المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌من معاني الحج، وتعميم منع المرأة من العملِ مع الرجال - شعاع من المحراب - جـ ٨

[سليمان بن حمد العودة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثامن

- ‌مشاعر ما بعدَ رمضانَ

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌فشلُ اليهود ونهايتُهم

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الأشهر الحُرُم وبدع رجب

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌أبو ذر رضي الله عنه إسلامه وحياتُه

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الأمنُ الشامُل مسئوليتنا جميعًا

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌تسع قوارب للنجاة من الفتن

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌فوائد مختارة، والصحابي الذي اهتز له عرش الرحمن

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌من معاني الحج، وتعميم منع المرأة من العملِ مع الرجال

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌(1) في السيرة النبوية

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌(2) في السيرة النبوية

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌المخدّرون المُستهزئون

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌وقفاتٌ حول {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ}

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌بشائر الإسلام في نيجيريا

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌رمضان وواقع المسلمين

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌معالم في قضيتنا الكبرى

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌مُعوّقون من نوعٍ آخر

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌العشر الأواخر - قيام الليل، الاعتكاف

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌وقفات ما بعد الحج والوعي المروري

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌ألا ويح الملعونين! ومَن همْ

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌القاتِلُ البطيءُ

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌من ثمرات الأمن في الأوطان وأسبابه

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌بين عُلوّ الهمّةِ والتوبة في رمضان

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌حراسة الفضيلة

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الوقت والإجازة

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌نحن وأهل الكتاب

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌فتنة الشهوة

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الجريمة مظاهر وعلاج

- ‌الخطبة الأولى:أسبابٌ ومقترحات

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌العدل وفقه الائتلاف

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌فقه الائتلاف

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الخطر المتجدد

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

الفصل: ‌ ‌من معاني الحج، وتعميم منع المرأة من العملِ مع الرجال

‌من معاني الحج، وتعميم منع المرأة من العملِ مع الرجال

(1)

‌الخطبة الأولى:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، مَنَّ على عبادِه بمواسمِ الخيراتِ ما يرفعُ لهم به الدرجاتِ، ويكفرُ عنهم السيئاتِ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، قضى بقصرِ هذه الحياةِ الدنيا وجعلها متاعًا للغَرور، وحكمَ بأن الآخرةَ هي الحيوانُ لو كانوا يعلمون، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه وخيرتُه من خلقِه، قضى حياتَه جهادًا وعبوديةً ودعوةً حتى أتاه اليقينُ، اللهمّ صلِّ وسلِّم عليه وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسَلين، وارضَ اللهم عن أصحابهِ أجمعين، والتابعينَ ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (2).

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (3).

عبادَ الله: خصّ اللهُ أقوامًا بفضله فهم دائمونَ على طاعتِه، مستثمرونَ لفرصِ الخيرِ، مسارعونَ إلى مغفرتِه، وأولئك ينتقلون من طاعةٍ إلى أخرى وما أن ينتهي موسمٌ للطاعةِ إلا ويستقبلونَ بالعزيمةِ والبشرى موسمًا آخر .. وهكذا تَعظمُ

(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 22/ 11/ 1421 هـ.

(2)

سورة الحجرات، الآية:13.

(3)

سورة النساء، الآية:1.

ص: 69

أرصدتُهم للآخرةِ، وتُبنى لهم القصورُ والغُرفاتُ وتُزيَّنُ لهم الجنانُ الباقياتُ وهم بعدُ في الدنيا.

وبإزاءِ هؤلاءِ صنفٌ يأكلونَ ويشربونَ ويتمتعونَ في الدنيا وكأنّها نهايةُ المطاف .. فلا هِمّةَ لهم في المسارعةِ، ولا شعورَ عندَهم بفرصِ الطاعة، شَغَلَهم التنافسُ في الدنيا عن التنافسِ في الآخرة، وحجبتهم المعاصي عن أنوارِ الإيمان، أولئكَ تبدأُ المواسمُ وتنتهي وكأنها لا تعنيهم، وإن مارسوها أحيانًا فمِن بابِ تقليدِ الآخرينَ أو مجاملتِهم.

إنها القلوبُ الغافلةُ .. والأرواحُ المُصابةُ، والهممُ الدنيّةُ، ها نحن في أحدِ أشهرِ الحجِّ كم تثيرُ فينا ذكرياتُ الحجِّ من معانٍ وأحاسيسَ .. وهناك تُسكبُ العبراتُ ويتوجَّه المذنبونَ إلى الغفّار، فلا يَدَع للأوابينَ المخلصينَ من ذنبٍ إلا غفرَه - ويعودُ الحاجّ بالحجّ المبرورِ، وكأنّما ولدَتْهُ أُمّه .. بل ويعودُ الحاجُّ الموفقُ بالحجّ المبرورِ وليس له جزاءٌ إلا الجنةُ، كم تتطلعُ النفوسُ المذنبةُ إلى المغفرة، وكم هو عظيمٌ الجزاءُ حين يكون الجنةَ، أين الشاردون؟ أين السادرون؟ أين المسرفون؟ بل وأين المؤمنونَ من فضلِ اللهِ ورحمتهِ؟

إن طوفانَ الحياةِ الماديةِ يكادُ يُغرقُنَا .. أفلا ننجو من الغرقِ وسفينةُ الحجّ تنتظرنا؟ وإن رائحةَ الذنوبِ والمعاصي تكادُ لهولِها تزكُمُ أُنوفَنَا - أفلا نتطهّرُ منها ونتزينُ ونتعطرُ بلباسِ التقوى، وثيابِ الإحرامِ، فهي داعيةٌ للتجردِ والعبوديةِ، وهي وسيلةٌ للتطهيرِ والتقوى!

أيها المسلمونَ: تأملوا سورةَ الحجِّ وكيف بدايتُها؟

إنها تبدأُ بالدعوةِ لتقوى اللهِ، وتُذكّرُ بالبعثِ وزلزلةِ الساعة، وهذه البدايةُ مُشعرةٌ بأنّ الحجّ رحلةٌ إلى اللهِ، ففيه خروجٌ عن الأهلِ والولدِ والوطنِ، وفيه تجردٌ من المَخيط، ووقوفٌ ومشهدٌ عظيمٌ يتجردُ فيه المسلمُ عن دنياهُ وجاهِهِ وكلِّ

ص: 70

اعتباراتهِ؛ ليتساوى في مناسكِ الحجّ ومواقفهِ الشريفُ والوَضيعُ، والغنيُّ والفقيرُ، والأميرُ والمأمورُ، والذكرُ والأنثى .. لا فرقَ إلا بالتقوى .. وكذلك يكونُ الموقفُ في عَرَصاتِ القيامةِ للحسابِ .. وكذلك كان يَفهم السلفُ الصالحُ حقيقةَ الحجِّ ومعناه، ويتذكرونَ به مشاهدَ القيامةِ وموازينَها وقيمَها .. وبمعاني الإيمانِ والتقوى يتفاضلُ الناسُ ..

وسأسوقُ لكم نموذجًا من إيمانيات الحُجاج، كشفَها الفاروقُ عمرُ في خلافِته، وكشف معها نبوءةً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم حين أخبر عن سيدِ التابعين.

وتأملوا في رجلٍ أثنى عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولم يرَه، وطلب ممَّن أدركه أن يطلبَ الاستغفارَ والدعاءَ منه، وإن كان هذا الرجلُ خاملَ الذِّكر .. مُقتَصِدَ المَلبس، حقيرًا في أعينِ أهلِ الدُّنيا، أجل لقد حجَّ عُمر رضي الله عنه بالناسِ سنةَ ثلاثٍ وعشرين - قبيلَ استشهادِه بأيام، وكان شغلُه البحثَ عن سيدِ التابعين أويسٍ القَرَنيِّ، ذاك الرجلُ الذي صعدَ عمرُ لأجله جَبلَ أبي قبيسٍ وأطلّ على الحجيج ونادى بأعلى صوتهِ: يا أهلَ الحجيجِ من أهلِ اليمنِ، أفيكم أويسٌ من مُراد؟ فقام شيخٌ طويلُ اللحيةِ من قَرَنٍ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنك قد أكثرتَ السؤالَ عن أويسٍ هذا، وما فينا أحدٌ اسمُه أويسٌ إلا ابنُ أخٍ لي يُقالُ له أويسٌ، وأنا عمُّه وهو حقيرٌ في أظهرِنا، خاملُ الذِّكرِ، وأقلُّ مالًا، وأوهنُ أمرًا من أن يُرفعَ إليك ذِكْرُه، فسكتَ عمرُ - كأنه لا يريده - ثم قال: يا شيخُ، وأينَ ابنُ أخيكَ هذا الذي تزعمُ؟ أهو معنا في الحَرَم؟ قال الشيخ: نعم يا أميرَ المؤمنينَ، هو في الحرم غيرَ أنه في أراكِ عَرفةَ يرعى إبلًا لنا، فركبَ عمرُ وعليّ بنُ أبي طالبٍ رضي الله عنهما، وأسرَعا إلى أراكِ عَرفةَ، ثم جعلا يتخللانِ الشجرَ، ويطلبانِ أُويسًا، فإذا هما به في طِمرينِ من صوفٍ أبيضَ، قد صفّ قدمَيْهِ يصلي إلى الشجرة، وقد رمى ببصرِه إلى موضعِ سجودهِ، وألقى يديهِ على صدرِه، والإبلُ حولَه ترعى، قال

ص: 71

عمرُ لعليٍّ: يا أبا الحسنِ، إن كان في الدنيا أويسٌ القرني فهذا هو، وهذه صفتُه، ثم نزلا عن حماريهما وأقبلا يُريدانِه، فلما سمعَ أويسٌ حِسَّهما أوجزَ في صلاتِه ثم تشهَّدَ وسلّم، وتقدَّما إليه وسلَّما ثم ردّ السلامَ عليهما، فقال له عمرُ: مَنِ الرجلُ؟ قال: راعي إبلٍ وأجيرٌ للقوم، قال عمر: ليس عن الرعايةِ أَسألُكَ ولا عن الإجارةِ، إنما أسألُكَ عن اسمِك، فمَن أنتَ يرحمُكَ اللهُ؟ فقال: أنا عبدُ اللهِ وابنُ أَمَتِه،

فقالا: قد علمنا أن كلَّ من في السماواتِ والأرضِ عبيدُ اللهِ، وإنا لنقسمُ عليكَ ألا أخبرتَنا باسمِكَ الذي سمَّتكَ به أمُّك، قال: يا هذان، ما تريدانِ إليَّ؟ أنا أويسُ بنُ عبدِ الله، فقال عمر: اللهُ أكبر، أوضحْ لنا عن شِقّكَ الأيسرِ. قال: وما حاجتكُما إلى ذلك؟ فقالَ له عليٌّ رضي الله عنه: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وصفَكَ لنا، وقد وجدنا الصفةَ كما أخبَرَنا، ونريد أن نعلمَ اللّمْعَةَ البيضَاءَ بمقدار الدِّينار أو الدِّرهمِ، فلما نظرَ عمرُ وعليٌّ إلى شِقِّه الأيسرِ، وبه اللمعةُ البيضاءُ ابتدرا أيهما يُقبّلُ قبلَ صاحِبِه، وقالا: يا أويسُ إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمرَنا أن نقرئَكَ منه السلامَ، وأمرنا أن نسأَلكَ أن تستغفرَ لنا، فإن رأيتَ أن تستغفرَ لنا يرحمُكَ اللهُ، فقد خُبِّرنا بأنك سيدُ التابعين وأنكَ تشفعُ يومَ القيامةِ في عددِ ربيعةَ ومُضرَ، فَبَكى أويسٌ بكاءً شديدًا، ثم قال: عسى أن يكونَ ذلك غيري، قالا: بل أنتَ، فادعُ لنا، قال أويسٌ: ما أخصُّ باستغفاري نفسي ولا أحدًا من ولدِ آدمَ، ولكن في البرّ والبحرِ، للمؤمنينَ والمؤمناتِ، والمسلمينَ والمسلماتِ في ظُلمِ الليلِ وضياءِ النهارِ، ولكن من أنتما يرحمُكُما اللهُ، فإني قد خّبرتُكما وشهرتُ لكما أمري، ولم أحب أن يعلَمَ بمكاني أحدٌ من الناس؟ فقال عليٌّ: أما هذا فأميرُ المؤمنينَ عمرُ، وأما أنا فعليُّ بنُ أبي طالب، فوثبَ أويسٌ فرحًا مستبشِرًا فعانَقهُما وسلّم ورحَّبَ بهما وقال: جزاكم اللهُ عن هذه الأمةِ خيرًا، ودعا لهما، ثم قالَ عمر: مكانكَ رحمكَ اللهُ حتى أدخلَ مكةَ فآتيكَ بنفقةٍ من عطائي وفَضْلِ

ص: 72

كسوةٍ من ثيابي، فإني أراكَ رثَّ الحال، وهذا المكانُ ميعادُ بيني وبينك غدًا، فقال أويسٌ: يا أميرَ المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك ولا أعرفكَ بعدَ اليومِ ولا تعرفني، ما أصنعُ بالنفقة؟ وما أصنعُ بالكسوةِ؟ أما ترى عليّ إزارًا من صوفٍ

ورداءً من صوف، متى تراني أُخْلِقهُما .. ومعي أربعةُ دراهم أخذتُها من رعايتي متى تُراني آكلُها؟ يا أميرَ المؤمنين، إن بيني يديّ عقبةً لا يقطعها إلا كلُّ مُخفٍّ مهزولٍ، فأخفَّ يرحمُك اللهُ .. إن الدنيا غرّارةٌ غَدّارةٌ، زائلةٌ فانية، فمن أمسى وهمتُه فيها اليومَ مدّ عُنقَه إلى غدٍ، ومن مدّ عنقَه إلى غدٍ أعلقَ قلبَه بالجمعة، ومن أعلق قلبَه بالجمعة لم ييأس من الشهرِ، ويوشكُ أن يطلبَ السنةَ، وأجلُه أقربُ إليه من أملِه، ومن رفضَ هذه الدنيا أدركَ ما يريدُ غدًا من مجاورةِ الجبار، وجرت من تحتِ منازِله الثمارُ، فلما سمعَ عمرُ كلامَه ضربَ بدِرّتِهِ الأرضَ ثم نادى بأعلى صوتِه: ألا ليتَ عمرُ لم تلدْه أمُّه، ليتها عاقرًا لم تعالجْ حملَها، ألا من يأخُذُها بما فيها ولها.

ثم قال أويسٌ: يا أميرَ المؤمنينَ، خُذْ أنتَ هاهنا، حتى آخذَ أنا هاهنا، ومضى أويسٌ يسوقُ الإبلَ بين يديه، وعمرُ وعليٌّ ينظران إليه حتى غابَ فلم يَروه.

وهكذا إخوة الإيمان تكونُ المعاني والقِيمُ، ويوزنُ الرجالُ، ولمثلِ أولئكَ الرجالِ قال عليه الصلاة والسلام:«إن خيرَ التابعينَ رجلٌ يقالُ له أويسٌ، وله والدة وكان به بياضٌ، فمُروه فليستغفرْ لكم» (1).

أيّها المسلمونَ: ومن زلزلةِ الساعةِ وأهوالِ يومِ القيامة - إلى ذكر الجهادِ والقتال في سورة الحج؛ حيث تتوسطُ آياتُ الحجّ بينهما: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ

(1) رواه مسلم من حديث عمر رضي الله عنه برقم (2542).

ص: 73

بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (1). وذلكَ مُشعرٌ كذلك بالارتباطِ بين الحجّ والجهادِ .. فالحجّ نوعٌ من الجهاد، ولذا نقلَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم ذاك الرجلَ الذي اكتتبَ في إحدى الغزواتِ وله زوجة تريدُ الحجَّ، فقال صلى الله عليه وسلم:«اذهب وحجَّ مع امرأتِكَ» (2). فنقله من جهادٍ إلى جهاد.

وعن المرأةِ والحجّ قال عليه الصلاة والسلام: «عليكنّ جهادٌ لا قتالَ فيه: الحجُّ والعمرة» (3). فهل يا ترى يتذكرُ المسلمونَ حين الحجِّ زلزلةَ الساعةِ ومواقف القيامةِ؟ وهل يستشعرون وهم يحجونَ معنًى من معاني الجهاد في سبيل الله؟

أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (4).

(1) سورة الحج، الآية:39.

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3006)، ومسلم برقم (1341).

(3)

أخرجه ابن ماجه برقم (2901)، وأحمد 6/ 165، وبنحوه البخاري (2875).

(4)

سورة آل عمران، الآية:97.

ص: 74