الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
وجود مراجعات وتراجعات
في الخطاب السلفي المعاصر
بنهاية عقد التسعينيات، وبداية ألفية جديدة تعالت صيحات عديدة تنادي بضرورة إنجاز مراجعات شاملة، لا تنقصها الصراحة، ولا تخلو من الصرامة، وذلك بسبب ما لوحظ من انهيارات، وما جرى من انكسارات، بعد حرب الخليج الأولى والثانية، وما تبع ذلك من ضغوطات هائلة؛ أن إلى تفكك أعمال إسلامية سلفية، وغير سلفية كثيرة، وتنحي جماعات وطوائف عن منهجها ومسلكها، وانطفاء جذوة أعمالٍ عاشت الدعوة الإِسلامية في السبعينيات مرحلةَ توهُّجِها وسطوعِهَا، ثم أدرك الكثيرون حالة ذبولها وتراجعها.
ورُصِدَ من أسباب هذه الظاهرة ما هو اجتماعي، سواء أكان إيجابيًّا، أم سلبيًّا؛ لتغير الحال، وحصول النضج في مرحلة الكهولة بعد الشباب، وتغير ذات اليد من فقرٍ إلى غنًى، ومن قلَّة إلى كثرة، ومن ندرة إلى وفرة في الشباب، والدعوة، والحركة، ومن انقطاع إلى الدعوة والعلم والعمل إلى اشتغال بمفضول عن فاضل، فضلًا عن الاشتغال بالأدنى عن الأعلى.
ومن الأسباب: ما هو منهجي، وذلك عندما تتغير الثوابت، وتَبْلَى القواعد، وتنطمس البصائر، فتزيف الحقائق، وُيسَوَّغ التراجع باسم الدين تارةً، وباسم المصلحة تارةً أخرى، وبأسماء عديدة تاراتٍ.
ومن هذه الأسباب: ما له تعلق بمناهج الفتيا، وقواعد رعاية تغير الزمان والمكان والجهات عند استنباط الأحكام الاجتهادية، في المسائل المتعلقة بالعادات والأعراف ونحوها.
وعلى الرغم مما أَلِفَتْهُ الساحة الإِسلامية من تبرُّم بالنقد الذاتي، وضيق بالرأي الآخر، واتهام للنصيحة؛ فإن الحقيقة التي بدت تلوح في الأفق، ولا تخطئها عينُ متأمِّلٍ في مسيرة العمل الإِسلامي المعاصر - مطلع الألفية الميلادية الجديدة - أن البدء في المراجعة والتقويم، وإبراز دور الكسب الذاتي، وتحمل المسئولية عن الأعمال والنتائج، قد أخذ سبيله، وشقَّ طريقه داخل العمل الإِسلامي، ولدى طوائف الدعاة والعاملين للإسلام كافة، وداخل الاتجاهات السلفية خاصة، وبالقدر الواعد بالخير، والمبشر بعاقبة حسنة، ورُشْدٍ منتَظَرٍ في مسيرة العمل الإِسلامي المعاصر.
وتقريرًا للواقع؛ فإن هذه المرحلة الدقيقة من العمل الإِسلامي، كما شهدت قبولًا للمراجعات والمناصحات على مستوى التنظير والتطبيق؛ فإنها قد شهدت - أيضًا - انزلاقًا في منحدر التراجعات على الصعيدين الفكري والعملي، ومن هنا: تأتي أهمية هذا البحث في فقه الخطاب السلفي والدعوي؛ فإنه يهدف إلى دعم الثوابت الفكرية الصحيحة للخطاب،
والمسارات العملية الرشيدة أولًا، والمراجعة في بعض التأصيلات النظرية، والمواقف العملية ثانيًا، فهي محاولة للربط على محكمات الخطاب السلفي أن تتزلزل، ومراجعة للمتغيرات والظنيات، بما يتفق مع الواقع، ولا يصادم الشرع، ولعله من التوفيق محاولة رسم صورة للدعوة الإِسلامية بدءًا من السبعينيات، وانتهاء بالحال الحاضرة في أوائل العقد الثاني من الألفية الثالثة الميلادية، وذلك لرفع الواقع بتجلياته وإيجابياته وسلبياته، حتى تكون المعالجة على بصيرة، والانطلاقة الجديدة بالنجاح جديرة.