الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العشرون
أخطاء إدارية منهجية
لن تسلم دعوة أو حركة بشرية من الخطأ، بوصفها جهدًا بشريًّا غيرَ معصوم، والوقوع في الخطأ بحدِّ ذاته لا يمثل مشكلة، وإنما المشكلة في عدم رؤيته، أو عدم الاعتراف به، أو تَرْكِ تصحيحه، وقد وقعت أخطاء عديدة أثناء الممارسات الدعوية، والمناشط التربوية، وهي أخطاء جماعية، تنسب إلى التوجهات بجملتها، وليس إلى الأفراد بخصوصهم، وإذا كانت المعاصي الفردية تقف حائلاً دون تَنَزُّلِ النصر، فإن الأخطاء الجماعية لن تَقِلَّ في آثارها وشؤمِ عاقبتها عن الأخطاء الفردية! وهذه بعضُ أمثلةٍ لأخطاء إدارية منهجية، وقعت من بعض التجمعات الدعوية السلفية في عدة دول.
من بين تلك الأخطاء الإدارية المنهجية: تضخيمُ بعض رموزها، والغلوُّ في تَقَبُّلِ كلِّ ما يَرِدُ منها، وتركِ مناقشتها أو محاورتها، أو الإنكار عليها عند الاقتضاء، مما أوهن حقَّ التداولِ العلميِّ الرصين بالحجة والبرهان، والتشاورِ في القضايا والنوازل، وتقديمِ ممارسةٍ صحيحةٍ لنقاءِ المنهجِ وواقعيَّتِهِ؛ إذ
ينبغي أَلَّا يحابيَ حاملوه في الحقِّ أحدًا، ولو كان مَنْ تجافى عن الحق رمزًا من رموزهم، ولعل تلك الممارسة لو وُجدت مبكرًا لحمَتْ هذا الرمزَ أو ذاك من تقلُّبٍ أو انفلاتٍ أو تحوُّلٍ من الضدِّ إلى الضدِّ، وقد وقع هذا مع الأسف!!
ولما جمعتْ بعضُ تلك الرموزِ بين القيادة العلمية والتنفيذية، أو بين رسمِ السياسات، وتنفيذ القرارات، وقع تراجعٌ ملحوظٌ في الأمرين معًا، وتقصيرٌ منهجي إداري متزامِنٌ؛ فنشأ عن ذلك فراغٌ قياديٌّ على المستوى العلمي بشكلٍ أظهرَ؛ وذلك نظرًا للانشغال بالشأن التنفيذي الإداري.
وأما من تفرَّغ للشأن العلميِّ من قيادات الجيل الأول فقد وُجدَتْ بينه وبين رجالات الجيل الثاني فجوةٌ عملية، ومع امتداد الزمان اتَّسَعَ الخرقُ على الراقعِ، فانفرد بعض رموز الجيل الثاني -من القيادات العملية- بالدعوة بعيدًا عن آراءِ ومشورةِ الجيلِ الأولِ!
ومع الأحداث العالمية الكبرى التي بدأت في سبتمبر 2001 م وانتهاءً بالثورات العربية في 2011 م صعُبَ على كثير من القيادات السلفية استيعابُ المستجدَّاتِ، وتعرَّضَ أصحاب منهجِ التغيير التربويِّ والدعوي مع مشروعهم للمحكِّ العمليِّ؛ فَحَدَثَ ارتباكٌ ظاهر وتخلخُلٌ واضحٌ، وهو نتيجة حتمية للاختلالات الإدارية، والأخطاء المنهجية، ومع إصرارِ بعضِ القيادات القاصرة على الخوض في الشأن العام، والجمع بين ألقاب رجل الدعوة، والدولة، والحسبة معًا! تفاقمت أخطارٌ، وتعاظمت
مخالفات؛ إذ قضايا الدولة والشأن العام تحتاج إلى دُرْبَةٍ وخبرةٍ وقدرةٍ، وكفاءاتٍ مؤهَّلَةٍ لخوض هذا الغمار، على أنه قد يُحسَبُ للبعضِ اعتزالُهُ هذا الشأنَ الذي قد لا يُحسنه، فلم يكن هذا الموقفُ لينتقص من مكانته، وإن وَصَمَ بعضُهُم هذا الموقفَ بأنه تكريسٌ وتضخيمٌ للمسئولية والتبعة الفردية، ونسيان للمسئولية الجماعية!
ومن الإشكالات الإدارية المنهجية: صناعةُ المواهب، ثم تكبيلُهَا! وذلك أن الأجواءَ التربوية والعلمية تزخَرُ بإمكانيات قوية لا يُستفاد منها -غالبًا- بطاقتها الكاملة، وقد تأتي مواقفُ ومناسبات ما لم تستغلَّهَا الدعوات في إطلاق طاقات أبنائها فإنها سوف تخسرهم؛ ولهذا فإن الدعواتِ السلفيةَ التي وُفِّقَتْ لتوظيف أبنائها في النافع المفيد من المجالات في أوقات الثورات العربية المعاصرة قد استفادت من أخطاء غيرها، واستوعبت درسَهَا، فانطلقت إعلاميًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا موظِّفَةً لمواهبِ أبنائِهَا، في حينِ أن دعواتٍ سلفيةً أخرى -في مواقفَ متعددةٍ دون هذه الأحداث الكبرى- لم تسعَ إلى توسيع دائرة تأثيرِهَا بارتيادِ شبابِهَا لمجالات إيجابية كثيرة، في حين بقيَتْ غيرَ قادرةٍ على حسمِ موقفٍ من المشاركات السياسية، أو مراجعةِ الموقفِ من الأوضاع القانونية والإدارية بالمجتمع الدعويِّ، أو مواجهةِ التقصيرِ، واستعادَةِ ثقةِ الشبابِ والجماهير، أو التركيزِ على صناعة المؤسسات بدلاً من الرموز!
وهكذا تتعدد الإشكالاتُ والأخطاء الإدارية المنهجية لتنتهي بالدعوة وأصحابها إلى أزمة تُقلِّلُ العطاءَ؛ بل قد تُهَدِّدُ