الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع أولوية الواقعية في الخطاب السلفي الدعوي والسياسي
بين التنظير والتطبيق مسافةٌ تحتاج حتى تُقْطَعَ إلى جهد جهيد، وعمل أكيد، ولربما بَقِيَ فارقٌ بين الواقع والمثال.
واستغناءُ الدعوة بالتنظير عن التطبيق، يجعلها تعمل في إطار الصفوة والنخبة فحسب، ومثل هذا لا يحقق مقصودَ الدعوة من تعبيد الناس جميعًا لله تعالى.
وبالشرع الإلهي توجيهٌ للكمال، وبالفطرة الإنسانية نزعةٌ إلى المثال، وبالنفس البشرية غرائزُ وشهواتٌ تجعل الناس على أقسام؛ فمنهم: الظالمُ لنفسه، ومنهم: السابقُ بالخيرات، وقد فتح الإِسلام بابَ النجاة لكلٍّ، فاعترف بضعف البشرية، كما حَفَزَ الهممَ للمنافسة في الرُّتَبِ العليَّةِ!
فمن الواقعية في الخطاب السلفي: إدراكُ السننِ الربانيةِ في التغيير، والتعامل بها في الإصلاح؛ فإن الدعوة تنتصرُ بالسنن الجاريةِ لا الخارقةِ، وإن الابتلاءَ سنةٌ جاريةٌ في المؤمنين، وإن العاقبة في الدنيا والآخرةِ للمتقين، وإن زوال الظلم والظالمين بأجلٍ وقدرٍ محتوم.
ومن الواقعية في الخطاب السلفي: التسديدُ والمقاربةُ عند التطبيق والمباشرة لأعمال الدعوة، وعند التقويم لنتائجها ومناشطها، وعند التخطيط لمستقبلها واستشراف آفاقها ورسم أهدافها.
وبمراعاة الواقعية في أهداف الدعوة ووسائلها وأساليبها تنضبط سيرتها، وتنتظم المصالح في مسالكها، ويتحقق الرشاد، وينتفي الاضطراب في مراحلها، والتعثر في مسيرتها.
على أن الواقعية ليس منها: الانحرافُ عن منهج الأمر الأول، تحت ضغط الواقع وثِقَلِ وطأته.
وليس من الواقعية: التنازلُ عن الثوابت، أو الأهداف، أو الغايات الشرعية، أو اليأس من تحقيقها، تحت مطارق الواقع الأليم.
وليس من الواقعية: الإخلالُ بمنهج الاستقامة الشخصية، والإزورارُ عن الربانية في الدعوة، أو تبريرُ الانحرافِ، بدعوى فقهِ الواقع والواقعية.
وليس من الواقعية: الافتتانُ بالبَهْرَجِ والزيفِ، والجنوحُ بالدعوة عن مسارِها الأصيل، لتأخذ طابعَ الكفاحِ السياسيِّ، أو الثورةِ الوطنيةِ، أو المعاركِ الحزبية، وغلبةِ الخطابِ بذلك، أو الاقتصارِ عليه، وذبولِ الجانبِ الاعتقاديِّ التربويِّ العلميِّ المنهجيِّ الرَّصينِ.