الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمدُ لمن يستحقُّ الحمدَ والثناءَ، والشكرُ لله على كلِّ حالٍ، وقد وعدَ بالمزيدِ لمن شكر، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائرِ المرسلينَ.
إخوةَ الإيمان: ونحمدُ الله على سلامةِ الحُجاجِ، ونسألُ اللهَ إذ سلّمهم وأعانَهُم على قضاء نُسكِهم، أن يتقبلَ منهم، أما من أصيبَ من الحُجاجِ أو توفاه اللهُ، فنسألُ الله له المغفرةَ والرضوانَ، ولأهله الصبرَ والاحتسابَ.
عبادَ الله: وإذا كان الأمنُ للحجاجِ مطلبًا ضروريًّا، وأَنَّى لخائفٍ أن يؤدِّي مناسكَ الحجِّ ومشاعرَه، وتلك نعمةٌ امتنّ اللهُ بها على الناسِ قديمًا وحديثًا، وذكَّرهم بهذه النعمة بقوله:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} (1).
إذا كان الأمنُ للحُجاجِ مطلبًا ضروريًّا .. فالأمنُ كذلك مطلبٌ لغير الحُجاج، بل هو مطلبٌ يتجاوزُ هذه الحياةَ إلى الحياة الآخرةِ حين يفزعُ الناسُ يومَ الفزعِ الأكبرِ، ولا مأمنَ لهم إلا رحمةُ الله وعملُ الصالحاتِ التي بها يؤمنون {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2). ألا فتذكّروا هذا الفزعَ الأكبرَ، وقدِّموا لأنفُسِكم أسبابَ الأمنِ.
ثم اعلموا - رحمكمُ اللهُ - أنّ الأمنَ في الدُّنيا مطلبٌ، والبحثَ عن السلامةِ وسيلةٌ للعبادة، وحين تُنظّمُ حملاتُ التوعيةِ لأيِّ نوعٍ من أنواعِ الأمن، فينبغي أن
(1) سورة العنكبوت، الآية:67.
(2)
سورة الأحقاف، الآيتين: 13، 14.
يكونَ للمسلمِ دورٌ فاعلٌ وإسهامٌ واعٍ في إنجاحِها؛ لأنَّ مردودَها في النهايةِ للجميع.
أجل، إنّ حَصْدَ الأرواحِ وإتلافَ الممتلكاتِ، وانتشارَ الإصاباتِ والإعاقاتِ .. كلُّها تنجُمُ حين يغيبُ الوعيُ المروريُّ بأنظمةِ السّيرِ وآدابِ الطريقِ، ويخطئُ من يظنُّ أنّ هذه الأنظمةَ المروريةَ قوانينُ وضعيةٌ .. وبالتالي فلا حرَج في تجاوزِها، ولا خيرَ في عدمِ الالتزامِ بها .. وهنا وقفةُ تصحيح يَقفها العلامةُ الشنقيطي رحمه الله وهو يفرّقُ بين أنواعِ الأنظمةِ الوضعيةِ فيقول:«اعلم أنه يجب التفصيلُ بين النظامِ الوضعيِّ الذي يقتضي ذلك، وإيضاحُ ذلك أن النظامَ قسمان: إداريٌّ وشرعيٌّ، أما الإداريُّ الذي يُراد به ضبطُ الأمور وإتقانُها على وجهٍ غيرِ مخالفٍ للشرع، فهذا لا مانع فيه، ولا مُخالفَ فيه من الصحابةِ فَمَن بعدَهم، وقد عملَ عمرُ رضي الله عنه من ذلك أشياءَ كثيرةً ما كانت في زمنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم» . ثم ذكرَ الشنقيطيُّ رحمه الله أمثلةً لهذه الأنظمةِ، ثم ختم بقوله:«فهذا النوعُ من الأنظمةِ الوضعيةِ لا بأسَ بهِ، ولا يخرجُ عن قواعدِ الشّرعِ من مُراعاةِ المصالحِ العامةِ» (1).
وثمّةَ فتاوى لسماحةِ الشيخ ابنِ بازٍ رحمه الله وسماحةِ الشيخ ابنِ عثيمينَ - يرحمه الله - تؤكدُ الالتزامَ بالأنظمةِ الداعيةِ للسلامة، وتُحذّرُ من المخالفاتِ التي تؤدي إلى إزهاقِ الأرواحِ والممتلكاتِ.
أيها المسلمونَ: وثمةَ نوعٌ من التهوّرِ تمارسُه فئةٌ من الشبابِ، وعلى جهاتِ الأمنِ أن تتعاملَ مع أصحابِه بكلّ جدّيةٍ وحزمٍ، وعلى الآباءِ والأولياءِ ألا يشفعوا لأصحابِ هذه الممارساتِ الخاطئة المهلِكة، فهل سمعتم عن قطعةِ
(1) أضواء البيان: 3/ 260.
الموتِ؟ إنها مراهنةُ المراهقينَ على اجتيازِ الشوارع المتقاطعةِ حتى وإن كانت الإشارةُ حمراءَ تمنعُ السيرَ، فهؤلاء يأتون بأقصى سرعةٍ مجتازينَ للشارعِ مهما كانت الخسائرُ، وكم وقعتْ نتيجةَ هذه الحركاتِ الصبيانيةِ من خسائرَ وحوادثَ مروّعةٍ، وحقُّ هؤلاء أن يُمنَعوا من القيادةِ، وأن تُصادرَ سياراتُهم إلى الأبد ليكونوا عبرةً لغيرهم.
وعلى صعيدٍ آخرَ، وفي تحليلٍ أصدرته قواتُ أمنِ الطُّرقِ جاءَ فيه: تَجاوزُ السّرعةِ النظامية، وعدمُ الاهتمامِ بسلامةِ الإطاراتِ على رأس أسبابِ الحوادثِ في المملكةِ، وقد جاءتْ محصّلةُ الحوادثِ لعام 1420 هـ تحمل الإحصاءات التاليةَ:
(5179)
حادثًا مروريًّا، منها (1800) حادثِ انقلاب، (1775) حادثِ تصادم، وأشارَ التقريرُ إلى أن عددَ المصابينَ بهذه الحوادث (2642) سعوديًّا، وغيرَ سعوديّ (1721)، وعددُ الوفيات لعام 1420 هـ بلغت (536)(1).
وفي إحصائيةٍ لمنطقة القصيم لعام 1420 هـ بلغ عددُ المصابين (1166)، وعددُ الوفيات (176).
إن هذه الإحصاءاتِ وغيرَها تدعو للتأمّلِ واليقظةِ، والتعاونِ فيما من شأنه وجودُ (جيلٍ مروريّ واعٍ)، فتلك مسئوليتُنا جميعًا .. ولكنّ جهاتِ الأمنِ عليها كِفْلٌ كبيرٌ من المسئولية، فلا بد أن تنتهي إلى قراراتٍ حاسمةٍ ومتابعاتٍ جادّةٍ تضعُ حدًّا للمتهورينَ، وتأخذُ بيدٍ من حديد على كلّ من يعبثُ بالأمنِ أو يتسامحُ في أرواحِ أو ممتلكاتِ الآخرين، وفي كلّ عامٍ نسمعُ عن ملتقىً أو أسبوعٍ للمرورِ - ولكننا نتطلّعُ إلى حلولٍ جذريةٍ وخططٍ واعيةٍ للسلامة، وأنماطٍ
(1) جريدة الرياض، تصريح مدير أمن الطرق.
حضارية، يمكن أن يشتركَ في صياغتها إلى جانبِ رجالِ الأمن أساتذةُ الجامعاتِ والمفكّرونَ وأصحابُ الرأي.