المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأولتدشين الحرب العالمية على السلفية - فقه الأولويات في الخطاب السلفي المعاصر بعد الثورة

[محمد يسري إبراهيم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأولمفهوم الخطاب السلفيوخصائصه وأولوياته

- ‌المبحث الأوّلمفهوم الخطاب الإسلامي السلفي

- ‌المبحث الثاني التيار السلفي…النشأة والتطور

- ‌المبحث الثالثخصائص التيار السلفي المعاصر

- ‌أولًا: المرجعية العلمية والولاية الشرعية:

- ‌ثانيًا: الثبات المنهجي والاستقرار الفكري:

- ‌المبحث الرابعفقه الأولويات في الخطاب السلفي

- ‌الفصل الثانىلماذا الحديث عن أولويات الخطاب السلفي

- ‌المبحث الأولتدشين الحرب العالمية على السلفية

- ‌المبحث الثانيوجود مراجعات وتراجعاتفي الخطاب السلفي المعاصر

- ‌المبحث الثالثملامح وأسباب الحالة الراهنة

- ‌أولًا: الخطاب الإِسلامي…نجاحات وإخفاقات

- ‌ثانيًا: احتمال تجارب واستثمار مكاسب:

- ‌المبحث الرابع المطالبة الخارجية بالتجديد والتبديد في الخطاب السلفي

- ‌الفصل الثالث عوائق واقعية ومشكلات سلبية في الخطاب السلفي المعاصر

- ‌المبحث الأولضعف أو غياب المرجعية العلمية الموحدة

- ‌المبحث الثانيندرة المراكز البحثية والدراسات الاستراتيجية

- ‌المبحث الثالثالتمحور حول مسائل الخلاف الاجتهادي

- ‌المبحث الرابعخلل في ترتيب الأولويات

- ‌المبحث الخامسجهود في الوسائل وضعف في الآليات

- ‌المبحث السادسميل إلى النظريات وقصور في العمليات

- ‌المبحث السابعافتقاد أو ضعف المؤسسات

- ‌المبحث الثامنضعف الأداء السياسي

- ‌المبحث التاسعضعف العلم التأصيلي أو الفهم الأصولي

- ‌المبحث العاشرافتقاد الرؤية المتكاملة والموحدة للتغيير

- ‌المبحث الحادي عشروجود خلل في إصدر الأحكام

- ‌المبحث الثاني عشرتذبذب الموقف من العمل الجماعي

- ‌المبحث الثالث عشرالإهمال التربوي

- ‌المبحث الرابع عشرضعف العناية بالسياسة الشرعيةفي التصرفات الدعوية

- ‌المبحث الخامس عشرالغفلة عن فقه المقاصد

- ‌المبحث السادس عشرالجنوح نحو التشديد والتعسير

- ‌المبحث السابع عشرغلبة خطاب الترهيب على الترغيب

- ‌المبحث الثامن عشرتفاقم الانقسام السلفي

- ‌المبحث التاسع عشرضعف الخطاب السلفي الإعلامي الفضائي

- ‌المبحث العشرونأخطاء إدارية منهجية

- ‌الفصل الرابع.............أولويات الخطابالسلفي المعاصر

- ‌المبحث الأولأولوية الرد إلى الأمر الأول

- ‌المبحث الثاني أولوية إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد

- ‌المبحث الثالث أولوية الجهاد التربوي قبل الجهاد العسكري

- ‌المبحث الرابع أولوية الانتماء إلى أهل السنة قبل الانتماء لطائفة من طوائف الدعوة

- ‌المبحث الخامس أولوية التأصيل والأصاله مع التجديد والمعاصرة

- ‌المبحث السادس أولوية الكيف المنظم على الكم المبعثر

- ‌المبحث السابع أولوية التدرج والمرحلية

- ‌المبحث الثامن أولوية تأهيل الصفوف الثانية وتدريب الكفاءات الواعدة

- ‌المبحث التاسع أولوية الواقعية في الخطاب السلفي الدعوي والسياسي

- ‌المبحث العاشر أولوية إيجاد التيار السلفي قطريا (أولوية الأولويات)

- ‌المبحث الحادي عشر أولوية العالمية في الخطاب السلفي

- ‌المبحث الثاني عشر أولوية خطاب النهضة الشاملة

- ‌المبحث الثالث عشر أولوية ضبط الخطاب السلفي الموجه للحضارة الغربية

- ‌المبحث الرابع عشر أولوية المشاركة المجتمعية والسياسية الواسعة

- ‌المبحث الخامس عشر أولوية صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام

- ‌المبحث السادس عشر أولوية إيجاد وسيلة فعالة للتنسيق وحل الخلافات السلفية

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌المبحث الأولتدشين الحرب العالمية على السلفية

‌المبحث الأول

تدشين الحرب العالمية على السلفية

(1)

لا اختلاف على أنَّه بسقوط الشيوعية، وانتهاء صلاحية شعار:(الروس قادمون) قد انتهى الجهاد والكفاح المشترك بين الغرب والعالم الإِسلامي ضد الشيوعية في أفغانستان، وليس في هذا من عجيب، وإنما العجب أنه بمجرد تحقيق هذا الهدف سارع الغرب بإعلان الإِسلام عدوًّا جديدًا! وذلك قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأكثر من عشر سنوات، وذلك حين دعاه مبكرًا داهية الغرب (نيكسون) بالخطر الأخضر الذي ينوب عن الخطر الأحمر.

ومما لا شك فيه أن الإِسلام المقصود بالحرب ليس هو إسلام العقلانية، أو العصرانية، أو الشعوذة والخرافة، أو الفِرَق أو الطرق! وليس أصحابه بطبيعة الحال من المتسوِّلين على موائد الغرب أو الشرق، وإنما هم - كما يقول نيكسون -: "المصمِّمون على استرجاع الحضارة الإِسلامية السابقة عن طريق بعث الماضي

والذين يهدفون إلى تطبيق الشريعة الإِسلامية، وينادُون بأن الإِسلام دين ودولة، وعلى الرغم من أنهم ينظرون إلى الماضي فإنهم يتخذون منه هدايةً للمستقبل، فهم ليسوا محافظين، ولكنهم ثوارٌ! " (2).

(1) يراجع كتاب: ولتستبين سبيل المجرمين، للمؤلف، الفصل السابع، ط: 2، دار اليسر.

(2)

الفرصة السانحة، لريتشارد نيكسون، (ص141، 152، 153).

ص: 32

ومثل هذه التصريحات تُظهر - بجلاء - أن الحرب ليست على إرهاب يُنسب إلى الإِسلام، ولا على جماعات تتبنى الجهاد، أو حتى تدين بالعنف! إنما هي حرب على إسلام العقائد والثوابت، والأصول والمبادئ بالدرجة الأولى.

إنها حرب على الإِسلام المقاوِم للهيمنة الغربية، والاستعمار، والعلمنة في جميع الميادين، وشتى مناحي الحياة! إنه الإِسلام السلفي الأصولي، كما يدعونه! وفي تقرير مؤسسة راند الأمريكية الصادر عام (2005 م) جرت المناداة بمؤتمر دولي يدشن لقيام مؤسسة دولية، لمحاربة ما أسموه "التطرف السلفي"(1)! وعلى نفس الطريق جاء التقرير التالي في (2007 م) داعيًا أن يُستخدم التيار التقليدي مع الصوفي في مواجهة الإِسلام السلفي، وأحيانًا جرى التعبير عن السلفية بـ:(الوهابية)(2).

كما نصُّوا على أن أصحاب المناهج الفلسفية والكلامية هم أقدر من غيرهم على التصدي لأهل السنة، على اختلاف أطيافهم.

وبناءً عليه؛ فإن الغرب يعتقد - وبحق - أن قاعدة التدين في

(1) تقرير: (راند)، (ص 145).

(2)

تقرير: (راند)، (ص 85).

ص: 33

الشرق الأوسط هي قاعدة سلفية تتخذ الكتاب والسنة، ومنهج السلف مرجعية شرعية، تحكم جميع شئونها الدينية والدنيوية.

ومن هنا: انطلق الغرب يبحث عمن يمكن أن يخوض بهم ومعهم هذه الحرب الفكرية الكلامية ضد طوائف أهل السنة، والدعوة الإِسلامية، والذين وضع لهم تعريفًا جامعًا، وهو أنهم يدعون - على الأقل - إلى الاعتراف بالشريعة كأساسٍ للتشريع!! (1).

ومنذ ذلك التوقيت قد بدأ النفخ في وقود حرب علمية وفكرية بين السلفيين من جهة، والصوفية والأشاعرة والمعتزلة والرافضة من جهة ثانية، وبين العلمانيين والحداثيين والتغريبيين والعقلانيين من جهة ثالثة! وعلى فور إطلاق هذه الحملة الظالمة فقد استُعمِلتْ في هذه المواجهات ألوان مختلفة من الأسلحة المدمرة، ويمكن أن يُرْصَدَ من ذلك ما يلي:

أولًا: كتب السب للتيار السلفي والقذف بالبهتان تنشر:

واللافت للنظر ليس وجود هذه الكتب قبل ذلك، وإنما كثرتها وتعدد إصداراتها، وتنوع الجهات المصدرة لها حول العالم العربي والإِسلامي.

(1) تقرير: (راند) 2007 م، (ص 75).

ص: 34

» فبدءًا من عام (2005 م) صدرت كتب وإصدارات كثيرة عن مركز البحوث والدراسات التابع للطريقة العزمية بالقاهرة، ووزعت مع الباعة بثمن رمزي، وقد حملت هجومًا تكفيريًّا حادًّا، وعباراتٍ نابيةً بعيدةً عن أدب الخلاف مع العلماء والفضلاء!! ومن الأمثلة على ذلك:

قولهم عن ابن تيمية رحمه الله: "المقتدِي بأسلافه كلاب النار الحروريين (الخوارج)

والذين كفَّروا كثيرًا من الصحابة".

وقولهم: "وهو جاهل بأصول الدين جهلًا مركبًا، وقد حكم على نفسه بالشرك وعبادة غير الله، وهو لا يشعر! "(1).

ولقد علق الأستاذ الدكتور محمَّد عمارة على هذه السلسلة من الكتب البذيئة - مستاءً مما ورد فيها - فقال: "تلك نماذج -مجرد نماذج - من الفحش الفكري الذي قدَّمته - وتقدِّمه - سلسلة من الكتب الجمهورية، التي تصدر شهريًّا، والتي صدر منها عند كتابة هذه الدراسة أكثرُ من عشرين كتابًا!! "(2).

» وفي ذات التوقيت التي خرجت فيه الكتب المصرية صدر

(1) تراجع الكتب التالية عن المركز المذكور: "خطر تقسيم التوحيد على عقائد المسلمين"، (ص 5، 6، 16، 36، 56، 66، 72، 80، 81، 84،90،100، 144، 147) ط: القاهرة 1426هـ، 2005 م، وكذلك:"العقائد الوثنية والشرائع السماوية" في ذات السلسلة، (ص 7، 12، 120، 128) وكتاب: "ليسوا من أهل المعية"، (ص12، 37، 137، 154، 155، 157).

(2)

فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية، ضمن سلسلة: قضايا إسلامية، د. محمَّد عمارة، وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإِسلامية، العدد، (142) في ذي الحجة (1427 هـ، ديسمبر 2006 م)، (ص 69).

ص: 35

عن دار الرازي ودار الفتح بالأردن عددٌ من الكتب التي تهاجم العقائد والرموز السلفية التاريخية والمعاصرة على حدٍّ سواءٍ لسعيد فودة وغيره من الأشعرية والصوفية من بلاد مختلفة، وقد رُصد مثل هذا في الكويت، والمغرب، وغيرها، بل وفي السعودية أيضًا، ككتاب:(الإنصاف) الصادر عن د. عمر عبد الله كامل، والمطبوع في القاهرة (2009 م).

ثانيًا: الندوات والمؤتمرات تُعقد:

» وفي سبتمبر 2006م أُقيمت بماليزيا ندوة عالمية عن الهجوم على السلفية بالجامعة الإِسلامية العالمية بماليزيا، برعاية جمعية (صوفا) الماليزية الصوفية، وبحضور عربي وإسلامي، شارك فيها أشاعرة صوفية من مصر، والسعودية، والأردن، وغيرها!

» وإذا كان تقرير راند (2005 م) قد دعا إلى مؤتمر دولي يدشن لمواجهة العقيدة والفكر السلفيَّيْنِ، فقد انعقد مؤتمر بالقاهرة عبر رابطة جديدة، حملت اسم: الرابطة العالمية لخريجي جامعة الأزهر، وكان مؤتمرها الأوّل عن أبي الحسن الأشعري والأشعرية، وذلك بفندق الإنتركونتننتال في الفترة من (24 - 27 جمادى الأولى 1431هـ، الموافق 8 - 11 مايو 2010 م)، واستضاف نحو مائتين وخمسين ضيفًا من معظم أقطار العالم، وقد افتتحه كل من شيخ الأزهر، ومفتي الديار، ووزير الأوقاف بمصر.

وقد دارت محاور المؤتمر في جملتها على إعلان قيام هذه

ص: 36

المرجعية الأشعرية بالمناوأة للمرجعية السلفية علميًّا ومنهجيًّا وفكريًّا، ومن اللافت للنظر: أن عددًا من الحضور لم يتوافق مع هذا التوجه الغريب، فلما أعلن معارضته من خلال مداخلات، أو تعليقات على ما ألقي من كلمات، أو محاضرات، كان نصيبه الهجوم اللاذع، والتقريع الصريح!!

وفي (24 - 26 سبتمبر 2011 م) عقد بالقاهرة مؤتمر: (الصوفية منهج أصيل للإصلاح) وذلك برعاية شيخ الأزهر، وبحضور وزير الأوقاف، ومفتي الديار المصرية، وبمشاركة نحو من ثلاثمائة صوفي من مختلف البلاد العربية والإِسلامية، وبحضور مندوب عن حسن نصر الله الرافضي ممثلًا عن حزب الله اللبناني!! (1) وذلك للترويج للصوفية بعد تورط بعض غلاتهم في علاقات مشبوهة بأمريكا والغرب، مما أدى إلى سقوط أسهمهم، واتهام عدد منهم بالعمالة للأنظمة العربية من جهة، وللغرب من جهة أخرى.

ثالثًا: التضييق على الدعوات والرموز السلفية على أشده:

» ففي مصر الأزهر عمدت إدارة جامعة الأزهر، ثم مشيخة الأزهر بقيادة فضيلة الدكتور أحمد الطيب إلى التضييق على كل من يبدي تسامحًا مع المنهج السلفي، وفي هذا الصدد منعت عددًا من الأساتذة من التدريس، والمشاركة في الامتحانات، وأعمال التصحيح، وأحالت عددًا من هؤلاء الأساتذة الجامعيين إلى

(1) موقع جريدة الأهرام الإلكتروني، الأحد (25/ 9/ 2011 م).

ص: 37

تحقيقات قانونية بتهم متعددة، تدور في جوهرها حول تبني السلفية! كما اتخذت إدارة الجامعة في عهد فضيلته موقفًا متشددًا من كلية الدعوة الإِسلامية ورجالاتها بوصفها كلية سلفية!! ووجهت العمداء بضرورة رفع أسماء من ينتسبون إلى هذا المنهج، من جميع الكليات الشرعية؛ لمنعهم من التدريس، ولو بتصيُّدِ الأخطاء، وتلفيقِ التُّهَمِ! واضطر عدد من هؤلاء للسفر خارج البلاد حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا! (1).

وامتدَّ هذا النطاق من المحاصرة والتضييق ليطال التدخل في مناهج ومقررات المعاهد الشرعية لإعداد الدعاة، بمختلف الجمعيات الدعوية، وإيقاف عدد من شيوخها لنفس الأسباب، وإحالة عدد من أئمة المساجد التابعين للأوقاف المتهمين بالسلفية إلى تحقيقات تنتهي - غالبًا - بالإقصاء عن المساجد المؤثرة والكبيرة بمختلف المدن.

وفي الإمارات أُنهي تعاقُدُ عددٍ كبير من الأئمة المعارين للعمل بالمساجد ممن ثبت انتسابُهم للمنهج السلفي، وجرى ترحيلُهُم! وعلى خطٍّ موازٍ أُغلقت المدارسُ الشرعية الباكستانية بأوامِرَ أمريكيةٍ صريحةٍ، كما أُعيد النظرُ في مناهجَ دراسيةٍ بمختلف المراحل التعليمية بالسعودية، تحت دعوى التطوير! وجرى بالفعل استبدالُ

(1) منهم: أ. د. عبد الله بركات، عميد كلية الدعوة الأسبق، أ. د. عبد الله سمك، رئيس قسم مقارنة الأديان بنفس الكلية.

ص: 38

تلك المناهج! وذلك بالمخالفة لما أوصى به العلماء الرسميُّون! ومن اللافت للنظر - أيضًا - ما يُرْصدُ من استبعادٍ لبعض العلماء من مناصبهم، سواء في هيئة كبار العلماء، أو بمجلس القضاء الأعلى، أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يُرْصَدُ كذلك استيرادُ الفتاوي، وعدم الاكتفاء بالعلماء المحليين، مع منعِ الكافة من الفتيا إلا بتصريح، وإغلاق مواقع الفتيا الإلكترونية، وغير ذلك.

رابعًا: الحرب الإعلامية تستعر:

وعلى المحور الإعلامي قد بات الهجوم على تلك الاختيارات السلفية العلمية عقديًّا وفقهيًّا مادةً للحديث العام تلفزيونيًّا وفضائيًّا، وذلك بدءًا من الأحاديث التي ألقاها آنذاك رئيس الجامعة الأزهرية الدكتور أحمد الطيب في قناة (النيل الثقافية)، والتي تناول فيها المفردات والاختيارات السلفية العلمية والعملية، إلى تلك الأحاديث واللقاءات الدعوية والشبابية التي نقلتها قناة (اقرأ) الفضائية لرموز صوفية، وأشعرية تُهاجِمُ أيضًا المناهجَ السلفية! وفي مصرَ صدرت توجيهات للصحف بتناول هذا الموضوع عبر تحقيقات جرى فيها تناول السلف الأوائل، ومن ينتسب إليهم في العصر الحاضر بدرجات متفاوتة من النقد والتحذير، وأخيرًا التشهير! (1).

(1) على سبيل المثال يراجع: التحقيق الصحفي المنشور بملحق جريدة الأهرام، صفحة فكر ديني، بتاريخ: الجمعة (24/ 10/ 2008 م)، والذي يليه بتاريخ:(31/ 10/ 2008 م).

ص: 39

وهكذا صارت عناوين الهجوم على السلفية شيئًا مألوفًا في تحقيقات مجلة (روز اليوسف) المملوكة للدولة في مصر، وللتمثيل فقط هذه بعض عناوينها في السنتين الأخيرتين (2009 - 2010 م): السلفيون .. الخطر الناعم في مصر.

ألغام السلفية تهدد بتفجير الوحدة الوطنية.

في القنوات السلفية: الفلوس للمشايخ .. والتطرف للجميع! (1).

وفي مقابلة نشرت بموقع (أون إسلام) الإلكتروني مع مفتي الديار المصرية د. علي جمعة اعتبر أن السلفية المتشددة أقربُ إلى العلمانية منها إلى الإِسلام! وأن الفكر السلفي المنغلق هو الوجه الآخر للفكر العلماني! شارحًا أنه "إذا كانت العلمانية تريد أن تعزل الدين عن سير الحياة؛ فإن السلفية تسعى إلى أن تنعزل بالدين عن الواقع! "(2).

ومن أخطر ما رُصِدَ من هذه التحقيقات الصحفية: ما أجراه الصحفي مكرم محمَّد أحمد مع فضيلة شيخ الأزهر، والذي نُشر في الأهرام بتاريخ 10/ 7/ 2010 م؛ ففي سؤال حول أسبابِ تراجُعِ دورِ الأزهرِ قال فضيلته: "

لكن سيطرة بعض العناصر الاشتراكية والماركسية على الثقافة في مصر - خلال هذه الفترة -

(1) معاداة السلفية، مقال: د. محمَّد هشام الراغب، موقع الوسط الإلكتروني (www.el-wasat.com بتاريخ:(23/ 4/ 2010 م).

(2)

موقع أون إسلام الإلكتروني، بتاريخ:(18/ 10/ 2010 م)، إعداد: هشام جعفر، وعبد الهادي أبي طالب.

ص: 40

أسهمت في تحديدِ دورِ الأزهر، ومكانته، وأدَّتْ إلى تراجع دوره خارج مصر، على حين نشطت جهودُ آخرينَ لتملأ هذا الفراغ، نشطت الكنيسة الغربية في دورها التبشيري في إفريقيا، ونشطت الماركسية في جهودها للتقليل من أهمية الدين، وساد فقهُ البادية، وَسَعَتِ الوهابيةُ إلى أن تملأ جزءًا من هذا الفراغ"!

وحول تحول الدين في نظر البعض إلى مظاهرَ وطقوسٍ شكلية قال الشيخ: "أعود فأقول: إنه في غيبة دور الأزهر نشط السلفيون، ونشطت بعض المذاهب الوافدة، وحاولتِ الوهابيةُ أن تملأ الفراغَ، وانتشر فقهُ البادية على حساب فقهِ الوسطِ!! وعليه، فإن الحربَ على الإرهابِ يحلُّ محلَّها الآن - في تسلُّلٍ مريبٍ - الحربُ على السلفية!!

وبعدَ قيامِ الثورات العربية، وصعودِ القُوَى السلفيةِ - سياسيًا واجتماعيًّا - ازداد التمالُؤُ الداخليُّ والخارجيُّ على الدعوات السلفية، وانتشرت الشائعات الكاذبة، والحملات الإعلامية المغرضة، وقد شهدت الساحة المصرية من هذه المواجهات السياسية والإعلامية شيئًا مفزعًا، بدءًا من حَدِّ

ص: 41

قطعِ الأُذُنِ!! (1)، مرورًا بهدمِ أضرحةِ أولياءِ الله الصالحين!! (2)،

(1) نشرت جريدة: "الدستور" بتاريخ: (24/ 3/ 2011 م) خبرًا بعنوان: "سلفيون يقطعون أذن مسيحي بقنا" مفاده: أن عشرات من السلفيين قاموا بالتعدي على أحد أقباط قنا، وأحرقوا سيارته وشقة يمتلكها، وكذلك قطعوا أذنه، وأصابوه بقطع عرضي خلف الرقبة، وقد أثبتت التحقيقات براءة السلفيين مما نُسب إليهم، وأن الحادث لم يكن إقامة لحد شرعي - كما أشيع بالإعلام - وإنما حادث أهلي لا فتنةَ حوله، ولا إقامةَ حدود، سببه: ارتياب أهالي المنطقة في إقامة علاقات مشبوهة بين القبطي، وبعض الفتيات اللاتي يستأجرن شقته، كما جاء ذلك على لسان رئيس لجنة المصالحة في حادث قطع الأذن الشيخ محمَّد خليل، ونشرته جريدة:"اليوم السابع" بتاريخ: (6/ 4/ 2011 م)، وانتهت القضية بالصلح بين الطرفين.

(2)

نشرت عدة صحف مصرية كـ "الوفد"، و"المصري اليوم"، و"الشروق" وغيرها من الصحف القومية والخاصة بتاريخ:(31/ 3/ 2011 م) خبرًا بأن سلفيين قاموا بهدم عدد من الأضرحة بمحافظة القليوبية، وظل الإعلام المقروء والمرئي يطنطن حول هذه الواقعة، مضيفًا إليها ما شاء من الافتراءات، حتى بعد إعلان نتيجة تحقيقات النيابة، والتي أكدت أن "هدم الأضرحة كان مجردَ عملٍ تخريبيٍّ من مجموعة من البلطجية، ليس لهم أي انتماءات دينية، أو سياسية، ولا علاقة لهم بالسلفيين" وفقًا لما جاء في جريدة "اليوم السابع" بتاريخ: (4/ 4/ 2011 م)، والعجب ليس من نشر الصحف لمثل هذه الشائعات، وإنما العجب من أن يَحَثَّ مفتي الديار المصرية د. علي جمعة الأمريكان على التحرُّكِ لوقفِ السلفيين الذين يُشكلون خطرًا حقيقيًّا؛ لأنهم بدأوا يَستهدفون كنائسَ الأقباط، والأضرحة! جاء ذلك في مقال نشرفه صحيفة:"الواشنطن بوست" الأمريكية بتاريخ: (18/ 4/ 2011 م) تحت عنوان: " Revolution، counter-

revolution and new wave of radicalism in Egypt" وقد أثار هذا ردودَ فعلٍ غاضبةً؛ لما تضمنه من استعداءٍ للأمريكان، واستقواءٍ بالغرب على أهل الإِسلام!! وأما ثالثة الأثافي فهي ذهاب المفتي إلى القدس يوم الأربعاء 17/ 4/ 2012 م في زيارة حملت من معاني العار وتمرير التطبيع مع اليهود الغاصبين ما جعل الجموع من كل اتجاه تخرج مطالبة بإقالته وعزله!!

ص: 42

وانتهاءً بتلقي دعم دول النفط!!! والبقية تأتي! وهو أمر يجب معه مؤازرة أهل الحق، ولو بالنصح والحدب، والاجتماع على مراجعة الخطاب السلفي لتقويته من جهة، ولتحريره من السلبيات من جهة أخرى، بعد رميه عن قوسٍ واحدةٍ، وفي هذا مبررٌ كافٍ بمفرده لطرح أولويات الخطاب السلفي، ومناقشة الفقه العملي الراجح في هذا الواقع المعاصر.

ص: 43