الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتَّبع هداه، أما بعد:
فإن الحديث عن التيار السلفي المعاصر قد غدا بعد الثورات العربية شأنًا مهمًّا يفرض نفسه على مجالس الناس، ووسائل الإعلام في العالم بأسره، وهو حديث عن تيار متنامٍ ومترامي الأطراف، ومتعدد الصور والتجليات، ومتنوع المواقف والاجتهادات، وهذا الثَّراء يزيد من صعوبة دراسة أو بحث هذا التيار بجملته، وربما يَحُولُ هذا الاتِّساعُ دون توجيه خطاب واحد إلى مدارسه المختلفة، أو يمنعُ دون تعميمِ حكمٍ على إيجابياتٍ تُنسَبُ له، أو سلبياتٍ تُدَّعى في حقِّه! ومهما يكن من أمر فإن النقد الذاتيَّ، والنصح الداخلي للخطاب السلفي المعاصر في اللحظة الراهنة يُمَثِّلُ تسديدًا واجبًا، ودعمًا حقيقيًّا، لا يصح تجاهله، أو التشاغل عنه بحال، ومما يطرح هذا
العملَ ويدعو إليه - الآن بقوةٍ - تدشينُ حربٍ عالمية على السلفية في كل صِقْعٍ ومِصرٍ، بعد أحداثِ الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وهي حرب عالمية أيديولوجية ومسلكية في آنٍ واحد، وليس لها من سبب ظاهر إلا أن الجماعات والطوائف والرموز السلفيَّة "يهدفون إلى تطبيق الشريعة الإِسلامية! وينادُون بأن الإِسلام دينٌ ودولةٌ! "(1).
وقد استعملت في هذه الحرب ترسانةٌ من أسلحة التشويه والتشويش والتعويق والتشهير والمحاصرة والتضييق، حتى إذا أُحْكِمَتِ القبضةُ وظَنَّ الغربُ وحلفاؤهم في الداخل أنهم قادرون على الضربة القاضية انطلقَتِ الثوراتُ العربيةُ بإذن ربها! فَدَمَّرَتِ الإفكَ المفترى! وحطَّمَتْ أغلالَ الظلم والطغيان! وقيودَ الفسادِ والاستبدادِ! ووقف كثيرون مَشْدُوهِينَ أو ذاهلينَ واجمينَ! وهم يرقبون صعودَ القوى السلفيَّةِ التي تمالَؤُا عليها، وتقاسموا على تبييتها وأربابِهَا في ظل صمتٍ رهيبٍ فُرِضَ على الشعوب فَرْضًا! ومع أن المدَّ السلفيَّ قد أصبح حقيقةً واقعة، وظهر مشروعٌ سياسيٌّ لهذا التيار - وفي مصر تحديدًا - ليلحق بقاطرة الممارسة السلفية السياسية في الكويت والبحرين وغيرهما فإن الاجتماع على مراجعة الخطاب السلفي لتقويته من جهة، وتحريره من الملحوظات عليه من جهة أخرى يُعْتَبَرُ أولويةً حاضرةً الآن أمام المنتسبين إليه، والمحبين له على حدٍّ سواءٍ.
(1) الفرصة السانحة، لنيكسون، (ص 153).
على أن عين المراقب لا تخطئ - بَعْدَ هذه الثورات العربية - أن طائفة من الشباب المنتسب إلى هذا التيار في أرجاء العالم العربي والإِسلامي يَجهرُ اليومَ بما كان يَهْمِسُ به أمسِ، وَيستعلِنُ الآنَ بما كان يُخفيه قبل آنٍ!
وبغض النظر عن صحة تلك الآراء والمواقف من عدمها؛ فإن هذه النظرات النقدية تحتاج إلى فحصٍ وتمحيصٍ، وتعامُلٍ بمنهجٍ سديدٍ ووعيٍ شديدٍ، وليتأتَّى من وراء ذلك الترشيد! وما من شكٍّ في أن ضَغْطَ القاعدة الشبابية اليوم للتطوير والتغيير بإيقاعٍ سريع متلاحِقٍ قد ينطوي على مخاطرة أو مغامرة - ولو في بعض المواقع على الأقل - كما أن التثاقل في الاستجابة الواعية للمطالب قد يُفضي إلى استفحالِ المثالبِ، أو إلى خسارةٍ فادحةٍ في القواعد! ومن هنا انطلقت هذه الدراسة المعاصرة؛ لتفتح بابًا إلى المناصحة والمراجعة، ولتأخذ بزمام المبادرة في وضع هذه الملحوظات على سُلَّمِ الأولوياتِ الحاضرةِ في اللحظة الراهنة، بما يُرجَى معه أن تتنبه قياداتُ العمل السلفي المعاصر في كل ميدان قبل أن تخسر بعضَ أبنائها، أو يتساقطَ في الطريق بعضُ رُوَّادِها، أو تفوتها فرصة سانحة لتحقيق أهدافها.
وعليه؛ فإن التيارَ السلفيَّ المعاصر مدعوٌّ اليوم - وفي ظل هذه الملحوظات - إلى أن يعيد تطويرَ نفسِهِ، وأن يجدِّدَ في أساليبه وطَرْحِهِ، وأن يسعى بجهده إلى أن يحدِّدَ مواقفَ أكثرَ وضوحًا وتفصيلًا، في قضايا كان الموقف منها مجملًا أحيانًا، ومترددًا أحيانًا أخرى!! كما يُرْجَى - في خاتمة المطاف - أن يخرج التيار السلفي من
حالة الانقسام إلى حال الاجتماع والوئام، وأن يَبْرُزَ كيانٌ عالمي يمثل هذا التيارَ، وينسق بين مجموعاته وجمعياته بما يمهد لقيام مرجعية سلفية عالمية، تَضبِطُ الاجتهاداتِ، وتتدارك الملحوظاتِ، وتُسدد المسيرةَ، وتُصحح الأخطاءَ الإداريةَ والمنهجيةَ التي تَصدر من بعض التجمعات السلفية هنا أو هناك، كما يَسعى لحلِّ الخلافاتِ السلفية، وإيجادِ المخارجِ الشرعية للمشاكلِ والنوازِل الاقتصادية والسياسية والاجتماعيةِ المُحْدِقَةِ بمجتمعات المسلمين اليوم، لا سيما بعد ارتفاعِ سقفِ الحرية، وسقوطِ الأنظمةِ الديكتاتورية، وهذا بدوره يُمهد إلى الخروج من ضِيقِ التحَزُّباتِ الجزئية إلى سَعَةِ الأمة الجامعة، ويعين على الانتقال من انتماء الوسائل إلى انتماء الغايات، قال تعالى:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92].
وبناءً على ما سبق فقد جاءت هذه الدراسةُ معتمِدَةً منهجًا توصيفيًّا، وخطابًا نقديًّا للحالة السلفية الراهنة - في مصرَ خاصة، وفي الوطن الإِسلامي عامة - ثم تفكيرًا ارتياديًّا للخروج من تلك المضايق، بوضع أولويات الخطاب السلفي المعاصر أمام أهله ورواده اليوم.
وقد اكتملت هذه الدراسة عبر فصولٍ أربعةٍ، تناول الأوّل منها: مفهوم الخطاب السلفي المعاصر، وتناول الثاني: لماذا الحديث عن أولويات الخطاب السلفي؟، فيما بحث الفصل الثالث: مشكلات الخطاب السلفي وعوائقه، وانتهى الفصل الرابع والأخير إلى تقديم أولويات متعددة المجالات، ومتنوعة
التخصصات والسمات؛ ليدخل من خلالها التيارُ السلفيُّ إلى مرحلةٍ تاريخيَّةٍ بالغةِ الخطورةِ في إثبات جدارتهِ وأهليته للقيادةِ والريادةِ، وحملِ التبعة، والقيامِ بالأمانة في هذه الأمة.
وَفَّقَ اللهُ تعالى الدعاةَ الحداةَ، والعلماءَ الهداةَ من كلِّ اتجاهٍ لإقامة ديينا، وتَرْكِ التفرُّقِ في مِلَّتِنا، وجَمَعَ على الحقِّ كلمتَنا، وهدَى مسيرتَنَا، وسَدَّدَ أعمالنا، وأعانَ على ذكره وشكره وحسنِ عبادته، وجَعَلنا وأمتنا الحبيبة أهلًا للنصر والتمكين، إنه أكرمُ الأكرمين، وأرحمُ الراحمين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
وكتبه
د. محمد يسري إبراهيم
الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح
القاهرة: الاثنين 2/ 6/ 1433 هـ
الموافق 23/ 4/ 12012 م