الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجريمة مظاهر وعلاج
(1)
الخطبة الأولى:
أسبابٌ ومقترحات
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
عبادَ الله: وقعَ في يدي مجموعةٌ من قُصاصاتٍ لعدد من الصُّحُفِ المحليةِ تحملُ عناوينَ مثيرةً، وتتضمنُ صيحاتٍ مُحذرةً، وتلتمسُ حلولًا لمشكلةٍ بدأت، وظواهرَ أطلَّتْ، حَرِيّةٌ بأن تُعالجَ وتُدرسَ قبلَ استفحالِ الخطرِ وشيوعِ الجرائمِ والفتنِ، وليس يُجدي أن نتجاهلَ ما يقعُ، ونَدُسَّ رءوسَنا في الرمالِ وكأننا لا نرى ولا نسمعُ.
ومن بين هذه العناوينِ المثيرةِ:
مُترفونَ يتحرَّشونَ بالفتياتِ عُنوةً (2).
ضبطُ أشرطةِ فيديو تدعو للتنصيرِ في جدة (3).
(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 24/ 10/ 1421 هـ.
(2)
عكاظ 13/ 10/ 1421 هـ.
(3)
المدينة 7/ 10/ 1421 هـ.
ممارسةُ التهورِ ليس احتفالًا بالعيد (1).
ظاهرةُ الانتحار إلى أين؟ (2).
التُّجارُ الحراميةُ يسرقونَ بثقةٍ لعدمِ تواجدِ رجالِ الأمنِ في الموقع (3).
يتورطُ فيها المراهقون .. مُشادّةٌ كلامية تحفرُ قبرًا (4).
منتحرُ جدة يلفظُ أنفاسَه الأخيرةَ (5).
بدرية قتلت والدها بمساعدةِ أمّها ودفنته في الصحراءِ (6).
إلى غير ذلك من أحداثٍ مؤلمةٍ، تكاد تنحصرُ أخبارُها في حدود أسبوعين فقط؟ حقًّا إنها عناوينُ مثيرةٌ، وأحداثٌ وممارساتٌ غريبةٌ على مجتمعنا، ولا تَمُتُّ بأدنى صلةٍ إلى قيمِنا وتعاليمِ إسلامِنا، نعم إن نزغاتِ الشيطانِ تجمَعُها .. ولكنها تخفي وراءها مسبباتٍ وأدواءَ وظواهرَ لا بد من دراستِها ولا بد من الجدِّيةِ في علاجها.
إنها خليطٌ من الفسادِ الخُلُقيِّ، والتهوُّرِ السلوكيِّ، والعنفِ المحموم، والسطوِ على حقوق الآخرين، والدعوةِ للرذيلة، بل وللأديانِ الباطلةِ، وفيها من ضعفِ الوازع الديني والعقوقِ لأصحابِ الحقوقِ ما لا يمكن وَصفُه، بل ويَصعبُ تصورهُ لولا أن الأحداثَ أثبتَتْهُ.
معاشرَ المسلمين: إننا جميعًا معنيونَ ومسئولون عن معالجةِ هذه الظواهر الغريبة .. ولكن قبلَ العلاج لا بد من استكمالِ توصيفِ الظاهرةِ ومعرفةِ أسبابها .. فما هي يا تُرى أبرزُ الأسبابِ لمثلِ هذه الظواهرِ المرفوضةِ؟
(1) الرياض 13/ 10/ 1421 هـ.
(2)
الوطن 21/ 10/ 1421 هـ.
(3)
الرياض 14/ 10/ 1421 هـ.
(4)
عكاظ 20/ 10/ 1421 هـ.
(5)
الندوة 16/ 10/ 1421 هـ.
(6)
المدينة 21/ 10/ 1421 هـ.
إن البعضَ يتساءلُ: ألسنا في بلدٍ محافظٍ، فكيف يقعُ مثل هذه؟ !
وأقولُ: نعم، إن مجتمعَنَا - بعمومِه - محافظٌ والحمدُ لله، ويستنكرُ مثلَ هذه الممارساتِ، وهذه المظاهرُ لا تمثلُ المجتمعَ .. ولا تلغي محافظتَه .. ولكن قد يكون للثراءِ والنعمةِ أثرٌ في وجودِ بعضِ هذه الممارساتِ، لا سيَّما حركاتِ الشبابِ اللامسئولة ومضايقاتهم للناسِ عامةً وللنساءِ خاصةً؛ بسدِّ الشوارعِ تارةً، والاعتداءِ على الحُرماتِ تارةً أخرى، وما يَنجمُ عن ذلك من أضرارٍ على الأرواحِ أو الممتلكاتِ .. وهنا يَرِدُ السؤال: ومن أين لهؤلاء المراهقينَ السياراتُ التي يتسكعونَ ويفحطونَ ويضايقونَ الناس بها؟ أليست بتمويلِ الآباء؟ أليست أصداءَ للنعمةِ؟ أليست استغلالًا بشعًا لذوي النعمةِ والثراءِ؟
فهذا سببٌ، وسببٌ آخرُ - وهو عكسُ سابِقه- إذ تُمثلُ البطالةُ والفراغُ عند بعضِ الشبابِ الذين هم خارجَ المدرسةِ وبدونِ عملٍ عنصرًا مهًّا في بروز هذه الظواهرِ السيئةِ، فيقضونَ بها فراغَهم ويعبّرونَ بها عن سُخطهم وفراغِهم بطريقةٍ خاطئةٍ مرفوضةٍ عقلًا وشرعًا ..
أما السبب الثالث المهم: فهو ضعفُ الوازع الدينيِّ، واختلالُ القيمِ الأخلاقيةِ، وعدمُ تقديرِ مشاعرِ الآخرين، بل وتقصُّدُ الإضرارِ بهم.
أما السببُ الرابعُ: فهو وجودُ عناصرَ مشبوهةٍ من أصحابِ المِللِ والنِّحِلِ والأديانِ الفاسدة، تسعى جاهدةً لإفسادِ هذه البلادِ المباركةِ، متخذةً من الأشرطةِ والمنشوراتِ والكتيباتِ والمدارسِ الأجنبيةِ وسيلةً لترويجِ فِكْرها وبثِّ سمومها.
خامسًا: وللإعلامِ السيئ والقنواتِ الفضائيةِ وبرامجِ العنفِ، والتهتكِ الأخلاقيِّ، والغزوِ الفكري - لهذه وتلك - أثرُها في صياغةِ العقلياتِ وممارسةِ
العنف، وترويجِ السلوكياتِ الشاذةِ على مستوى الطفلِ والشابِّ والرجلِ والمرأة، إلا من رحمَ ربُّك!
سادسًا: وثمةَ سببٌ يُنمِّي مثلَ هذه الظواهرِ، ويُكثرُ من أصحابها، إنه التساهلُ في معالجةِ الظاهرة في بدءِ نُشوئها، حتى إذا استفحلت شكَّلت خطرًا يحتاجُ إلى جهدٍ أكبرَ في العلاج، أجل إن التغافلَ عن حركاتِ الشبابِ البهلوانية المؤذيةِ عند فوزِ منتخبٍ، أو ممارسةِ التفحيطِ على الخطوطِ الدائريةِ، أو على السفوحِ الرمليةِ، أو في مناسباتِ الأعيادِ .. واعتبار ذلك تعبيرًا عن فرحةٍ وطنيةٍ .. كلُّ ذلك يُجرئُ السفهاءَ على خطواتٍ أخرى أحسَّت أجهزةُ الأمنِ - مؤخرًا - بخطورتها في احتفالات العيدِ بالرياض، ثم لا تلبثُ الأمورُ أن تتطورَ إلى سلوكياتٍ إجرامية لا بد من وضع جزاءٍ رادعٍ لها؛ فاللهُ يَزَعُ بالسلطانِ ما لا يزعُ بالقرآن.
وقد أكدَ وزيرُ الداخلية على محاسبةِ المقصرينَ في الأحداثِ المؤسفةِ في احتفالات العيد في الرياض (1).
وما حدث في الرياضِ يمكن أن يقعَ في غيره، إذا لم تكن الجِدِّيةُ في المعالجةِ، والمبادرةُ في الحزمِ في تطويقِ هذه الممارسات الخاطئة، ومعاقبةُ الجُناةِ والتنكيلُ بهم عقوبةً لهم ودرسًا بليغًا لغيرهم.
سابعًا: والدعواتُ المحمومةُ التي تُطلقُ بين الفَيْنَةِ والأخرى وتدعو إلى خروجِ المرأةِ وسُفورها واختلاطِها بالرجالِ الأجانبِ .. تلك سهامٌ تُشعلُ فتيلَ الفتنِ، وتهتك أستار الفضيلة، وتجرئُ السفهاءَ، ويتنفسُ خلالها من في قلبِه مرضٌ، وإذا اعتُدِي على المرأةِ وهي متحجبةٌ، فكيف الحالُ إذا خرجت سافرةً
(1) الرياض 13/ 10/ 1421 هـ.
وبالزينةِ فاتنةً؟ وإذا لم تسلم من اعتداءِ الموتورينَ وهي بصحبةِ مَحرمِها، فكيف إذا انفردت وسافرت بالسيارةِ أنّى شاءت وحدَها؟ !
ثامنًا: وضعفُ التوعيةِ في المحاضنِ التربويةِ، وفي مقاعدِ الدراسةِ الجامعية، وفي المنزلِ والمسجدِ .. وغيابُ بعضِ الآباءِ والمربينَ والأمهاتِ والمعلماتِ عن مسئوليتهم .. كلُّ ذلك يساهمُ في وجودِ مثلِ هذه السلوكياتِ المنحرفةِ.
تاسعًا: وغفلةُ رجلِ الأمنِ عن مهمتهِ، أو عدمُ إخلاصِه في عملِه ومسئوليته، أو عدمُ دقَّتِه في رصدِ الجريمةِ ومتابعةِ المجرمين والحيلولةِ بينهم وبين ما يَشتهون .. ذلك يُفاقمُ الخطرَ ويقوي شوكةَ المجرمين.
عاشرًا: والمخدراتُ سببٌ لكلِّ بلاء، والمسكراتُ والخمرُ أُمّ الخبائث.
وقَلَّ أن توجدَ جريمةٌ إلا ولهذه الأوبئةِ رأسٌ مُطِلٌّ؛ إنْ ظاهرًا أو خفيًّا فيها. ورفيقُ السُّوء شؤمٌ على نفسِه وعلى الآخرين.
وكم من بريءٍ تورطَ في مزالقِ الجريمةِ نتيجةَ إغواءِ قرين السُّوء.
أيها المسلمونَ: تلك أسبابٌ عشرةٌ، وقد يكون هناك أسبابٌ أخرى، وقد تختلفُ هذه الأسبابُ وجودًا أو عدمًا، قوةً أو ضعفًا.
وفي سبيلِ العلاجِ لا بد أولًا من معرفةِ هذه الأدواءِ ومعالجتِها، ولا بد من استشعارِ المسئوليةِ، والسعي لمحاصرةِ هذه الظواهرِ السيئةِ، فالأمنُ مسئوليتُنا جميعًا، والحفاظُ على مكتسباتِ البلاد وصونِ الحُرمات شعارُنا وهدفُنا جميعًا، وما لم يشعر كلُّ فردٍ منا بالأذى الواقع على غيره، كما لو أن الأذى وقع عليه أو على قريبه، فما حققنا الأخوَّةَ بيننا، ومفهومُ المواطنةِ الصالحةِ مختلّ في سلوكياتنا.
وهنا وفي سبيلِ المعالجةِ لهذه الظواهر وأمثالِها - وفوقَ ما سبقَ - أُشيرُ إلى
بعض الآراءِ والمقترحاتِ، وعسى الله أن ينفعَ بها، ويُعينَ كلَّ صاحبِ مسئوليةٍ على القيامِ بمسئوليته، فخيرُ الناسِ أنفعُهم للناس، ومن دعا إلى هدًى كان له من الأجرِ مثلُ أجورِ من عملَ به إلى يومِ القيامة، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الوِزرِ مثلُ من عمل به .. ومن يهدِ الله فهو المهتدِ، ومن يُضلل فلن تجدَ له وليًّا مرشدًا .. اللهم انفعنا بالقرآنِ وسنةِ خيرِ الأنام، أقولُ ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب.