الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني التيار السلفي
…
النشأة والتطور
" السلفية" نسبة إلى السلف، ومعنى "السلف" في اللغة يدور حول المتقدم والسبق، فالسلف هم الذين مَضَوا، والقومُ السُّلَّافُ هم المتقدمون (1).
وأما "السلف" في الاصطلاح فيطلق على المتقدمين من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهم المذكورون في حديثه صلى الله عليه وسلم:"خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"(2).
ومذهب السلف هو مذهب الصحابة الكرام، والتابعين وتابعيهم من الأئمة المذكورين المشهورين (3).
ثم إن كل من التزم بعقائد وأصول هؤلاء الأئمة كان منسوبًا إليهم، وإن باعدت بينه وبينهم الأماكن والأزمان، وكل من خالفهم فليس منهم، وإن عاش بين أظهرهم، وجمعه بهم نفس المكان والزمان (4).
"ولقد بدأت الحاجة إلى الانتساب للسلف حين تَفَرَّقَتِ الأمةُ الإِسلامية، وتعددتِ الاتجاهاتُ الفكرية فيها حول أصول الدين،
(1) معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، (3/ 95).
(2)
أخرجه البخاري، (6695)، ومسلم، (2535) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
(3)
لوامع الأنوار، للسفاريني، (1/ 20)، العقائد السلفية بأدلتها العقلية والنقلية، لأحمد بن حجر آل بوطامي، (ص 11).
(4)
العقيدة الإِسلامية بين السلفية والمعتزلة، د. محمود خفاجي، (ص 21).
مما دعا علماءَ الأمة الأثبات وأساطينها الأعلام لتجريد أنفسهم لتلخيص وترتيب الأصول العظمى، والقواعد الكبرى للاتجاه السلفي، والمعتقد القرآني النبوي، ومن ثم نسبته إلى السلف الصالح، لقطع الباب على كل من ابتدع بدعة اعتقادية، وأراد نسبتها إليهم، حتى كانت النسبة إلى السلف رمزًا للافتخار، وعلامةً على العدالة في الاعتقاد، مما يدل على أن النسبة إلى السلف لم تكن بدعةً لفظيَّةً، ولا مجرَّدَ اصطلاحٍ كلاميٍّ، لكنه حقيقة شرعية ذاتُ مدلول محدد، ولذلك لم تؤصَّلْ قواعده، ولم تحرَّرْ موارده، إلا بقيام الحاجة في الأمة لبيانٍ متكاملٍ الصورةِ عما كان عليه أهل القرون المفضلة، المشهود لهم بالعدالة من طريقة عقدية، وسيرة توحيدية" (1).
فالانتساب إلى أهل السنة والجماعة والسلف الصالح، يعني: الانتساب إلى الإِسلام الصافي عن شوائب البدع، ومخالفات الفِرَقِ.
وإنَّ كل من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، مقبلًا على الالتزام بالإِسلام جملة، وعلى تحكيم شريعته استسلامًا وانقيادًا، وبرئ من تبني مذهب بدعي، أو
(1) نظريات شيخ الإِسلام في السياسة والاجتماع، للمستشرق الفرنسي هنري لاوست، (ص 32).
الانتسابِ إلى فرقة ضالة، أو اعتمادِ أصلٍ كليٍّ من أصول البدع، فهو من أهل السنة والجماعة إجمالًا، وهذا يشمل عوامَّ المسلمين الذين لم ينضووا تحت راية بدعية، ولم يكثِّروا سوادَ فرقةٍ غيرِ مرضية.
فهذا القَدْرُ يحقق انتسابًا إجماليًّا تصحُّ به النسبة إلى أهل السنة والجماعة.
فالنسبة إلى السلف هي نسبة إلى أهل السنة والجماعة الذين تميزوا عن غيرهم بفهمهم لكتاب ربهم، وسنة نبيهم بفهم سلفهم الصالح، من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، رضي الله عنهم أجمعين.
وعليه؛ فإن الدعوة إلى اتباع السلف، إنما هى دعوة إلى الإِسلام والسنة، ولا غضاضة في ذلك، بحال من الأحوال.
قال شيخ الإِسلام رحمه الله: "لا عيب على من أظهر مذهب السلف، وانتسب إليه، واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه؛ فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقًّا"(1).
والحديث عن السلفيين في الواقع المعاصر هو حديث عن أفراد وجماعات، فمنهم: أفراد معتبرون يمثلون مرجعيات علمية أحيانًا، وقيادات عملية شعبية أحيانًا أخرى، وفي كثير من الأحوال يكون لهؤلاء وأولئك من يلوذ بهم من العامة، ومن يتلقَّى عنهم من طلبة
(1) مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (4/ 149).
العلم، ومنهم: جماعات بعضها منظم تُرخِّصُ بعضُ الدول بوجودها، وتُقَنِّنُ أعمالها، بل وتتعاون معها أحيانًا! وجماعات أخرى منظَّمة لا تُقِرُّ بعضُ الدول بقانونيتها، بل وَتُضَيِّقُ عليها غالبًا! وبالجملة فالظاهرة السلفية المعاصرة لا تخرج - في الغالب وبالاستقراء - عن أشكال أربعة:
1 -
جماعات وجمعيات منظَّمة ومرخَّصة رسميًّا.
2 -
جماعات منظَّمة غيرُ مرخَّصة.
3 -
مشايخُ علمٍ وتربية ترتبط بهم جموع من الطلاب، والخاصَّة.
4 -
مشايخُ خطابةٍ ودعوة تجتمع عليهم العامة، وجمهور الأمة.
والأمثلة كثيرة ماثلة للعيان في طول العالم الإِسلامي وعرضه لهذه الأنماط الأربعة، وكثيرًا ما وُجدت تلك الصور جميعًا في البلد والقطر الواحد.
وعن هذه الصور تصدر أنشطة شتى، وتأتلف جموع كبرى، ويجري نهرُ خيرٍ دافقٌ في الأمة بأسرها.