الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وليُّ الصالحينَ، أشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، سيدُ الأولينَ والآخرينَ، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى سائرِ النبيينَ والمرسلينَ.
أيها المسلمونَ: وتعظيمُ الأشهرِ الحُرمِ لا يعني تخصيصَها بشيءٍ من العباداتِ لم يشرَعْهُ اللهُ، ولم يأذنْ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فذلك خروجٌ عن السُّنةِ إلى البدعةِ، ونحنُ مأمورونَ بالاتباعِ لا الابتداع، وكلُّ شيءٍ ليسَ عليه أمرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فهو رَدٌّ.
والشيطانُ يفرحُ بالبدعةِ أكثرَ من غيرِها، ويتلاعبُ بأصحابِ البدعِ حين يُضلُّهم عن العملِ الصالح إلى السيئِ، وتأمَّلُوا أثرَ البدعةِ في الحديثِ الذي رواه الإمامُ أحمدُ وغيرُه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما ابتدعَ قومٌ بدعةً إلا نزعَ اللهُ عنهم منَ السُّنَّةِ مثلَها» (1).
وقد بيَّن العلماءُ أن الشرائعَ أغذيةُ القلوبِ؛ فمتى اغتذت القلوبُ بالبدعِ لم يبقَ فيها فضلٌ للسُّننِ، فتكونُ بمنزلةِ من اغتُذي بالطعامِ الخبيثِ.
عبادَ الله: والناسُ في هذا ثلاثةُ أصنافٍ:
صنفٌ جاهلٌ مفرطٌ، لا يعرفُ سنّةً ولا بدعةً، بل هو مسرفٌ في المعاصي والذنوبِ حسبَ رغبةِ نفسِه ومتطلباتِ شهوتِه.
وصنفٌ قد أحدثَ من الطاعاتِ وكلّفَ نفسَه ما لم يؤذن به، فتراه يخصُّ زمنًا بصلاةٍ أو صيامٍ أو عمرة .. وليس له في ذلكَ مستندٌ شرعيٌّ، وهم أصحابُ البدع.
(1) وذكره السيوطي في «الجامع الصغير» وحسّنه، وضعفه الألباني في «ضعيف الجامع الصغير» 5/ 78.
وصنفٌ ثالثٌ هم المعظمونَ لما عظّمه الله، والواقِفونَ عندَ حدودِ السنّةِ والمُقْتَدونَ بهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأولئكَ أهلُ السُّنَّةِ وأصحابُ المنهجِ الحقِّ .. فلا يحيفونَ، ولا يغلونَ، ولا إفراطَ ولا تفريط.
عبادَ الله: وفي شهرِ رجب بدعٌ أحدثتها الرجبيةُ، وليس عليها مستندٌ شرعي، ولابن حجرٍ رحمه الله رسالةٌ عنوانها «تبيين العجب بما وردَ في فضلِ رجب» ، وقد قال رحمه الله في هذه الرسالة: لم يرد في فضل شهرِ رجبٍ ولا في صيامِه ولا في صيامِ شيءٍ منه معيَّن، ولا في قيامِ ليلةٍ مخصوصةٍ منه حديثٌ صحيحٌ يصلحُ للحُجّةِ. ثم ساقَ رحمه الله عامةَ الأحاديثِ المرويةِ في ذلك مع بيانِ الحكمِ عليها.
وقال ابنُ رجب رحمه الله: «لم يصحَّ في شهرِ رجَب صلاةٌ مخصوصةٌ تختصّ به. وقال: لم يصح في فضل صومِ رجبٍ بخصوصه شيءٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه» . ولذا فقد كرهَ السلفُ إفرادَ رجب بالصيام (1).
ومما ذكرهُ العلماءُ من بدعِ رجب:
1 -
صلاةُ الرغائبِ: وهي صلاةٌ تصلَّى في أوَّل ليلةِ جمعةٍ من شهرِ رجب .. وكلُّ ما وردَ فيها من أحاديثَ فهيَ موضوعةٌ، ولم يثبت منها شيءٌ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولا أثرٌ عن أصحابه رضوانُ الله عليهم.
2 -
تخصيصُه بالصيام: وهو كذلك لم يرد، بل جاءَ أنّ عمرَ رضي الله عنه كان يضربُ أكفَّ المترجِّبينَ - أي الذين يصومونَ في رجب - حتى يضعها في الطعامِ، ويقول: كُلوا فإنَّ الجاهليةَ يُعظِّمونَ ذلك - أي شهرَ رجب.
3 -
وكذلك العمرةُ في رجب: فليسَ لها مَزيةٌ على غيرهَا، وليس في هَدْي المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يرغبُ في ذلك بخصوصها.
(1) عبود بن درع: أحكام رجب وشعبان 2089.
4 -
وفي شهرِ رجب نسيكةٌ يسمّونها (العَتيرة) وهي تذبحُ في رجب، وقد اختلفَ العلماءُ فيها بين قوله صلى الله عليه وسلم:«لا فَرْعَ ولا عَتيرةَ» (1). وبين قوله: «العتيرةُ حقٌّ» (2). ووجهوها على العتيرةِ المشروعةِ التي تذبحُ قربةً لله لا لتعظيمِ رجب، والمنهيّ عنها هي التي أبطلها الإسلامُ وهي عتيرةُ الجاهليةِ.
- ومن الأمورِ المحدَثةِ في رجب ما يعتقده بعضُ المسلمينَ من تعظيمِ ليلةِ السابعِ والعشرينَ، ويعتقدونَ أن في هذه الليلةِ حصلَ الإسراءُ والمعراج. ولم يأتِ نصٌّ صريحٌ في ذلك، ولا نُقلَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه تعظيمُ هذه الليلةِ وتخصيصُها بشيءٍ من الصلاةِ أو الذكرِ أو الأورادِ، أو نحوها من العبادات.
عبادَ الله: عظِّموا ما عظَّم اللهُ ورسولُه، وعليكم بالسُّنَّةِ، وإياكم ومُحدَثاتِ الأمورِ، فإن كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
(1) أخرجه البخاري برقم (5473)، ومسلم برقم (1976) كلاهما من حديث أبي هريرة.
(2)
أخرجه النسائي في «الصغرى» برقم (4225) وغيره، وحسّنه الألباني.