساق ابن القيم قصة الرجل المسيء في صلاته، والذي بدأ بتحية المسجد ثم السلام على النبي صلى الله عليه وسلم كشاهد لهذا وعلى هذا- كما يقول ابن القيم- يسن لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثلاث تحيات مترتبة: أن يقول عند دخوله: بسم الله
(1)(ذكره البخاري ومسلم).
(2)
أخرجه أحمد بسند صحيح (زاد المعاد 2/ 412).
(3)
(رواه أبو داود والترمذي، وأحمد وغيرهم بسند حسن (السابق 2/ 413).
والصلاة والسلام على رسول الله، ثم يصلي ركعتين تحية المسجد، ثم يسلم على القوم (1).
أيها المسلمون وإشاعة السلام في بيوتنا ومع أهلنا وأولادنا أدب من آداب الإسلام، وسنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي كذلك في بيوت غيرنا ومع أهلها بل ننهي عن الدخول عليها بغير سلام واستئذان وفي ذلك يقول ربنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور: 27].
عباد الله- ولأهمية السلام في الإسلام- يحمل ويبلغ لمن أوصى له بذلك .. ولقد حمل النبي صلى الله عليه وسلم السلام من الله عز وجل إلى خديجة رضي الله عنها وبشرها ببيت في الجنة (متفق عليه).
وحمل عليه الصلاة والسلام سلام جبريل عليه السلام إلى عائشة رضي الله عنها رواه البخاري (2447) وأكرم بنساء تحمل لهن السلام من السماء وفي ذلك إكرام الإسلام للمرأة- أيما إكرام-؟
وإذا حمل محمد صلى الله عليه وسلم السلام فأمته حرية بحمل السلام وتبليغه وإقرائه .. فذلك نوع من الوصال والاتصال وإشاعة المحبة بين المسلمين. وإن حجبتهم ظروف الزمان أو المكان ومن أخطائنا التهاون في حمل السلام.
أيها المسلمون .. وإذا كان بدء السلام سنة وهو مؤشر لخيرية من بدأ فرد السلام واجب، ورد التحية بمثلها أو أحسن {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 91].
إن رد التحية بأحسن منها تفاعل وإيجابية وتأكيد للمحبة .. وويل للمتكبرين
(1)(زاد المعاد 2/ 413، 414).
الذي لا يريدون السلام، وإن ردوا فبنوع من البخل والكبر .. قد لا يسمع المسلم فيقع في نفسه شيء، وقد يسمعه لكن بكلمة مختصر .. أو بتعابير للوجه سيئة .. وقد يشير برأسه أو بيده .. متكبرًا عن الرد بلسانه والترحيب بكلماته.
كل ذلك خلاف هدي الإسلام في التأليف والمواساة بين المسلمين، وخلاف هدي محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يبدأ من لقيه بالسلام، وإذا سلم عليه أحد رد عليه مثل تحيته أو أفضل منها، وعلى الفور دون تأخير .. إلا لعذر كصلاة أو قضاء حاجه، وكان يسمع المسلم رده عليه، ولم يكن يرد بيده ولا رأسه ولا أصبعه، إلا في الصلاة (1).
ومن الأخطاء الشائعة في السلام استبدال تحية الإسلام بغيرها كأن يبتدئ المسلم بالقول (صباح الخير، أو مساء الخير) أو نحوها من عبارات لا ترقى إلى مقام (السلام عليكم) ولا يؤجر صاحبها كما يؤجر على البدء بالسلام .. ومثل ذلك الاكتفاء بهز الرأس أو الإشارة باليد دون السلام ..
وخطأ آخر في رد السلام حين تستبدل (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته) بأهلًا أو مرحبًا .. أو نحوها .. مما لا تفي بحق المسلم، ولا تصل إلى مرتبة (وعليكم السلام) إن بإمكانك أخي المسلم أن تضيف ما تشاء من عبارات التحية والتقدير والثناء والدعاء .. لكن بعد الإتيان بالواجب (وعليكم السلام).
أخي المسلم لا تحرم نفسك الأجر .. ولا تبخل على أخيك بمزيد الدعاء .. وحين تقول: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) فقد خزن ثلاثين حسنة .. وكلما أقللت قلت الحسنات، فالسلام عليكم بعشر .. وفرق بين عشر وثلاثين.
وإذا جاد عليك أخوك بالسلام بالثلاثين .. فلا تبخل عليه في الرد بما دون
(1)(ابن القيم، زاد المعاد 2/ 419).
ذلك والله يقول: {فحيوا بأحسن منها أو ردوها} .
ومن الأخطاء في السلام القول في ابتداء السلام: (عليك السلام) فتلك تحية الموتى، كما ورد أن أبا جرى الهجيمي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عليك السلام يا رسول الله، فقال:«لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الموتى» (1).
ولأهل العلم كلام في تحرير هذه المسألة وتعليلها، فقد ذكروا أن الدعاء بالسلام دعاء خير، والأحسن في دعاء الخير أن تقدم الدعاء على المدعو له كقوله تعالى:{رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} {وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت} {سلام عليكم بما صبرتم} ، وأما الدعاء بالشر فيقدم المدعو عليه على الدعاء غالبًا {وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} {عليهم دائرة السوء} {وعليهم غضب ولهم عذاب شديد} .
ولا ينبغي أن يفهم من الحديث: أن السلام على الموتى يبدأ (بعليكم السلام) فإن السنة أن تسلم عليهم كما يسلم على الأحياء (السلام عليكم درا قوم مؤمنين) وإنما قال ذلك النبي إخبارًا عن واقعهم والمشهور في أشعارهم كقول قائلهم:
عليك سلام الله قيس بن عاصم
…
ورحمته ما شاء أن يترحما
وليس القصد أن ذلك مشروع .. بل السنة لا تختلف في تحية الأحياء والأموات (فليعلم)(2).
والمهم أن يبدأ السلام بالدعاء .. ولا يبدأ بـ (عليكم).
أيها المسلمون وثمة أمر من الأهمية بمكان الإشارة إليه، وبيان الخلاف فيه،
(1) رواه أحمد، وأبو داود والترمذي، وهو حديث صحيح (زاد المعاد 2/ 420).
(2)
(زاد المعاد 2/ 420، 421 مع الهامش).
ألا وهو ابتداء السلام على أهل الكتاب، والرد عليهم، وقد عقد ابن القيم رحمه الله فصلًا في هديه صلى الله عليه وسلم في السلام على أهل الكتاب، وقال: صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تبدأوهم بالسلام، وإذا لقيتمهوم في الطريق فاضطروهم إلى أضيق الطريق» لكن قد قيل: إن هذا كان في قضية خاصة لما ساروا إلى بني قريظة قال: «لا تبدؤوهم بالسلام» فهل هذا حكم عام لأهل الذمة مطلقًا، أو يختص بمن كانت حاله بمثل حال أولئك؟ هذا موضع نظر، ولكن قد روى مسلم في «صحيحه» من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في الطريق، فاضطروه إلى أضيقه» (1) والظاهر أن هذا حكم عام.
وقد اختلف السلف والخلف في ذلك، فقال أكثرهم: لا يُبدؤون بالسلام، وذهب آخرون إلى جواز ابتدائهم كما يرد عليهم، روي ذلك عن ابن عباس، وأبي أمامة وابن محيريز، وهو وجه في مذهب الشافعي رحمه الله، لكن صاحب هذا الوجه قال: يقال له: السلام عليك فقط بدون ذكر الرحمة، وبلفظ الإفراد: وقالت طائفة: يجوز الابتداء لمصلحة راجحة من حاجة تكون له إليه، أو خوف من أذاه، أو لقرابة بينهما، أو لسبب يقتضي ذلك، يروى ذلك عن إبراهيم النخعي، وعلقمة. وقال الأوزاعي: إن سلمت، فقد سلم الصالحون، وإن تركت، فقد ترك الصالحون.
واختلفوا في وجوب الرد عليهم، فالجمهور على وجوبه، وهو الصواب،
(1) رواه مسلم (2167) في السلام: باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، وأبو داود (5205) في الأدب: باب في السلام على أهل الذمة، والترمذي (1602) في السير: باب ما جاء في التسليم على أهل الكتاب، وأخرجه أحمد 2/ 266 و 346.
وقالت طائفة: لا يجب الرد عليهم، كما لا يجب على أهل البدع وأولى، والصواب الأول، والفرق أنا مأمورون بهجر أهل البدع تعزيرًا لهم، وتحذيرًا منهم، بخلاف أهل الذمة.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين، والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، فسلم عليهم (1).
وصح عنه أنه كتب إلى هرقل وغيره: السلام على من اتبع الهدى (2).
(1) أخرجه البخاري 11/ 32 في الاستئذان: باب التسليم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين، وفي الجهاد: باب الردف على الحمار، وفي تفسير سورة آل عمران: باب {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} ، وفي المرضى: باب عيادة المريض راكبًا وماشيًا ومردفًا على الحمار، وفي اللباس: باب الارتداف على الدابة، وفي الأدب: باب كنية المشرك، وأخرجه مسلم (1798) في الجهاد: باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وصبره على أذى المنافقين، وأخرجه أحمد في «مسنده» 5/ 203.
(2)
أخرجه البخاري 11/ 40 في الاستئذان: باب كيف يكتب إلى أهل الكتاب، وفي بدء الوحي: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والسلام والإحسان، ومسلم (1773) في الجهاد: باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام.