الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يزيد بن صهيب (الفقير) وهو أحد التابعين (1): «من تقلد سيفه في هذه الفتن لم يزل الله ساخطًا عليه حتى يضعه عنه» (2).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَاّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة الأنفال: 25].
الخطبة الثانية
أخوة الإسلام وإذا كان الفرار من الفتن أحد المخارج من الفتن فالمخرج الثاني هو الدعاء والتعوذ من الفتن، فقد روى مسلم وغيره من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات» (3).
وإذا كان المسلم يردد هذا الدعاء كل يوم في الصلاة فهل يستشعر معناه وهو يردده؟ ومخرج ثالث من الفتن يتمثل في صدق المبادرة لعمل الصالحات والإكثار من الخيرات فهذا مندوب له المسلم في كل حين {فاستبقوا الخيرات} [سورة البقرة: 148]. {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة} [سورة آل عمران: 133].
ولكن الندب إلى ذلك في أوقات الفتن أشد وأكد، وهذا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى ذلك ويقول:«بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا» (4).
(1)(التهذيب 11/ 338)
(2)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 15/ 25.
(3)
(مسلم 2/ 590)، نضرة النعيم 11/ 5199).
(4)
رواه مسلم (118).
ويرشدنا إلى فضل العبادة في الفتن حيث يقول: «العبادة في الهرج كهجرة إلي» إن الاشتغال بالعبادة فوق ما فيه من تحصيل الأجر والمغنم، فهو صارف عن الاشتغال بالقيل والقال وإضاعة الأوقات تلك التي تزيد من الفتن وتوسع دائرتها.
وقد قيل: «في الفتنة يتبين من يعبد الله ممن يعبد الشيطان» (1).
أخوة الإيمان: ومع الدعوة والعبادة والإكثار منها والانشغال بها، فكلنا ندعو للتوبة والاستغفار والتوبة ليست محرجًا من الأزمات والفتن فحسب، بل وطريق للسعادة والفلاح:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة النور: 31]. {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [سورة التوبة: 126]. وعند هذه الآية ساق ابن كثير الحديث عن أنس: «لا يزداد الأمر إلا شدة، لا يزداد إلا شحًا، وما من عام إلا والذي بعده شر منه، سمعه من نبيكم صلى الله عليه وسلم» (2).
وقال السعدي: وفي هذه الآيات دليل على أن الإيمان يزيد وينقص، وإنه ينبغي للمؤمن أن يتفقد إيمانه ويتعاهده فيجدده وينميه ليكون دائمًا في صعود (3).
كيف نسهم في دفع الفتن؟
إذا كانت آثار الفتن تعم ولا تخص {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَاّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة الأنفال: 25].
فدفع الفتن مسئوليتنا جميعًا، ويمكن أن نسهم في دفعها بالوسائل التالية:
(1)(السنن الواردة في الفتن وغوائلها 1/ 235 عن نضرة النعيم 11/ 5217).
(2)
(تفسير ابن كثير 3/ 176)، والحديث عند ابن ماجة في الفتن.
(3)
(تفسير كلام المنان 3/ 317).
1 -
تعليم العلم النافع ونشره، فالعلم مبصر للناس ومانع لهم من الفتن بإذن الله {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [سورة فاطر: 28].
2 -
التحذير من الفتن وآثارها وويلاتها، والنصح لإخواننا المسلمين على المستويات كافة:«الدين النصيحة قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» .
3 -
الاستمرار في مشاريع الدعوة الاحتساب، فبنشر الدعوة ينتشر الخير، وينشغل الناس بالنافع المفيد، وتصح القلوب، وتقمع الشرور والفتن، وبالحسبة يحاصر المبطلون وتنطفئ المنكرات، ويشيع المعروف، وتخفف آثار الفتن.
4 -
عدم التعجل في الفتن (قولًا وعملًا) استرشادًا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشيء فيها خير من الساعي ومن يشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأ أو معاذًا فليعذ به» (1).
5 -
الإسهام في الإصلاح حيث يقع شيء من الفتن، وتقريب وجهات النظر، وردم هوَّه الخلاف، فالخلاف شر، والله يقول:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [سورة الحجرات: 10]، ويقول:«لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس» .
6 -
التنبه للمتربصين والتفطن لمن يسعون بالفتنة أو يحاولون استغلال أجوائها لبث شرورهم وباطلهم، فذلك مطلب حتى لا تتسع الفتنة وتعم البلبلة.
(1) رواه البخاري ح 7081 (الفتح 13/ 30).
7 -
تبصير الناس بأحاديث الفتن والموقف المشروع منها، وعدم التعجل في تطبيق بعض الأحاديث العامة في الفتن، وتنزيلها على أحداث خاصة- دون علم-.
8 -
التأكيد على أهمية الوحدة والائتلاف وبيان النصوص الشرعية في ذلك، حتى ولو أدى إلى أن يتنازل المرء في سبيل ذلك عن بعض ما يحب- ما لم يكن حرامًا- في سبيل توحيد كلمة المسلمين {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [سورة الأنبياء: 92]. والخلاف شر، والشيطان يئس أن يعبد في أرضكم ورضي بالتحريش بينكم «ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» .
9 -
دعوة الناس إلى كثرة العبادة، وتذكيرهم بقيمة التوبة، فما وقع بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [سورة التوبة: 126].
10 -
المشورة بين العلماء وطلبة العلم والدعاة لدفع الفتن، والنصح للولاة لتجنيب البلاد والعباد آثار الفتن وويلاتها، فالمسلمون أمرهم شورى بينهم، والدين النصيحة، ولا بد من رفض إعجاب كل ذي رأي برأيه، ولا بد من اتهام النفس وتوطينها لقول الحق وقبوله ممن جاء به.
11 -
وعماد ذلك وأساس المخرج من الفتن تحقيق التقوى، والتواصي بالصبر {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [سورة الطلاق: 2]. {يِاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إَن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} [سورة الأنفال: 29]. {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [سورة آل عمران: 120]، {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر: 3]، {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة آل عمران: 200].