الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
ضعف أو غياب المرجعية العلمية الموحدة
في مرحلة زمنية قريبة كان التيار السلفي يحظى عالميًّا بمرجعيةٍ عامةٍ تمثلت في مجموعةٍ مباركةٍ من الشيوخ والعلماءِ، الذين اجتمعت بهم الكلمة، ورَكنت إلى فتاويهم الأمة، وتلقى عنهم الخاصةُ والعامةُ، وكان التفاوتُ والاختلافُ بين تلكَ المرجعيةِ العلميةِ قليلاً منضبطًا بضوابط الخلاف العلمية والأخلاقية، كما كان لبعضهمِ من المواقع الرسمية في الدولة ما قَوَّى في الأمة أثرهم، ونشر في الناس علومَهم وخيرَهم، مع ما حُمِدَ لهم من رصيدِ المواقفِ القويةِ في إنكارِ المنكراتِ، والتصدي للأخطارِ والملماتِ، ثم إن الله تعالى كتب لبعضهم طولًا في آجالهم، وكثرةً في تلاميذهم، فكان القول إذا خرج عن جميعهم، أو عن بعضهم لم تكد الأمة تلتفت إلى غيرهم!
ثم إن الله تعالى قبضهم في سنواتٍ متقاربةٍ، بل في أشهرٍ متعاقبة، فخلت الساحة من ذوي أقدارٍ كأقدارهم، وأصحاب سابقةٍ كسابقتهم.
وعلى الرغم من كون تلك المرجعيةِ العلميةِ عالميةً في قبولِها ونفوذِ كلمَتِهَا، فإن قطرًا عربيًّا واحداً -اليوم- لم تجتمع فيه المرجعيةُ السلفيةُ على أحدٍ بعينه، ولا على مجموعةٍ علمية أو مؤسسيَّةٍ بعينها!! وَغَدَتِ الفتيا الصادرة عن شيوخ السلفية المعاصرةِ -في كثير من الأحيان- لا
تتعدَّى حدودَ أتباعهم المتحَزِّبينَ معهم دون غيرِهِم! حتى تعدَّدت النسخ العلمية، والطبعات السلفية بتعدُّدِ المدارس -أحيانًا- وبتعدُّدِ الشيوخ أحيانًا أخرى!! ومما انتُقِدَ على كثير من المرجعيات العلمية والأكاديمية المعاصرة، وأَضْعَفَ أَثَرَهَا: انكفاؤُها على التعليم النَّمَطى، وانسحابُهَا من الشأن العامِّ، ومن صياغة المواقفِ من المستجدَّاتِ والنوازلِ العصريَّةِ؛ في حين تصدَّى لها بعضُ الدعاةِ والخطباءِ السلفيينَ وغيرِ السلفيينَ بغيرِ عُدَّةٍ، ولا مقوِّماتٍ إلا الشهرةَ أحيانًا! فرُبَّما تكلموا فأخطأوا! أو تكلموا فأساءوا وما أصابوا!! ومما وهَّنَ بناءَ المرجعيات: ما ابتُليَ به المسلمون من جماعةٍ -انتسبتْ إلى السلفية- لم تتحزَبْ على شيءٍ تحزُّبَهَا على النيلِ من العلماءِ والدعاةِ الأحياءِ والأمواتِ، فاشتغلَتْ بتتبع الزلَّاتِ، وتصيُّدِ الهفواتِ، وربَّما استباحَتِ اختلاقَ العثراتِ! وشقّتْ عن الصدورِ، ونَقَّبَتْ في النِّيَّاتِ!! وسامَتْ دعاةَ السلفية -في كلِّ مكانٍ وموقعٍ- خسفًا وبخسًا، وزادتهم عنتًا ورهقًا، وأوسعتهم شتمًا وسبًّا، إلا مَن كان على شاكلتهم، وسار على منوالهم! ومن عجبٍ -وعدلٍ معًا- أنَّ أصحاب هذه الفوضى غيرِ الأخلاقيةِ، وقع بعضُهُم في بعضٍ قدحًا وجرحًا! فصار إمامُ أهلِ السنة فيهم مبتدعًا!! والجزاءُ من جنس العمل! ولا يظلم ربك أحدًا!