الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس عشر أولوية صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام
لا يستطيع منصف أن يتجاهل حقائق الأرقام حول صناعة الإعلام، ففي آخر إحصائية رسمية مسجلة بنهاية عام 2010 م، بلغ عدد الهيئات العربية التي تبث، أو تعيد بث قنوات فضائية على شبكاتها 470 هيئة، منها: 26 هيئة حكومية، 444 هيئة خاصة، وهي تبث، أو تعيد بث 733 قناة متعددة الأهداف، ومختلفة الأصناف والأطياف، مستعملة في ذلك سبعة عشر قمرًا صناعيًّا (1).
وأن الجمهور المصري من عام 2001 م تبلغ نسبة متابعته للقنوات الفضائية بشكل إجمالي 99.5 %، منهم: 50.2 % بصفة منتظمة، وأن هذه الشريحة في ازدياد منذ ذلك العام، إلى أن وصلت إلى 75 % هذا العام 2011 م (2).
كما أن نسبة المشتركين العرب في موقع: (face book) بلغ قبل الثورات العربية مباشرة، وبنهاية ديسمبر 2010 م، نحو:21.3 مليون مشترك، وتضاعف هذا العدد بنهاية عام 2011 م (3).
(1) الموقع الرسمي لاتحاد الإذاعات العربية: (www.asbu.net).
(2)
دور الفضائيات العربية في تشكيل معارف الجمهور، د. هويدا مصطفى، بحث من سلسلة بحوث ودراسات إذاعية، تونس، (2008 م).
(3)
صحيفة الشرق الأوسط، (8/ 2/ 2011 م).
والإِسلاميون بشكل عام،
والسلفيون منهم بشكل أخص،
يجب أن تتغير نظرتهم إلى
الإعلام؛ إذ الدعوة إلى الله تعالى
إعلام بشرعه، ودلالة على دينه وهديه، وقد قال أحد كبار السلفيين في العصر الحديث، وهو الشيخ ابن باز رحمه الله:"أنجح الطرق في هذا العصر، وأنفعها: استعمال وسائل الإعلام؛ لأنها ناجحة، وهي سلام ذو حدين"(1).
والإعلام في الإسلام عبادة جليلة محكومة في غايتها ووسيلتها بأحكام الشريعة المعظمة، ومقاصدها المكرمة، شعاره النطق بالكلمة الطيبة، ورعاية قضايا الأمة المسلمة، فهو خيِّر في صناعته، خيِّر في أهدافه ومراميه، خيِّر في غاياته ومساعيه، والفضل ما شهدت به الأعداء.
لقد أعدت جامعة: (تل أبيب) دراسة موسعة عن الفضائيات الإسلامية، ونشرت منها مقتطفات مجلة:(لوبون) الفرنسية، ونقلها موقع الاتحاد الإسلامي للمنظمات الطلابية في إبريل 2007 م، جاء فيها: "إن الفضائيات الإسلامية تأتي في مقدمة الأسباب التي تؤدي إلى التدين عند الشباب المسلم، حيث أكدت تلك الدراسة أنه بسبب هذه الفضائيات أصبح أكثر من
(1) فتاوي ومقالات متنوعة، لابن باز، جمع: د. محمد الشويعر، (2/ 452).
85 % من الفتيات المصريات يرتدين الحجاب، و60 % من الشباب يحملون في حقائبهم القرآن الكريم!! وهذا خلاف ما كانوا عليه قبل عشر سنوات!! وهذا ما يهدد أمن إسرائيل!! ".
لقد تخطى الإعلام دور المؤثر على الرأي العام، ليتحول إلى صانع مهم له، وأصبح أخطر الأدوات التي تشكل الخريطة الفكرية والثقافية -على حد سواء- مع الخريطة السياسية، والاقتصادية، والعسكرية التي تسود العالم (1).
ومن يملك الآلة الإعلامية المناسبة في عالم اليوم هو من يفرض على الناس كيف يفكرون، وماذا يختارون، عن طريق كل وسائل الإبهار، والخداع البصري والسمعي، وغيرها.
ولقد عانى السلفيون في الفترة الأخيرة من الإعلام في العالم بأسره، وداخل البلاد العربية معاناةً شديدة، حيث عمل الإعلام -الممول غربيًّا ومن أصحاب المصالح- على تشويه صورة السلفيين لدى المجتمع بأسره، واستعملت في هذا السبيل كل وسائل الخداع والتضليل، وأثَّر ذلك على الحياة السياسية، بحيث ساهم في إسقاط مرشحين سياسيين، وتشويه وجه الأحزاب
(1) الإعلام الإسلامي، محاذير وتنبيهات، بحث مقدم إلى مؤتمر:(السلفيون .. آفاق المستقبل ومجلة البيان)، د. مصعب الطيب با بكر، (ص 79)، وبحوث المؤتمر.
الإسلامية، ونبذ التوجه السلفي بتهم الإقصاء، والعنف، والظلامية، وغيرها من الإفك المفترى.
وفي نفس الوقت دارتِ الآلةُ الإعلامية التغريبية لتروِّج بطريقةٍ دعائيةٍ هجومية للتيارات السياسية الليبرالية واليسارية على حدٍّ سواء، حتى غدت البرامج الانتخابية التي تتبناها تلك الأحزاب من رسم محترفي وسائل الإعلام (1).
وعلى حد قول (جيرالد زالتمان): إذا لم يكن الغزو الإعلامي أداةً لنا فسيكون حتمًا أداةً علينا (2).
كما يجب أن نتحول من دائرة ردِّ الفعل إلى الفعل، ذلك أن صاحب الكلمة الأولى إعلاميًّا هو صاحب الكلمة العليا والمؤثرة غالبًا.
والإسلاميون يتعين عليهم أن يكون بنيانهم الإعلامي حاضرًا في القضايا التي تجدُّ، وإلا تلقَّى الناس عن غيرهم، فالإسراع في بيان الرأي يفيد كثيرًا في التأثير على الناس (3).
وكما أن الفضائيات، ووسائل الإعلام الإلكترونية، وسيلة
(1) السيطرة الصامتة، لنورينا هيرتس، عالم المعرفة (2006 م)، (ص 127).
(2)
نقلًا عن مقال: (الخِداع البصري السمعي في الإعلانات التجارية)، لسمير عابد، مجلة أهلًا وسهلًا، فبراير، (2005 م).
(3)
وسائل الإعلام وأثرها في وحدة الأمة، محمد موفق الغلاييني، دار المنارة، (1985 م)، (ص 100).
فعالة في صياغة الرأي العام، فهي أيضًا خيار معرفي، وبديل دعوي، يقوم على عولمة الثقافة الإسلامية، وإشاعة الفكرة والممارسة الإيمانية، وليس يبعد التأمل في دور الفضائيات الإسلامية المعاصرة في تحريك الشعب المسلم إيمانيًّا وعمليًّا نحو التغيير الإيجابي الذي يعم بلادًا عربية كثيرة في عالمنا اليوم.
وبالجملة فإنه بقدر تملُّك التيار السلفي لناصية الإعلام، وأخذه: الإعلام، وأخذه بمجامع المبادرات الإعلامية، يكون حضوره فاعلًا، ومشاركته المجتمعية مقبولةً ومتقَبَّلَةً، ولا بد للإعلام الإسلامي اليوم أن يخرج إلى آفاق مجتمعية واسعة، في المجالات الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، كما هو في المجالات الدينية، أو التعليمية.
وتبقى تحديات مهمة في هذا الصدد الإعلامي، منها: القدرةُ على تقديم إعلامٍ احترافي جذَّاب، ومنضبط في نفس الوقت، والخروج إلى فضاء الأمة، بدلًا من التقوقع في بوتقة الجماعة، أو الحزب، وتقوية جانب التخطيط الارتيادي للأعمال، والمؤسسات الإعلامية الإسلامية، وتفعيل هذه المؤسسات، لاستعادة المبادرة، والريادة الحضارية للأمة الإسلامية.