الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع عشر
ضعف العناية بالسياسة الشرعية
في التصرفات الدعوية
للسياسة الشرعية فقه يقوم على المدافعة بين المصالح والمفاسد، والموازنة بين المنافع والمضارِّ، وهو فقه شرعي واقعي يَرْعَى الضروراتِ والحاجاتِ، ويدفعُ المشقَّاتِ، وينظر إلى المآلاتِ، ونتائج التصرفات، ولا يُغْفِلُ المقاصدَ الباعثةَ على الأعمال، ولقد انتُقِدَتْ بعضُ المواقف السلفية من منظور السياسة الشرعية، سواء في ممارسة العمل السياسي، أو في مواقف السلفيين من الحكومات العلمانية، أو في منهج إنكار المنكر، وعلى سبيل المثال: فقد وقع خَلْطٌ بين اعتبار السكوت على الخطأ أو المنكر إقرارًا، وبين ارتكابِ أخفِّ الضررين، ودفعِ الضرر الأشدِّ بالضرر الأخفِّ؛ فقد سُمع قبل فترة من الزمان القولُ بأن العمل السياسيَّ يتضمن الإقرار بالتشريع الوضعي؛ كون المشارك لا يُنكره ولا يُحاربه، مع أن القائل نفسه لا يقول بأن الالتحاق بالجامعات المختلطة إقرارٌ للاختلاط! فَيَنْهَى عن الأول ويأمرُ بالثاني!! ومن ذلك -أيضًا-: تحميل مقولة: "كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة" ما لا تحتمل، ولايمكن أن تحتمل، فضلاً عن وضعها في غير موضعها، سواء بالنسبة لطبيعة المسألة، أو طبيعة المرحلة، وهي مرحلة دفعٍ ورفعٍ، وبناءً على فهمٍ سقيمٍ لتلك المقولة جرى التأكيد -بشكل عمليٍّ- على استحالة التعاون بين الجماعات والطوائف
الدعوية المنضوية تحت راية أهل السنة!! ولو أن مراجعةً علميةً ومنهجيةً لفقه السياسة الشرعية عند السلف رحمهم الله تمت لوقف الجميع على قول شيخ الإِسلام في بيان كيف ساغ ليوسف عليه السلام والنجاشي تولي الولايات في دولة غير مسلمة، وحكم تولي ولاياتِ المكوسِ أو الضرائبِ تخفيفًا للمظالمِ.
وأن العالِمَ الربانيَّ تارةً يأمرُ، وتارةً يَنْهَى، وتارة يسكت، وفي كلٍّ يكون موافقًا لأمر الله تعالى، محقِّقًا لمقتضى السياسة الشرعية، وأنه قد يُدفع الكافرُ بالمبتدع، والأشدُّ بدعةً بالأخفِّ، وحكم ترك الإنكار والسكوت لمصلحة شرعية أكبر.
ولو طالع بعضهم كلام ابن القيم والشاطبي والعز ابن عبد السلام رحمهم الله لتحرَّرت فروق كثيرة، وتبينت أخطاء شرعية في مواقفَ لم تكن برشيدةٍ (1).
إلا أنه مع تنامي الحس السياسي في بعض المواقع، والدخول إلى جوانب عملية ومعتركات واقعية بدا التيار السلفي بمجموعاته أكثر تفهمًا لحاجة أن يتعامل كتيار، وليس كجماعة متحزِّبة؛ حتى يستوعب جميع الطاقات السلفية، وإن لم تكن منضويةً تحت نفس الراية الحزبية، وهذا -بحمد الله- من معالم التوفيق وأمارات النجاح.
(1) راجع: مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (23/ 342 - 346)، (28/ 65 - 105، 121 - 131)، و (35/ 24 - 32)، وقواعد الأحكام للعز ابن عبد السلام، (1/ 42 - 44). والموافقات، للشاطبي، (1/ 295)، والطرق الحكمية، لابن القيم، (1/ 200 - 233)، وإعلام الموقعين، لابن القيم، (3/ 11 - 18، 3/ 81 - 88).