الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله قدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شرع فأحكم، وحكم فعدل وهو خير الحاكمين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، دل الأمة على الخير وأمرهم به ونهاه عن الشر ونهاهم عنه، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين.
أيها الإخوة المؤمنون الدنيا متاع وفيء زائل، والآخرة هي دار القرار، وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا، وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا.
أيها المتنزهون تتاح لكم في البراري عبادة عظيمة قل في الناس عاملها، وجاء في القرآن الحث عليها .. إنها عبادة التفكر {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20] {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190، 191]، {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 24].
يا أيها المتنزه هل بلغت بنظرك عظمة الله فيما خلق وأنت ترى أنواع الأزهار وصنوف الأشجار تسقى بماء واحد ويختلف في الطعوم والأشكال .. وتبصر أنواعًا من الدواب والزواحف والهوام {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَاّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} .
تبصر الجبل والسهل والقيعان والرمال، فهل تكبر حين ترقى مرتفعًا وتسبح
حين تنحدر منخفضًا؟ . وهل تتذكر- وأنت تجول في أرض الله الواسعة- قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 27، 28].
كم في البراري من معان ودروس لو تأملناها، ثم لفتنا نظر أبنائنا وبناتنا لها .. إنها دروس عملية في الإيمان .. ودورات تطبيقية في التربية .. يتسع لها كون الله الفسيح، وتحدث في القلوب خشية وتعظيمًا لله فهل نمارس هذه العبادة وتلك التربية في رحلاتنا وتنزهاتنا؟ وهل نتذكر البعث والنشور ونحن نرى بعث الله للحياة في الأرض الموات {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 57].
أيها المسلمون ما أجمل الرحلة يعود القلب بعدها مسرورًا منشرحًا فهو يتخفف من أعباء الحياة ويجدد حياته ونشاطه من جانب وهو من جانب آخر يجدد إيمانه ويتذكر عظمة ربه .. إنها دعوة لنفسه .. ويمكن أن تكون دعوة لأهله ورفقته .. ويمكن أن يشمل بالخير غيره فيذكر بلطف من مر به .. أو يلفت نظر من بطر وأشر واستخدم أنعم الله فيما حرم الله .. وجازى الإحسان بالنكران ..
إننا أمة الخير ومن خيرية أمتنا أننا نتآمر بالمعروف ونتناهى عن المنكر .. وإذا لم يستحي أصحاب المنكرات بإظهار منكراتهم .. أتستحي يا صاحب الحق والخير بإظهاره؟
إن خارق السفينة لا يحرق في نصيبه فحسب، بل هو ساع إلى إغراق الجميع .. وإذا لم يأخذ العقلاء على أيدي السفهاء، أوشك العذاب أن يعم ما
أجمل المروءة في كل حين ولكنها تزداد زينًا حين الحاجة إليها، كمن بعد عن أهله أو تعطلت به راحلته .. أو تاه عن طريق الأوان وإن إناسًا يحتسبون أوقاتهم في البراري لخدمة هؤلاء وأولئك المأجورون ..
يا أيها المتنزهون المطولون في النزهة أحرصوا ألا تطول غيبتكم عن أهلكم وزويكم فلهم حاجات وظروف وفي عوادي الدهر مفاجئات وطوارق، فكونوا على صلة بهم بالهواتف النقالة تعلمون أخبارهم وتتابعون أمورهم فهم أمانة في أعناقكم وستسألون عنهم .. وحذاري من أن تعودوا من الرحلة وقد تغيرت أحوال بعضهم برفقة سيئة .. أو بمشاهدات هابطة .. أو نحو ذلك من عوامل الانحراف واجعلوا لهم من هذه الرحلات نصيبًا يشعرهم بالقرب منكم، وتمارسون التربية معهم في كل حين ولشتى الوسائل .. أيها المتنزهون والمكان الذي تتنزهون فيه حق لكم ولغيركم فاحرصوا على نظافته ليبقى نظيفًا لكم ولغيركم، ودينكم دين الجمال والنظافة، وإياكم والإسراف في المطعم والمشرب .. وتصدقوا بما فضل .. واحمدوه على الأكلة والشربة يغفر لكم واذكروا ربكم في أي مكان حللتم .. فستشهد الأرض لكم حين تحدث أخبارها ولا تنسوا دعاء المنزل فهو حافظ لكم بإذن الله .. حفظكم الله في حلكم وترحالكم ورزقنا شكره وذكره، وعافانا من البلاء والمحن ..