الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بشائر الإسلام في نيجيريا
(1)
الخطبة الأولى:
إنّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينهُ ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسلين، وارضَ اللهمّ عن الصحابةِ أجمعين والتابعينَ ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (2).
أيها المسلمون: المتأمل في تاريخ الأُمةِ والشعوبِ المسلمةِ يرى أنها مرّت بمرحلةِ القيادةِ والرّيادةِ، ثم انحطّت وتخلّت عنها لتخلفها أممٌ وشعوبٌ غيرُ مسلمةٍ، قُدِّر لها أن تسيطرَ وتستعمرَ وتنهبَ الخيراتِ، وليتَها توقّفت عند حدّ المادّياتِ .. لكنها تجاوزت إلى إفسادِ عقيدةِ الأُمة، وتذويب قِيَمِها والعبثِ بأخلاقِها .. وأنتجت هذه المرحلةُ من الاستعمار جيلًا فاقدَ الهويةِ، ضَحْلَ الثقافةِ الإسلاميةِ، وقد نحج المستعمرُ في توظيف هؤلاءِ لخدمة أهدافِه، فخرج المستعمرون على صيحاتِ الجهاد هنا وهناك .. ولكنهم خلَّفوا أذنابًا لهم؛ حكموا بحكمِهم، وقادوا الشعوبَ بتوجيهِ أسيادِهم، فاستمرَّ قطارُ التغريب في
(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 4/ 5/ 1421 هـ
(2)
سورة التوبة، الآية:119.
(3)
سورة الأحزاب، الآيتين: 70، 71.
بلاد المسلمين؛ في التعليم، والإعلام، وفي الحياةِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ، فضلًا عن النواحي السياسيةِ والعسكريةِ .. ومع ما خلّفتْهُ هذه المرحلةُ من آثارٍ سلبيةٍ، إلا أنّ المرحلةَ التي تلتْ هذه هي مرحلةُ اليقظةِ والصّحوةِ للشعوب المسلمةِ، لم يمنعْها رُكامُ الفسادِ .. ولم يُمِتْ شعورَها الإسلاميَّ مخططاتُ الاستعمارِ والتذويب .. نعم كلُّ ذلك لم يمنعْها أن تستجيبَ لنداء الفِطرة، وأن تعود إلى أصالَتِها، وأن ترفعَ شِعارَ الإسلامِ؛ مطالبةً لتطبيق شَرعِ الله والاحتكام إليه في سائرِ شئونها.
أجل لقد أُصيب الغربُ والشرقُ بالإحباطِ على أَثَرِ صحوةِ المسلمين ويقظةِ الشعوبِ المسلمةِ، فبعد عقودٍ من الزمن حافلةٍ بالإفساد على أيديهِم وأيدي أذنابِهم، يتجدّدُ البعثُ الإسلاميُّ هنا وهناك، وكأنّ فِكرَهم وأساليبَهُم ذهبت أدراجَ الرّياح.
عبادَ الله: وسأختار لكم نموذجًا لبلدٍ مسلم عاث المستعمرُ في أرضِه أكثرَ من قرنٍ من الزمان، وأحدَثَ خلال هذه الفترةِ آثارًا سيئةً، لا يزالُ بعضُها شاهدَ حالٍ على مستوى الفردِ والدولةِ، فنظامُ الدولة عِلْماني، واللغةُ الرسمية هي الإنجليزيةُ، هذه الدولةُ تُمثّل أكبرَ دولةٍ في أفريقيا من حيثُ السكانُ، والعطلةُ الأسبوعيةُ يوما السبت والأحد .. إلى غير ذلك من آثار التغريب، وهي بلدُ خيراتٍ - وإن ظل شعبُها في معظمه في عِداد الفُقراء - وهي دولةٌ متذبذبةٌ وضعيفةٌ في اقتصادِها، وإن كانت دولةً نفطيةً كبرى، لكنه الفسادُ الإداريُّ، وضعْفُ الذِّممِ منعَ وُصولَ الحقّ إلى أصحابهِ.
إنها دولةُ (نيجيريا) والتي يزيد عَددُ سكانِها على عشرين ومائة مليون نسمة، يتوزَّعون على ستّ وثلاثين ولاية، ذات حكم فِدرالي، ونسبةُ المسلمين فيها تقرُبُ من سبعين في المائة - إن لم تكن قد زادت مؤخرًا - وثمّةَ وجودٌ نصرانيٌّ
غذَّاه الاستعمارُ البريطانيُّ، وزاد من نسبته في فترةِ سيطرتهِ على نيجيريا، ولم يكن من قبلُ شيئًا مذكورًا .. بل كان المسلمون وإلى جانبِهم وَثَنيّون لا يَدينون بدين .. فعمِلَ المستعمرُ على تنصير هؤلاء الوثنيين، وغرّب من استطاع من أبناء المسلمين، ويحلو للبعض أن يُطلقَ على نيجيريا (بلقان أفريقيا)؛ لأنها مقسّمةٌ دينيًّا وثقافيًا وعِرْقيًا (1).
واليوم يُسَرُّ الزائرُ لهذا البلدِ المسلم بصحوةِ المسلمين وتعطُّشِهم إلى هَدْي السماء، وتنقل وكالاتُ الأنباءِ وأخبارُ الدنيا طرفًا من مطالباتِ الشعبِ النيجيري لتطبيق الشريعةِ .. وقد أفلحتْ هذه الدعواتُ وبدأت بعضُ الولاياتِ فعليًا بتطبيق الشريعةِ، وأعلنت أخرى عزمَها على التطبيقِ، وحّددت لذلك زمنًا قريبًا.
ولا تزال الدعوة تنتقلُ من ولاية إلى أخرى، ويتوقع بعضُ المطَّلِعين أن تستجيب لنداء تطبيقِ الشريعةِ الإسلاميةِ ما يزيد على نصف ولايات نيجيريا خلال هذا العام.
أيها المسلمون: والأخبارُ التي تُنقلُ عن هذا البلدِ المسلمِ لا تزال لا تُمثلُ الحقيقةَ، ولا ترسمُ الصورةَ بكامل أحداثِها، ولئن اتّهم الإعلام الكافرُ بالتحيُّزِ في عدم توضيح الصورةِ، فاللومُ يقع أكثرُ على الإعلام الإسلاميِّ بوسائله المختلفةِ، حين يقصّرُ في خدمة قضيةِ المسلمين في نيجيريا، وتوضيح حالتِهم، ونقل احتياجاتِهم لإخوانِهمُ المسلمينَ ودعمِهم لقضيتهم.
إنها بشائرُ واعدةٌ ومستقبلٌ زاهرٌ بإذن الله للإسلام والمسلمين في نيجيريا .. يجدها المطّلعُ في المسجد والشارع، ويسمعها من أستاذِ الجامعة، ويراها في حماسِ العلماءِ ونشاطِ الدُّعاةِ، بل ويكبّرُ ويُهلّلُ لها عوامُّ المسلمين هناك،
(1) العالم الإسلامي - الصادرة عن الرابطة.
وتحيةً لكلِّ مسلم نيجيريٍّ ساهم في تطبيق الشريعةِ في بلاد المسلمين.
إخوةَ الإيمانِ: وهذه الصحوة في نيجيريا والمطالبةُ بتطبيق الشريعةِ ليست أمانيَّ وأحلامًا أو وعودًا وشعاراتٍ جوفاءَ .. بل هي خطواتٌ عمليةٌ ابتدأت بمنع أوكار الفساد؛ من بيوت الدعارة، ومحلات بيع الخمور، ومنعت التعامل بالرِّبا والقمار، وحاربت دورَ السينما، وأعلنت متابعة المجرمين، والقصاصَ من السُّراق والمفسدين.
وانتقلت بعد ذلك إلى تطبيقاتٍ شرعيةٍ، تهدي الناسَ إلى الخيرِ، وتُشيعُ الفضيلةَ وتمنع الرذيلةَ.
في ولاية (زمفرا) وهي أولُ ولايةٍ في نيجيريا أعلن حاكمُها المسلمُ (أحمد ثاني) عن تطبيق الشريعةِ، تمّ فصْلُ تعليمِ البنينِ عن البناتِ في مدارسِ الولاية منعًا للاختلاطِ بين الجنسين، وتم تخصيصُ باصاتٍ خاصةٍ بالرجال وأخرى بالنساءِ، بل وتَمّ فصلُ الرّجال عن النساءِ في المستشفياتِ، ولأول مرّةٍ في تاريخ نيجيريا أُنشئتْ وزارةٌ للشئون الإسلاميةِ، وبإمكاناتهم المحدودةِ تم توظيفُ مائتي داعيةٍ، وعشرين امرأة، وذلك لدعوة الناسِ للخير، وشَرح معاني وأهدافِ تطبيقِ الشريعةِ لسكان الولايةِ .. وعلى صعيد القضاءِ أنشئتِ المحاكمُ الشرعيةُ وشُكِّلَ مجلسٌ للقضاء، واختير له عددٌ من القُضاة للنظر في الشكاوى والجناياتِ وِفْقَ أحكام الشريعة الإسلاميةِ الغرّاءِ.
وحاكمُ الولايةِ ووزراؤه حريصون على إصلاح مناهجِ التعليم، والعنايةِ بالإعلام، وحريصون كذلك على اقتصادِ البلاد، ويهمُّهم كثيرًا أن تتحسّنَ أوضاعُ سكّانِ الولايةِ ليشعروا بآثارِ تطبيق الشريعةِ وعَدْلِ الإسلام - في كافّة المجالاتِ - وبكلّ ثقةٍ وعزّة يقول حاكمُ الولاية: إنني أتطلّعُ إلى تحسين أوضاعِ
الولايةِ في كافّةِ المجالاتِ؛ ليشعرَ الناسُ بأثَرِ تطبيق الشريعةِ، ويُدْركوا الفرقَ بين المرحلتين.
عبادَ الله: وحين تسمعُ إلى حاكم الولايةِ أو وزرائه يسرُّكَ جِدّيتُهم في تطبيق شَرْعِ الله، ويُثْلجُ صدرَك حرصُهم على التزام المنهج الصحيحِ في التطبيق - وإن كانوا لا يُخفونَ حاجتَهم إلى دعم إخوانِهم المسلمين لهم ماديًّا ومعنويًّا .. كما يسرُّك كذلك تفاؤلهم بنجاح تجربتِهم، بل وشعورُهم بأنّ المستقبلَ في نيجيريا للإسلام والمسلمين .. وقد كان لتجربتهم تلك أثرٌ على بقيَّةِ ولاياتِ نيجيريا، فمنها من حذا حَذْوَهم، ومنها من يتململُ سكانُها مطالبين بحقوقِهم في تطبيق الشريعةِ الإسلاميةِ كما حصل لغيرهم، لا سيما ودستورُ البلاد ينصُّ في إحدى فقراته على أنّ لكلّ ولايةٍ الحقَّ في اختيار النظام الذي تشاء في إدارةِ ولايتِها.
ونظرًا لأن اختيار حاكمِ الولايةِ عن طريق أصواتِ الناخبينَ وترشيحِهم في الولاية، فإنّ الولاياتِ ذاتَ الأغلبيةِ المسلمةِ قادرةٌ على الضغط على حاكم الولايةِ لتطبيق الشريعةِ؛ فهي التي اختارَتْه، وهي التي تُطالبُه بتطبيق الشريعةِ، وإذا لم يستجبْ فموعدُه الانتخاباتُ القادمةُ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (1).
اللهم أعِزَّ الإسلامَ، وانصُرِ المسلمينَ في كلِّ مكان، وأعِزَّ الإسلامَ، وانصرِ المسلمين في نيجيريا، واللهمّ اهدهِم صراطكَ المستقيمَ، وثبّتهم واحفَظْهُم من كلّ مكروه.
(1) سورة النساء، الآية:65.