الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الهيئة ورجالاتها محن أم منح
؟ (1)
الخطبة الأولى
إن الحمد لله أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
إخوة الإسلام .. صمام الأمان ما هو؟ وعلامة خيرية الأمة ما هي؟ إنها (الحسبة) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ترى مكمن الخطر أن يكون؟ في القيام بهذه الشعيرة وتشجيع القائمين عليها .. أم بأعمالها والطعن في رجالاتها؟
داع القرآن يقول: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .
وسيد الخلق ونبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يقول: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليضربن الله قلوب بعضك ببعض» .
وأخيار وصالحون يقولون المعروف ويأمرون به، وينتهون عن المنكر وينهون عنه .. هذا نداء الفطرة وتوجيه الكتاب والسنة وثمة نداءات مشبوهة وأصحاب ريب ونفاق يقولون المنكر ويأتونه ويدعون الناس له، ويمسكون عن المعروف وربما ضاقت نفوسهم به، وأعظم من ذلك وأسوأ أن ينفروا الناس منه ويشوهون صورته رجالاته أولئك نسخ تتكرر وأجيال تتلاحق الذين قال الله عنهم:{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67].
أولئك أصحاب شهوات غرضهم أن يميل الناس عن الحق وينحرفوا عن
(1) ألقيت هذه الخطبة في 22/ 5/ 1428 هـ.
السنة {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} .
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحيا الفضائل، وتمات البدع وتحصر الرذائل، وتحمى الأعراض، وتصان الحرمات وبالنهي عن المنكر يحاصر المبطلون، ويكشف المجرمون، ويضيق الخناق على الجريمة، ويأمن الناس على أموالهم ودمائهم وأعراضهم حين يعز سوق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، ويصبح ممارسة الجريمة خفية وعلى استحياء، وفعل المعروف علانية وبكل عزة.
رجالات الحسبة يسهرون حين ينام الناس، ويقومون نيابة عنا في متابعة أهل الفساد والفجور .. إنهم يستشعرون المسئولية في تحقيق الأمن، ويرحمون الخلق حين يهدونهم للحق، ويحسنون للمخطئ حين يبصرونه بالخطأ، أو يقصرونه عن منكر أعظم إنهم ذراع الوالي لأطر الزائغين على الحق أطرًا، وهم عين العالم الذي يعرف الحق من الباطل، وهم ورجالات الأمن يكملون أدوات بعض في حماية المجتمع من أعاصير الفتن وموجات الفساد.
ورجالات الأمر بالمعروف بشر كغيرهم من البشر غير معصومين من الخطأ .. لكن من الحيف أن تعظم أخطاؤهم وتنسى جهودهم، ومن الظلم أن تلصق بهم كل تهمة وأن ينسب لهم كل خطأ ..
وحين تقرع الطبول ويتنادى الموتورون لإسقاطهم فتلك البلية التي لا يجوز السكون عليها أو إسقاط جهازهم (الهيئات) .. وحين تطرح هذه الأيام قضايا الهيئات بعبارات فجة، وأساليب غير منصفة، فذاك التشهير الذي يريد منه أولئك ما بعده .. ولا يرضى به المجتمع فضلًا عن المسئولين، وبالأمس عنوان كبير في الجزيرة يقول (استياء الهيئة من الصحف) وفي اليوم نفسه وفي جريدة الرياض تصرح لوكيل الرئيس العام لهيئات أبدى فيه الصحف تحفظه على بعض ما ينشر
في الصحف ومجانبته للحقيقة ولكن ثقتنا بدولتنا التي قامت على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وتصريحات مسئولي الدولة في عدد من المناسبات عن أهمية هذا القطاع وجهود رجاله كل ذلك يطمئننا أن هذا التهويش الذي يثار بين الفينة والأخرى لن يحقق أهداف أولئك الموتورين ولن يضعف من دور الحسبة ومراكز الهيئات عن ممارسة واجبها يا رجالات الهيئة وحين لا تعطون الفرصة للشانئين والمتربصين بأي تصرف غير محسوب .. فثقوا أن الله معكم يأجركم ويدافع عنكم وحين تلتزمون باللوائح والنظم لإداراتكم فثقوا أن الدولة من ورائكم، وأن المجتمع يقدر جهدكم ويشارككم مسئوليتكم عجبًا لأقوام يضيقون بالمعروف ويروجون للمنكر، ويضيق عطنهم عن الآمرين بالمعروف والناهين للمنكر، بل ويسعون في الوقيعة بهم .. أين العدل إن ضعف الدين، وأين المروءة والشهامة إن غابت العقول أو ضعفت الغيرة؟
ألسنا نتفق على أهمية نظافة المجتمع بفكره وأخلاقه وتعاملاته؟ فما جزاء من يحتسب على الخمور ويكافح المخدرات .. ومن يحمي الأعراض ويمنع من اختلاط الأنساب، من يسهم في إصلاح البيوت، ويسدي النصح والتوعية والإرشاد للمراهقين والمراهقات؟
أيستحق أولئك الجنود الأخفياء أن نشهر بهم في المنابر الإعلامية، أو يكونوا مادة للسخرية في المسلسلات والقنوات؟ سبحانك هذا بهتان عظيم ..
إن من يريد أن ينصح ويوجه يقول للمحسن أحسنت .. ولكن عليك كتب وكتب ورحم الله من أهدى لأخيه عيوبه وفرق بين هذا المسلك ومسلك محاولات الإسقاط، وتشويه المسار، وملء قلوب الناس بالكره والازدراء .. وأعظم من ذلك حين يطرح بكل صفاقة أو يقصد من وراء الإثارة المستمرة إسقاط جهاز
مهم من أجهزة الدولة .. أو إضعاف رجاله بتقليص صلاحياتهم.
وهل يريد هؤلاء أن يكون بدل رجالات الدولة وجنودها المعروفين رجال نكرات وجنود مجهولون يعملون في الخفاء وقد يضرون أكثر مما يتعلمون.
ومجتمعنا .. بحمد الله مجتمع محافظ خير، أفيريد أولئك الذين يشغبون على رجالات الهيئة أن يستبدل رجال رسميون يعملون وفق لوائح وأنظمة للدولة .. بآخرين محسوبين ولا تضبطهم لوائح وأنظمة وقد تسيرهم العاطفة ويستجيبون للغيرة .. فلا يرضون بصاحب المنكر يمارس جريمته فيقع الاختلاف والفتنة؟
إن بلادنا بحمد الله وعلى تعاقب المسئولين ولاة الأمر فيها يؤكدون على قطاع الحسبة ويشكرون رجالات الهيئة، ولا يمنعهم ذلك من التوجيه والإرشاد للمخطئ كغيرهم من رجالات الدولة.
ولكن نفرًا من بني جلدتنا يرومون الصعب وربما غابت عنهم المآلات، وودوا لو غيبت الهيئات! ! أو فرغت من محتواها؟ إن من حق الدولة- وفقها الله- أن تحاسب الهيئات كما تحاسب بقية القطاعات لكن ليس من حق كل شخص أن يتخوض فيما لا يعلم .. وإذا قدر لجهة من الجهات أن تقع في خطأ ما فثمة لجان مختصة تُعنى بالدراسة وفق معطيات ومعلومات ووقائع .. وليس من المصلحة أن تفتح الباب واسعًا في الصحافة أو غيرها لطرح الموضوع على عامة الناس فتكون البلبلة والإثارة، ويتراشق الناس بالتهم.
ولذا فإن العقلاء يتطلعون إلى وقفة حاسمة من الدولة وفقها الله توقف فيه هذه المهارشات والتهويشات التي كل عام، والتي تقصد بها الهيئات هذه الأيام .. وإن كان الناس بعامة لدينهم من الحصافة بحيث لا يتأثرون بمثل هذه الطروحات .. لكنها المصلحة العامة وتسكين الفتنة، وإنصاف الجهات الكاملة.
إن من رسالة الصحافة المصداقية والأمانة في العرض والطرح وذكر
المحاسن وتقويم الأخطاء ومعالجتها بحكمة وعدل، وانطلاقًا من هذه القيم للمسئولية الإعلامية، فأين وسائل الإعلام- وعلى رأسها الصحافة- عن رجالات الهيئة حين اعتدى عليهم أصحاب الشهوات، وأرباب الجرائم .. حتى دخل بعضهم المستشفيات فأين دفاع الصحافة عنهم، وأين مطالبتها بتتبع متقصديهم بالسوء، وهل تناولوا قضيتهم تلك بمثل ما يتناولون اليوم قضايا موت لأشخاص .. صرح المسئولون عن الهيئة عن ملابساتها وظروفها ..
أين الصحافة وكُتَّاب الأعمدة عن عرض منجزات الهيئة، وتفاني رجالاتها في خدمة المجتمع والمساهمة في تحقيق الأمن .. هل تنكر إنجازاتهم في قبض المروجين وفي حماية الأعراض .. أو غيرها من القضايا .. أليس الله يقول:{وإذا قلتم فاعدلوا} فأين العدل في عرض ما للهيئات وما عليها؟ ألا يستشعر أولئك أن القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سر من أسرار البقاء وأمان من العذاب، والله يقول وهو أصدق القائلين {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَاّ قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 116، 117]
ألسنا ندرك جميعًا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للتمكين في الأرض {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} .
ومن يتحمل اللعن .. وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وذلك جزاء من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}