الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلفية المفترى عليه
(1)
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره
…
لقد قام الأنبياء والمرسلون- عليهم الصلاة والسلام- بواجب البلاغ والدعوة لأقوامهم، وكان تصحيح المعتقد مرتكزًا أساسيًا، وهدفًا جوهريًا في دعوتهم وتعبيدهم لربِّ العالمين {أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} ، وكانت هذه الغاية النبيلة في تصحيح المعتقد وتوحيدِ الله والإخلاص في عبوديته هما مشتركًا بين المرسلين {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25].
ولقد واجه المرسلون- في سبيل تحقيقها- المصاعب والمتاعب والصدود والإنكار والسخرية والأذى، وهاتان أمتان قديمتان- بعد نوح- قالت أولاهما (كنموذج للإعراض والأذى) {قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} [الأعراف: 70]، {قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين} [الأعراف: 66]، وإذا كان هذا منطق عادٍ مع هود عليه السلام، فكذلك كان منطق ثمود مع صالح {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا
(1) ألقيت هذه الخطبة في 18/ 5/ 1432 هـ
بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لَاّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 75 - 79].
واستمر منطق الإنكار والجحود حتى كان العهد بآخرِ المرسلين محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأعاد قومُه منطق وجحود وإنكار السابقين {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَاّ اخْتِلاقٌ} [ص: 5 - 7].
ولئن مات المرسلون وهم يجاهدون في سبيل تحقيق هذه الغاية الكريمة، وقد أنقذ الله بهم أممًا، وأحيا بدعوتهم قلوبًا غلفًا- إلى جانب الذين كفروا وجحدوا وأنكروا وسخروا- فقد انتقلت المسؤولية من بعدهم إلى العلماء - إذ هم ورثة الأنبياء في العلم والدعوة- وقام العلماء بمسؤوليتهم عبر القرون يجددون للناس ما اندرس من معالم النبوة وأركان الملة، وكان الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله واحدًا من هؤلاء الأعلام المجددين، وقد دهى الجزيرة في زمنه أمرٌ خطير في جوانب المعتقد والسلوك والدعوة والعلم، حيث فشى الشرك وعُبدت الأشجارُ والأحجار من دون الله، وشُيِّدت القبور وطاف الناس بها، وقُدمت النذور لغير الله، وانتشرت الخرافاتُ والبدع، وانحرف سبيل الدعوة، وأصاب طائفة محسوبة من العلماء ما أصاب غيرهم من الانحراف والترويج للباطل.
وكان لا بد من كلمة حق، وداعية حق، وصرخة محق في دياجير الظلم، فكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكانت دعوته الإصلاحية نصرة للحق، لم يأت بدين جديد كما يزعم المغرضون، ولم ينتحل مذهبًا غريبًا كما زعم الخصوم، لكن جدّد ما اندثر، ووصل الأمةَ بالكتاب والسنة، واسترشد بمؤلفات العلماء الرّبانيين كالأئمة الأربعة وابن تيمية وابن القيم وغيرهم من
علماء الأمة في القديم والحديث، فأرشدته إلى السلفية الحق، وكتُبه المطبوعة ورسائلُه المنتشرة تشهد على صحة معتقده، وكما حُورب الأئمة من قبلهم في زمنهم من قبل أهل الأهواء والبدع، فقد حُورب الإمام محمد بن عبد الوهاب واتهم وطُرد، وانتقل من بلدٍ إلى بلد، حتى هيّأ الله له الإمام محمد بن سعود فناصره وآزره، والتقى سلطان القرآن والسيفِ معدًا، فكان لهما أبلغ الأثر، فلم يتركا زيفًا ولم يتركا خرفًا كما قال الشاعر:
هما السيفُ والقرآن قد حكما معًا
…
فلم يتركا زيفًا ولم يتركا خرفًا
إن ما نشهده اليوم من هجوم على الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب إنما هو هجومُ جاهل، بل هو مناكفة وهجومٌ على الدعوة السلفية برمتها، والتي تعتمد في أصولِها وفروعها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحارب البدع والخرافات، وتنعى على أئمة الخرافة والدروشة، ولكن هذه الدعوة بصفائها وصدق دعاتِها بلغت الآفاق، وأصبحت كالشمسِ لا يمكن حجب نورها، وإذ شاء الله أن تخترق الدعوة السلفية حدودَ الجزيرة العربية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يزال حيًا، لتصل إلى الهند والسند وأفريقيا، فقد امتدت الدعوة السلفية بعدُ لتعبر القارات، وتصبح منهجًا للمعتقد الصحيح في رقعةٍ فسيحة من أرض الله، وغدت السلفية بفضل الله منهجًا للتعلّم والتعليم، والدعوة والإصلاح، والتربية .. لها ينتصر العلماء، وتؤلف الكتب، وتعقد الندوات والمؤتمرات، بل وتقام الجامعات والمعاهد والمدارس.
وفي ظل هذا الانتشار السلفي لا يسوغ تجهيلُ الناس بهذه العقيدة، ولا الشغبُ على رجالاتها والمجددين فيها، ولا يسوغ الافتراء والتهم والتعيير في زمنٍ يملك الحقيقة كلُّ الناس عير نوافذ الكتب المؤلفة، ووسائل الإعلام، وأساليب التقنية التي تنشر الحقيقة، وتحتفظ بمؤلفات علماء الدعوة السلفية، المُقتدون بالسلف ليسوا أصحابَ فتنة، وليسوا عملاء للشرق والغرب كما يزعم
المغرضون. أو الجاهلون من أهل الأهواء ومن يتجرأ ليقول أن محمد بن عبد الوهاب عميل للإنجليز؟ وكم هي مفارقة عجيبة أن نجد من علماء الغرب من يتصف محمد بن عبد الوهاب ويثني على دعوته وهم غير مسلمين، بينما نجد من يتهم ويفتري عليه الكذب من المسلمين؟ ودونهم هذا النموذج العربي المنصف يقول لوثروب: وبينما العالم الإسلامي مستغرق في هجعته، ومنزنح في ظلمته إذا بصوت يدوي في قلب الصحراء في شبه الجزيرة العربية، مهد الإسلام فيوقظ المؤمنين ويدعوهم إلى الإصلاح والرجوع إلى سواء السبيل والصراط المستقيم، فكان الصارخ بهذا الصوت إنما هو المصلح المشهور محمد بن عبد الوهاب (حاضر العالم الإسلامي) ج 1 ويقول جولد زيهر: يجب على من نصب نفسه ليحكم على الحوادث الإسلامية أن يعتبر الوهابيين أنصارًا للرئاسة الإسلامية على الصورة التي وضعها النبي والصحابة (1).
إن تطاول على السلفية الحقة جاهل فتلك مصيبة، والمصيبة أعظم حين يتطاول عليها عالم مطلع يملك أدوات البحث ويفرق بين الحق والباطل، وإن تطاول على السلفية أصحاب مذاهب منحرفة وطوائف مختلفة الفكر والمعتقد فالمصيبة أعظم إن جاء الهجوم على السلفية (الحقة) من أهل السنة والجماعة، ولئن جاء الهجومُ على السلفية من قبل الرعاع والجهلة فالمصيبة أعظم حين يدخل على الخط في الهجوم على السلفية منابرُ علمية، ومؤسسات دينية لها في العلم والمعرفة تاريخ، ولها في العالم الإسلامي مكانة وأثر.
(1) عن كتاب محمد بن عبد الوهاب لمؤلفه: سليمان الحثيل/ 215.