الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
إخوة الإسلام من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ويهديه للإسلام وقد أراد الله لأبي محذورة خيرًا، أما أخوه (أنيس) فقد قتل ببدر كافرًا (1).
أما أبو محذورة فهو صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، ومؤذن المسجد الحرام أسلم في قصة طلب النبي صلى الله عليه وسلم له حين كان يحاكي الآذان استهزاء، فأسلم يومئذ، كما قال ابن عبد البر (2) أما ابن سعد فقال: أسلم أبو محذورة يوم فتح مكة، وأقام بمكة ولم يهاجر (3).
وقال الواقدي: كان أبو محذورة يؤذن بمكة إلى أن توفي سنة تسع وخمسين، فبقي الآذان في ولده وولد ولده إلى اليوم بمكة (4).
وهذا يعني أن أبا محذورة بقي مؤذنًا قرابة نصف قرن .. وبقي الآذان في ولده قرابة قرنين من الزمان إلى زمن الرشيد العباسي (5) كم في الآذان من فضائل .. وكم للمؤذنين من فضل، فهم أطول الناس أعناقًا يوم القيامة، والشجر والحجر والإنس والجن، والرطب واليابس يشهد لهم يوم القيامة (6).
وبشراكم معاشر المؤذنين بهذا الحديث: «من أذن ثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة، وبإقامته ثلاثون حسنة (7).
وهنيئًا لكم- معاشر المؤذنين- وأنتم أول داخل للمسجد، تذكرون الغافل
(1)(الاستيعاب بهامش الإصابة 12/ 133).
(2)
(السابق 12/ 134).
(3)
(الطبقات 5/ 450).
(4)
(الطبقات/ 450).
(5)
(جمهرة أنساب العرب/ 163)
(6)
(الفتح 2/ 88).
(7)
(رواه ابن ماجة والحاكم وغيرهم بسند صحيح (صحيح الجامع 5/ 236).
بالآذان، وتوقظون النائم مع انشقاق الفجر، ثم تمكثون في المسجد .. تصلون من النوافل ما كتب الله لكم، وتقرأون من كتاب الله أو تذكرون الله وتسبحونه بما لا يتوفر لغيركم- إلا لمن شارككم التبكير للمسجد وفضل الله يؤتيه من يشاء ..
وهنا لفتةٌ فكم تشكو المساجد من قلة التبكير إليها، وقد مرت أزمان كان المؤذن يسبق إلى المسجد .. فأين المرابطون في المسجد قبل أو مع الآذان .. وأين الباقون في المساجد بعد الصلاة يتلون كتاب الله أو يصلون أو يسبحون ويهللون ويحمدون؟ أولئك رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار ..
لقد ضعف وردنا اليومي للقرآن، ولو عودنا أنفسنا التبكير للمسجد، أو المكوث فيه بعد الصلاة، لسهل علينا وردنا من القرآن ولعمرت المساجد أكثر، وإذا كانت هذه الظاهرة تستحق العناية والتذكير، فمن التحدث بنعمة الله أن نذكر أن هناك مساجد عامرة بالمرابطين فيها قبل وبعد الصلاة، وهناك مصلون أخذوا على أنفسهم أن يجلسوا في المسجد أدبار الصلات ليتفرغوا لتلاوة القرآن- أولئك مجاهدون ومرابطون-، ولهم من المشاغل والارتباطات ما لغيرهم، لكنهم محتسبون، وواثقون بأن كل نفس لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها ..
فهل يا ترى يتشجع جماعة كل مسجد ويؤنس بعضهم بعضًا في الجلوس في المسجد ولو لوقت قليل، ولو بعض الأوقات .. ولو بعض الأيام .. و {من عمل صالحًا فلنفسه} وبذكر الله تطمئن القلوب، ومنقبة للرجل أن يعرف ملزوم المسجد، وأن يكون من سواريه.
معاشر المسلمين عامة ومعاشر المؤذنين خاصة .. وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبا محذورة، صفة للأذان رواها (مسلم) في صحيحه (379) وعن أبي محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الآذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة .. فذكرها (1).
أيها المؤمنون نداء الآذان شعار للمسلمين في سلمهم وحربهم وفي سفرهم وحضرهم، وحري بهذا النداء أن يقدر، وأن يجاب المنادي للصلاة .. بل وحري بالمسلم أن يسمع الآذان ويردد بعده ما ورد وأن يقول بعد الآذان هذا الدعاء «اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمود الذي وعدته» فمن قال ذلك حلت له شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة (2).
كم نستهين أو نتغافل عن هذا الدعاء وهذا فضله، وكم نزهد في الآذان وتلك مرتبة المؤذنين وفضلهم.
اللهم لا تحرمنا فضلك .. واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
(1) رواه أبو داود بسند صحيح (صحيح سنن أبي داود 1/ 100).
(2)
(رواه البخاري ح 614 الفتح 2/ 94).