الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع
ضعف العلم التأصيلي أو الفهم الأصولي
بعد التسليمِ بأن التيارَ السلفيَّ تيارٌ علميٌ يُعْنَى بنشرِ العلمِ الشرعيِّ ومحاربةِ الجهلِ، والانحرافِ الفكريِّ، ويجاهدُ في ميدانِ نشرِ السنةِ، وقمعِ البدعةِ ومحاربةِ الخرافةِ، ومقاومةِ تياراتِ الغزوِ الفكريِّ، وقد حقَّقَ في ذلك إنجازاتٍ مشهودةً ومشاركاتٍ مشكورةً، إلَاّ أن هناك مأخذًا معتبرًا وملحظًا يُخْشَى أن يكون له ضررٌ، ألا وهو: افتقاد العلم التأصيلي، أو الفهم الأصولي، الذي يمكن في ضوئه الاهتداءُ إلى الموقف الشرعي في النوازل المستجدة.
لقد وُصفت بعض المحاضن العلمية السلفية من خلال أسلوب المعلِّمين التلقينيِّ بأنها إنما تخرِّج من يحمل شهادة هو الأمية الدينية، وليس طلبة علم بالمعنى الصحيح، فإن مُجَرَّدَ حفظِ الأحكامِ في الظروفِ العاديةِ لا يُخَرِّجُ فقيهًا قادرًا على الاستنباط في الظروف الاستثنائية عامةً، وفي مسائلِ السياسةِ الشرعيةِ المعاصرةِ خاصةً.
فلا بدَّ من مناهجَ ومسالكَ تُعْنَى ببناءِ الملكةِ الأصوليةِ التي تهيئُ للتعاملِ مع المسائلِ المستحدثةِ، واستنباطِ أحكامِهَا الشرعيةِ المعاصِرَةِ.
ولقد كانت همةُ العلماء -من قبلُ- إلى العنايةِ بالتأصيلِ مصروفةً، ومن ذلكَ: قولُ شيخِ الإِسلامِ ابن تيمية رحمه الله -في مجلسٍ للتفقه-: "أما بعد فقد كنا في مجلس التفقه في الدين، والنظر في مدارك الأحكام الشرعية تصويرًا وتقريرًا، وتأصيلًا وتفصيلاً، فوقع الكلام في
…
فأقول -ولا حول ولا قوة إلا بالله-: هذا مبنيٌّ على أصل وفصلين
…
" (1).
ولا يفوت هنا أن يقال: إنه في بعض المواقع الجغرافية على الخريطة السلفية المعاصرة قد تعرضت الجماعات السلفية إلى تضييقات أمنية، أفسدت بناء المحاضن العلمية والتربوية، وعَوَّقَتِ الحركةَ العلميَّةَ السلفية، وذلك لحساب توجهات كلامية، أو مسلكية مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة.
(1) مجموع الفتاوي، (21/ 534).