الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس
جهود في الوسائل وضعف في الآليات
لا شَكَّ أن الاتباع في الدعوة مَعْلَمٌ أصيلٌ، ومنهجٌ جليلٌ، فقد "أُمِرْنَا أن نقتديَ ولا نبتديَ، ونتبعَ ولا نبتدعَ"(1)، ومع هذا فلا إثم، ولا حَجْرَ، ولا حرج على من تأهَّل للاجتهاد فيما لم يَرِدْ فيه نصٌّ قاطع للنزاع، أو تحقق فيه إجماع، وذلك بشرط البعد عن اتباع الهوى، والحذر من الزلات.
وفي جانب وسائل الدعوة اتباعٌ مطلوبٌ، فلاُ يُقَلَّدُ كافرٌ في وسيلةٍ من شعارِ دينهِ الباطلِ، ولا تستعملُ وسيلةٌ نهى الشارعُ عنها، أو نَفَّرَتِ الشريعةُ منها، وكلُّ وسيلةٍ بعد ذلك؛ فهي مباحة متى حققت مقصودَها، ولم تتضمنْ محرَّمًا، فليستِ الوسائلُ الدعويةُ توقيفيةً بإطلاق، ولا مطلقةً من كل قيد.
وقد انفتح في العصر الحاضر لأهل الإِسلام بابٌ واسع من خلال التقنية المتنوعة، وعلى قدر تباين الخَلق واختلاف مشاربهم- تتعدد المداخل إلى قلوبهم وعقولهم، وهذا يفرض على الدعاة وعيًا بواقعهم، وحرصًا على علوم عصرهم، واطلاعًا
(1) من كلام ابن مسعود رضي الله عنه، شرح أصول الاعتقاد، للالكائي، (1/ 86).
واعيًا على الوسائل المتاحة والمباحة، واهتمامًا بالاستباق إلى الجديد المفيد، مع التنبه إلى ضوابط استعمالِهِ ومحاذيرِهِ، والاجتهادِ الشرعيِّ المنضبطِ في إدراكِ أحكامِهِ، والحذرِ من الجمودِ على لونٍ واحدٍ في التفكيرِ والتنفيذِ، والمعالجةِ والمبادأةِ؛ فلا بد من تغلُّبٍ على ضعفِ الآليات، والجمودِ على وسائلَ بالذاتِ، وألا تقتصرَ الوسائلُ على دعوةٍ جماعيةٍ عامةٍ، أو تنحصرَ في دعوةٍ فرديةٍ خاصة، وألا تختصر الدعوة في مؤسسات خيرية، أو هيئات إغاثية. والخطابُ السلفيُّ المعاصر مطالبٌ بألَّا يجمُدَ على أسلوبٍ، أو وسيلة لا يرى سواها؛ فإن من عالميةِ دعوتِهِ عالميةَ وسائلِهِ، فتستفيدُ دعوته من الوسائل والإمكانات المباحةِ المتاحةِ، بما يحققُ الأهدافَ، ويكثِّرُ الإيجابيات.