الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث عشر
الإهمال التربوي
لا ينبغي الخلافُ في أن أولى الناس برعايةِ الأخلاق النبوية، وتمثُّلِ الآدابِ المصطفوية هم أهل السنة والجماعة من السلفيين، وغيرهم؛ إذ الأخلاقُ الحسنةُ ثمرةٌ مباركةٌ لشجرة الإيمان الباسقة، وفرعٌ مباشرٌ لأصلٍ ظاهرٍ ألا وهو العبودية لربِّ البرية، والتربية عمل الأنبياء، وسبيل الأصفياء والأولياء، وعمل ضخم لا يتم بدونه تغيير، ولا تنجح بغيره دعوة، وليس له غاية ينتهي عندها، ولا يستغني عنها الكبير، فضلاً عن الصغير، ولا المنتهي فضلاً عن المبتدي.
إلا أن الحقيقة الصادمة أن أكثر التيار السلفي المعاصر لا عناية لدى أكثريته بالتربية، ولا اهتمام لدى أفراده بالتَّزْكِيَةِ، فهو يفتقد المربِّينَ، ويعاني نقصًا في الرَّبَّانيين، وربما وُجِدَتِ التربية لدى بعض الطوائف المنضوية تحت راية السنة والجماعة بشكل أكمل مما هي عند المعاصرين من السلفيين!! ومما يرصده بعض المراقبين تغيُّرُ حالِ قلِّةٍ من رموز التيار من بعد خطاب الزهد والافتقار إلى حال جمع الدنيا والاستكثار، وانْتُقِدَتْ عليهم سلوكياتٌ خرجت عن حال الذِّلَّة علي المؤمنين والتواضع لرَّبِّ العالمين، إلى مخالفة أخلاق الرَّبَّانيين من الحرص على الجاه والمصلحة، ولو أدَّى ذلك إلى تحوُّلاتٍ منهجيَّةٍ، أو
التورطِ في إشكالياتٍ مالية، ونزاعاتٍ دنيوية.
وبغض النظر عن الأحكام الشرعية لتلك المؤاخذات أو الملحوظات التربوية؛ فإنه قد لا يُحتمل من القدوة الربانية ما يُحتمل من غيرها! وإذا كان الحديث عن خلل تربويٍّ يُرَدُّ إليه الفشلُ الدعوي، فلا شك أن عمدة الأسباب هو ضعف التربية الناشئ تارةً عن عدم تكاملها، أو تدرُّجها، أو توازنها، أو انضباطها، أو استمرارها ودوامها، أو الشعور بالاستغناء عنها.
ومع اتساع نطاق العمل السلفي اليوم فإن أهمية التربية تتأكدُ، وسبيل التنشئة والتزكية تتحدَّدُ، عبر ربانية تُقِيم في قلب المربي فرقانًا بين الحق والباطل، وتُنشئ حاجزًا بينه وبين مُضِلَّات الفتن، وتُحقق صلةً وثيقة بالطاعة ظاهرًا وباطنًا؛ فإن في ذلك ضمانةً من العناية بالشكل على حساب المضمون، أو رعايةً للظاهر على حساب الباطن، أو تجمل بالعلم على حساب سوء العمل!