الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع عشر
ضعف الخطاب السلفي الإعلامي الفضائي
دلف السلفيون إلى الفضائيات مشاركينَ في برامجَ لبعض القنوات الفضائية العامة، فكان من نتائج ذلك: تحوُّلُ القنواتِ إلى الوجهة الإِسلامية.
ثم أُنشئَتْ -بعد ذلك- قنواتٌ إسلامية خالصة، وقد أنهتْ هذه التجربةُ الناشئةُ اليوم عقدَهَا الأول، ومن حقِّها أن تُدعَمَ برأي ناصح ونقدٍ بنَّاءٍ، وغنيٌّ عن البيان أن هذه القنوات التي غلب عليها جانبُ التوجُّهِ السلفي قد قامتْ بجهدٍ مشكور، وعملٍ صالح مبرور، وهذا أمرٌ لا يمنعُ المراجعةَ، بل يؤكِّدُ واجبَ المناصحة.
والذي يبدو جليًّا أن الرؤية الاستراتيجية والتخطيطية لهذه القنوات تَفْتَقِرُ إلى الوضوح والانضباط، وأن مَنْ عُنِيَ بتدوينها في البدايات لم يتقيد بها عندما تشعَّبَتْ به المساراتُ، وتعدَّدَتْ أمامه الاختياراتُ، أو زادت عليه الضغوطات، وهذا بدوره أحدثَ خُروقاتٍ منهجيَّةً، وأضعفَ أثَرَهَا، وقلَّلَ من قيمتها، فلا ينبغي أن يغيب عن أرباب هذا الخطابِ الإِسلاميِّ أن هذه القنوات وسيلةٌ لاستعادة المبادرةِ الحضاريةِ، والريادة العالمية للأمة الإسلامية، وأن رؤيةَ القناة السلفية تنطلق من عقيدة الإسلامِ قلبًا وقالبًا، وأن رسالتها منضبطةٌ بتحقيق العبودية، متجَنِّبَةٌ لكل مظاهر العبثية، ولو كان ذلك في الترويج أو الترفيه! فلا بد من تبصيرٍ بعالمية الإسلام،
وصلاحيةِ شريعَتِهِ لكل زمان ومكان، وأصالَةِ واجبِ المسلمين في هذه الحياة، وإذكاءِ روحِ المبادرة الإيجابية، والعزَّةِ الإيمانية، والعملِ على ترميم الواقع الثقافي والأخلاقي للأمة، وتوثيقِ أواصرِ المودةِ والرحمة بين المسلمين جميعًا، وتبني قضايا الأمة، وخاصة في بلاد الأقليات، ومناطق الصراع.
وبناءً على خطوط الرؤية والرسالة تُعَدُّ تلك البرامجُ، وتُتَّخَذُ تلك الوسائلُ التي تنضبط بضوابط الشرعِ المطهَّرِ، حيث لا تنفصل الوسيلةُ عن الغاية، ولا تَقْبَلُ الثوابتُ الشرعية مساومةً منهجية، أو انحرافًا في باب الوسائل والأساليب الإعلامية.
ومما يُرْصَدُ في هذا الباب: ضعف البرامج الفضائية، من حيث المضمون، وهشاشة المحتوى، وسطحية الطرح، علاوةً على تهميشِ قضايا مهمةٍ، مثل الولاءِ والبراءِ، ومفهومِ الاحتسابِ، وبناءِ مرجعيةِ الشريعةِ، وتعظيمِهَا في النفوس والمجتمعات.
كما رُصِدَ في بعض القنوات السلفية: تحوُّلٌ في أساليب ووسائل وأدوات العمل الإعلامي، فَمِنْ رفضٍ لفكرة (الدراما) إلى اعتمادِهَا في البرامج، ومن رفضٍ لفكرة الإعلامِ المختلطِ إلى تطبيقه، ومن استبعادٍ للموسيقى إلى إشراكٍ لها، لكنَّ الأخطرَ من هذا نسبةُ هذه التحولات إلى صحيح الدين!
ومن السلبيات المؤسفة: الاهتمامُ بصناعةِ النجوم بدلاً من صناعة الأمة! فلقد عُنِيَتْ بعضُ الفضائيات بإخراج الأحداث الشخصيَّةِ لشيخٍ أو داعية، بدلاً من إخراج الإنسان المسلم والأمة المسلمة، وكم هو مؤسفٌ أن يبحثَ بعضُ الدعاة عن كيف تَصنع منه الفضائياتُ نجمًا، عوضًا عن أن يَبحثَ هو عن كيف يخرج من ورطاتِ الشهرة، وحُبِّ قيامِ الجاه في قلوب الخلق!
وقد يُرْصَدُ تأرْجُحٌ إعلاميٌّ بين الجوانب الرسالية في خطاب تلك القنوات الفضائية، وبين أغراضٍ أخرى، فتارةً تأتي الإعلاناتُ التجارية بطريقة مبتذلة في فاصلٍ إعلاني لبرامجَ شرعيَّةٍ، وتارةً يُسَوَّقُ الغِشُّ والكذبُ من خلالِ بعض تلك الدعايات، وتارةً تتنوع الإشكالات في الأشرطة التحتية، ومن خلال الرسائل القصيرة، وهو أمرٌ يُوجبُ رقابةً أمينةً على هذه الوسائلِ.
وقد تَلْجَأ بعض هذه القنواتِ لفتح بابِ التبرعات، وطلب أموال الزكاة والصدقات، ثم يُكتشف أن الأمر قد ينطوي على مخالفات تبلغ حد الانحرافات!
وربما جاء التأرْجُحُ بين الرسالة والإثارة في أعمال فضائية، فلربما تأثَّرت قناةٌ بثقافة الرأي والرأي الآخر، لدرجةٍ وصلت إلى المساس بثوابتِ الدِّينِ ومُسَلَّمَاتِ العقيدة، ولربما أُقيمت برامجُ حواريةٌ خُذِلَ فيها الحقُّ بضعفِ حجةِ صاحبِهِ وعجزِهِ، وتسلُّطِ المذيعِ وجهلِهِ، وتَجَرُّؤِ المُبْطِلِ وجَلَدِهِ، بحيثُ تلتبِسُ على
المستمعين الدُّروبُ، ويكفي أن يُسْتَفْتَى المشاهدونَ في قضية من القضايا الأصولية لتتزلزلَ في حسِّ البعضِ.
وأحيانًا يكون التأرجُحُ بين الرسالةِ وأهواءِ الساسةِ فتتحوَّلُ القناةُ الدينية إلى تحقيقِ مصالحَ سياسيةٍ، بعيدًا عن الأهدافِ الرساليةِ.
وأحيانًا يكون التأرجُحُ بين الرسالةِ والترفيهِ، فَتُنْسَى الضوابطُ، وتنحَدِرُ المعاني، وتَهبِطُ الممارساتُ، ويَظهرُ الإسفافُ، ويتحول الترفيهُ المشروعُ إلى لغوٍ ممنوعٍ.
ولا شك أن التوصياتِ والتنبيهاتِ كثيرةٌ، وسيبقى -بإذن الله- الإعلامُ الإِسلاميُّ عامَّةً والسلفيُّ خاصَّةً جهادَ دعوةٍ، ومنبرَ تعليمٍ، ومنتدى تثقيفٍ، ومركزَ تنميةٍ وتدريبٍ، وحائطَ صدٍّ رساليٍّ.