الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربّ العالمين، أحمدهُ تعالى وأشكرُه وأُثني عليه الخيرَ كلَّه، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى إخوانِه وآلِه.
إخوةَ الإسلامِ: وحين نتحدثُ عن فشل اليهودِ وجُبنِهم والخلافِ الواقعِ بينهم، أو نحو ذلك من عوامل الضعفِ عندهم، فلا يلزمُ من ذلك أن ننكرَ ما لديهم من قوةٍ وقدرةٍ على التخطيط - وتفوّقٍ في المجالِ العسكري .. وهذه وتلك فَرضَتْهُم كجسمٍ غريبٍ في الأمةِ، ولكن هذه كذلكَ لا ينبغي أن تقعدَ بنا عن الاستعدادِ لمواجهتهم، أو تؤدي بنا للتخوّفِ السلبي حين الحديثُ عنهم - أو تفسيرُ كل حدثٍ لمصلحتهم - كما صنع مؤلف كتاب «أحجار على رقعةِ الشطرنج» أو كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون» أو كتاب «حكومةُ العالمِ الخفية» أو كتاب «اليهودي العالمي» أو مثيلات هذه الكتب التي يُقال: إنها أُلِّفت لمصلحةِ اليهودِ وإن حذّرت منهم، وظهرَ من ينتقدُ هذا الأسلوبَ المعظّم لليهود، وإن كشف شيئًا من مؤامراتهم.
ولعل من المناسبِ حينَ تُذْكَرُ هذه الكتب أنْ نذكُرَ إلى جانبها كُتبًا تتحدث عن انهيار ما يُسمى بإسرائيلَ، ويُعَوِّل مؤلفوها على إمكانية قيام حربٍ أهليةٍ داخلَ المجتمعِ اليهوديِّ حتى تتعادلَ الكفةُ، ونتوازنَ في النظرة.
وكم هي كلمةٌ جميلةٌ، وتعبيرٌ واثقٌ حين يقولُ أحدُ الكتّاب: هل من المصلحةِ أن نتصوّرَ دائمًا أن اليهودَ شَعْبٌ لا يُقهَرُ، لا يُخطئُ، كلّ عملِهم تخطيطٌ، حتى إذا انهزموا قلنا: خططوا للهزيمةِ؟ إن من المصلحةِ أن نرفُقَ بنفسيّاتِ الشعوبِ المسلمةِ ونقولَ لها: إن اللهَ سبحانه وتعالى يُقيمُ لكم الدليلَ بعد الدليلِ على أن اليهودَ
شعبٌ من سائرِ الناسِ، فيهم النقائصُ المذكورةُ، والعيوبُ المأثورةُ، وأن الهزائمَ تأتيهم من هنا وهناك، وبأعمالٍ بسيطةٍ يقع لليهود خذلانٌ وهزائمُ ونكباتٌ لم تخطر على بالِ أحد.
أيّها المسلمون: وحين نربِّي أنفسَنا وأجيالَنا اللاحقةَ على عدم التهيُّبِ من يهودَ، بل ونكشفُ جبنَهم وضعفَهم عند اللقاءِ. فَلأنَّ معركتَنا معهم معركةٌ أزليّةٌ .. ونحنُ واجدونَ تأكيدَ هذه المعركةِ الأزليةِ مع اليهود في كتابِ الله لعدة أمورٍ، منها:
1 -
كثرةُ حديثِ القرآنِ عنهم منبِّهًا ومحذِّرًا - فما تحدَّث وكشفَ أُمّةً كاليهود.
2 -
تقدّمَ حديثُ القرآنِ عنهم في الفترةِ المكيةِ، وهي فترةٌ لم يكن فيها احتكاكٌ مع اليهودِ، بل كان لدى المسلمين من جبهاتِ المشركينَ ما يكفيهم عن فتحِ جبهةٍ مع غيرِهم .. فلماذا تقدّمَ حديثُ القرآنِ عنهم؟
لقد قيل: لعلّ من حِكَم ذلك أن تعلمَ الأجيالُ اللاحقةُ من المسلمينَ أن المعركةَ مع اليهودِ معركةٌ مستمرةٌ، بغضّ النظرِ عن المواقع التي يحتلُّها كلٌّ من الطرفينِ، قوّةً أو ضعفًا، والله أعلم (1).
3 -
وثالثُ هذه المؤشّرات على أنّ الصراعَ مع اليهودِ أزليٌّ، أن آياتِ القرآنِ الكريمِ ما فَتئتْ تنزِلُ مخاطبةً الأحفادَ بجرائمِ الأجدادِ لليهود، واللهُ تعالى حَكَمٌ عَدْلٌ، لا يُؤاخِذُ أحدًا بجريرةِ غيرِه، لكن قيل: من أسرار هذا التقريعِ أن اليهودَ جنسٌ واحدٌ، وفصيلةٌ متقاربةٌ، وطِباعُهم وخصائِصُهُم تسري من الكبارِ إلى الصِّغارِ، وتتوارثُها الأجيالُ إثْرَ الأجيال .. ولذلكَ يُخاطَبُ اللاحقونَ بما صنَعه
(1) معالم قرآنية في الصراع مع اليهود. مصطفى مسلم.
السابقون، فهم على إثرِهم مقتدونَ. وعلى المسلمينَ وهم يقرءونَ هذه الصفاتِ لليهود ألا يظنُّوها في أجيالِهم السابقةِ، بل وفي اللاحقةِ على حدٍّ سواءٍ، وأن يستعدّوا للمعركةِ معهم بطبائعِهم وخصالِهم، وأن يتخذوا من القرآنِ دستورًا لتوجيههم في معركتهم مع يهودَ.
4 -
ويتذكَّرُ المسلمُ كلَّ يومٍ، بل في كلِّ لحظةٍ يقومُ فيها لله مُصليًا انحرافَ اليهودِ - وكذا النصارى - عن صراطِ الله المستقيم، كُلَّما قرأ سورةَ الفاتحةِ، ومنها {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (1) ويستشعرُ عداوتهم، ويستعدُّ لمواجهتهم.
إخوة الإيمانِ: وأهلُ الإسلامِ يملكونَ سلاحًا معنويًا قادرًا على إمدادِهِم بالنصرِ لو استشعروه واستثمروه، إنهم يملكونَ المنهجَ الحقَّ، وهذا المنهجُ قادرٌ على توحيدِهم وعلى دَفعِهم لمواجهةِ المُبْطلينَ - أيًّا كانوا - واللهُ تعالى معهم يدعوهم لقتالِ أعدائهم ويعدهم بالنصر ويتوعد غيرهم بالعذاب {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} (2) فكيف إذا تزوّدت الأمةُ المسلمةُ - مع سلاحِ الإيمانِ بسلاحِ العلم، وأخذتْ نصيبَها من التقنيةِ؟ أما الأممُ الكافرةُ - وفيهم اليهودُ والنصارى - فمهما قيل عن امتلاكهم لأنواعِ الأسلحةِ وتفوُّقهم في التقنيةِ، فلربّما أتى عليهم يومٌ يعانونَ فيه من تبعاتِ هذه الأسلحةِ النووية - كما تُعاني اليومَ الدولُ الشرقيةُ - من تبعاتِ تدميرِ الأسلحةِ النووية التي خلَّفها لها الاتحادُ السوفيتي، وبالتالي تتحولُ هذه الأسلحةُ من كونها مصدرَ رعبٍ وقوةٍ إلى كونها مصدرَ ضعفٍ وخوفٍ.
عبادَ اللهِ: وخلاصةُ القولِ أنه لا خيارَ للأمةِ عن مواجهةِ اليهودِ، بعد أن
(1) سورة الفاتحة، الآية:7.
(2)
سورة التوبة، الآية:14.
فشلتْ كلُّ الخياراتِ الأخرى، ولكنّ المواجهةَ لا بد أن يسبقها استعدادٌ يقضي بإصلاحِ النفوسِ وترتيبِ الصُّفوف، فصلاحُ الدِّينِ - يرحمه اللهُ - عُنِيَ بإصلاحِ الجبهةِ الداخليةِ قبلَ المواجهةِ مع الصليبيين، فأصلحَ الصفَّ المسلمَ من المنافقينَ والمُرْجفين، وقوّى عزائمَ الخائفينَ والمتثاقلينَ، وكان إلى جانب صلاحِ الدين جمهورٌ من العلماءِ والقادةِ الناصحين، وهؤلاءِ جميعًا أسهموا في تقويةِ العزائمِ ودفعِ حركةِ الجهادِ، حتى إذا قادَ صلاحُ الدين المعركةَ الفاصلةَ - لتحريرِ المقدساتِ الإسلاميةِ تهاوتْ عروشُ الظالمينَ، وتناثرتْ الجُثثُ على سيوفِ المسلمينَ، وعادَ تكبيرُ المآذنِ بدلَ ناقوسِ الكنائسِ وأجراسِها، واستبشرَ المسلمونَ، وهلّلَ الكونُ لهذا النصرِ المبينِ - وطُويت صفحاتٌ من إفسادِ الصليبيين لهذه المقدساتِ لعقودٍ قاربت المائة عام.
ومسلمو اليوم حريُّونَ بتطهيرِ المقدساتِ من عبثِ اليهودِ وتخليصِ المسلمينَ من طيشِ المعتدينَ - لكن بعدَ أن يَصدُقوا مع ربِّهم ويُصلحوا ما بأنفُسهِم {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (1)، ونهايتُهم على أيدي المسلمين محسومةٌ بالخبرِ الصادقِ:«لا تقومُ الساعةُ حتى يُقاتلَ المسلمونَ اليهودَ، فيقتلُهم المسلمونَ، حتى يختبئَ اليهوديُّ، وراءَ الحَجَرِ أو الشَجَرِ، فيقولُ الحَجَرُ أو الشجرُ: يا مسلمُ يا عبدَ اللهِ، هذا يهوديٌّ خلفي فتعالَ فاقْتُلْهُ، إلا الغَرْقَد، فإنهُ من شَجَرِ يهودَ» (2).
وذلك ذكرى للذاكرين.
(1) سورة الرعد، الآية 11.
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الفتن برقم (2923) من حديث أبي هريرة.