الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربّ العالمين قدَّر بلاءَ الناسِ بالشرِّ والخيرِ فتنةً وإليه المرجعُ والمصيرُ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، حكمَ بالأمنِ مع الإيمان، ويذيقُ القرى لباسَ الجوعِ والخوفِ بالكفرِ والفسوقِ والعصيان، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه وخيرتُه من خَلقِه، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائرِ الأنبياء والمرسلين.
أيها المسلمونَ: وإذا علمنا شيئًا من ثمراتِ الأمنِ في الأوطان، فالسؤال المهم ما هي أسبابُ الأمنِ ومقوماتُه الأساسيةُ؟
إن أهمّ الأسبابِ للأمنِ: الإيمانُ بالله ومراقبتُه والشعورُ بأنه مطَّلعٌ على عبدِه في السرِّ والعَلنِ، فذلك الشعورُ يميتُ الجريمةَ قبل خروجِها، ويَهِنُ من عزيمةِ المجرمِ حالَ استحواذِ الشيطان عليه، وما أروعَ الطاقةَ حين تُصرفُ في الخير وعمل الصالحاتِ، حينها يتحول صاحبُها إلى إنسانٍ خيِّر يبني ولا يهدم، ويُؤمنُ ولا يُخافُ، وهذه النوعيةُ من البشرِ تستحقُّ الاستخلافَ في الأرض، ولها وعْدُ اللهِ بالأمن ورَغَدِ العيش كما قال تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (1).
ومع الإيمانِ وعملِ الصالحاتِ، لا بد من تصحيح المعتقَدِ من الشركياتِ والخرافاتِ، فتلكَ ضمانةٌ كبرى لتوفُّر الأمن، كما قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (2).
(1) سورة النور، الآية:55.
(2)
سورة الأنعام، الآية:82.
وقد فُسر (الظلمُ) في الآية (بالشركِ) ونهايةُ الآيةِ السابقةِ تؤكدُ هذا المعنى بوضوح: {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} .
وعملُ الصالحات، ومن أهمها: الصلاةُ والزكاةُ مقوِّمٌ هامٌّ من مقوِّماتِ الأمن، فالصلاةُ تنهى عن الفحشاءِ والمنكرَ، وتوثيقٌ لصلةِ العبد بربِّه، والزكاةُ فيها مواساةٌ للفقراء وإغناءٌ للمحتاجين، وصلةٌ للخلق ببعضِهم وسبيلٌ لمحبَّتِهم وتعاطُفِهم فيما بينهم.
وكذا الأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ، ففيه نشرٌ للفضيلةِ وتحذيرٌ عن الرذيلة، وبه يؤخذُ على أيدي السفهاءِ، ويُمنعُ المجرمونَ من مزاولةِ الجريمة، وكلُّ ذلك يتضمَّنُه قولُه تعالى:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (1).
إخوةَ الإيمان: وتحكيمُ شريعةِ اللهِ في أرضِه، وإقامةُ الحدودِ التي شرعها سببٌ كبير ومقوِّمٌ من مقوماتِ الأمن، وإذا أفلستِ النظمُ البشريةُ والقوانينُ المستوردةُ - بعيدًا عن شرعِ اللهِ - في تأمين الأمنِ للناس، فإن في تحكيمِ شرعِ اللهِ ضمانةً كبرى للأمن يُصدِّقُ ذلك واقعُ الدولِ الكبرى التي بلغت من التقنية في متابعةِ الجريمةِ مبلغًا كبيرًا، ومع ذلك تنمو فيها معدلاتُ الجريمةِ ولا تنخفضُ، ويتكاثرُ المجرمونَ ولا يقلُّون ..
وتنعمُ (بلادُ الحرمين) بفضل اللهِ، ثم تحكيمِ الشريعةِ وتطبيقِ الحدود، بأمنٍ لا مثيلَ له في واقعنا المعاصرِ.
(1) سورة الحج، الآيتين: 40، 41.
أيها المسلمونَ: ومن أسبابِ الأمن شكرُ النعمِ، فالوعدُ حقٌّ {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (1).
وكفرُ النعم سبيلٌ لفناءِ الدولِ وانتشارِ الجوعِ والخوفِ، وفي أمثلةِ القرآن عبرةٌ لمن اعتبرَ:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (2).
ومن مقوماتِ الأمن اجتماعُ الكلمةِ تحتَ مظلةِ التوحيدِ، فالاجتماعُ نعمةٌ، والخلافُ فرقةٌ وشتاتٌ، وما فتئ القرآنُ يُحذرُ من التنازعِ والخلافِ، ويذكرُ بمصير المتنازعينَ، ويكفي أن يتذكرَ المسلمُ قوله تعالى:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (3).
ونهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن كلِّ أسبابِ الخلافِ والتقاطعِ، وقال:«لا تقاطعوا ولا تَدابروا ولا تَباغَضُوا ولا تَحاسدوا، وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا كما أمركم الله» (4).
إخوةَ الإسلام: ولا بد - في سبيلِ توفيرِ الأمنِ - أن ندركَ الأمنَ بمفهومِه الشاملِ، فالحفاظُ على الأمنِ الفكريِّ والعَقَدي، وذلك بحمايةِ العقولِ من الأفكار الخبيثةِ، وحمايةِ العقيدةِ من التصوراتِ والمعتقداتِ الباطلةِ .. لا يقلّ أهميةً عن الأمنِ على الأنفسِ والممتلكاتِ المادية.
اللهم آمِنّا في أوطاننا، وأصلِحْ ووفِّقْ وُلاةَ أمرِنا، واجمعْ كلمةَ المسلمينَ على الحقِّ والهدى، إنك سميعُ الدعاءِ، هذا وصلُّوا وسلموا على نبيكم محمد.
(1) سورة إبراهيم، الآية:7.
(2)
سورة النحل، الآية:112.
(3)
سورة الأنفال، الآية:46.
(4)
متفق عليه.