الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأوّل
مفهوم الخطاب الإسلامي السلفي
في لغة العرب يدور مفهوم الخطاب والمخاطبة على مراجعة الكلام، وتوجيهه إلى الأنام بقصد الإفهام، فكل كلام لا يراد به الإعلام والإفهام لا يعتبر خطابًا في لسان العرب.
وقد يطلق الخطاب ويراد به مضمون الكلام ومحتواه، وقد يطلق ويراد به الطريقة التي يُؤدَّى بها الكلام؛ ولهذا سُمِّي الكلامُ المنثور المسجوع خطبة (1).
وقد وردت لفظة: (خطاب) في كتاب الله تعالى في ثلاثةِ مواضعَ، هي: قوله تعالى: {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا} [النبأ: 37]، وقوله تعالى:{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: 23]، وقوله تعالى:{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20].
وفصل الخطاب هو فرقان ما بين الحق والباطل والصواب والخطأ، وهو بحسب سياق الآية الكريمة قد اقترن بالحكمة؛ فيه يُتَبَيَّنُ الحق على الوجه الذي ينبغي.
ومصطلح الخطاب الإِسلامي، أو المديني مُرَكَّبٌ وصفيٌّ غَدَتْ له دلالة معاصرة تَتَّسع - لدى البعض - لتشمل الدعوة الإِسلامية
(1) لسان العرب، لابن منظور، (1/ 360 - 361).
بمناشطها المتنوعة، ووسائلها المتعددة، ومناهجها المختلفة (1).
وقريب من هذا المنحى التعبير عن الخطاب الإِسلامي بأنّه البيان الذي يوجه باسم الإِسلام إلى الناس؛ مسلمين، أو غير مسلمين، لدعوتهم إلى الإِسلام، أو تعليمه لهم، وتربيتهم عليه، عقيدةً وشريعةً، عبادةً ومعاملةً، فكرًا وسلوكًا، أو لشرح موقف الإِسلام من قضايا الحياة والإنسان والعالم: فرديةً أو اجتماعيةً، روحيةً أو ماديةً، نظريةً أو عمليةً (2).
وعليه؛ فإن الخطاب الإِسلامي المقصود هنا أعمُّ من المضمون والشكل، وأوسع من القول أو الفعل، وأشمل من التحرك الجماعي أو الفردي، وأدخل في الحياة بمناشطها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وذلك بشرط استناده إلى الإِسلام في قاعدة المرجعية، وارتباطه بعلوم الكتاب العزيز، والسنة النبوية المطهرة.
والخطاب الإِسلامي على هذا النحو مهيعٌ فسيحٌ وميدانٌ وسيعٌ، تتنوع أشكاله، وتتعدد صوره وألوانه، وتتغير وسائله وأدواته بتغير الزمان والمكان وبني الإنسان! قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4].
(1) الخطاب الإِسلامي بين الأصالة والمعاصرة، د. عبد العزيز التويجري، الموقع الإلكتروني. للمنظمة الإِسلامية للتربية والعلوم والثقافة.
(2)
خطابنا الإِسلامي في عصر العولمة، د. يوسف القرضاوي، (ص 15).
فهو خطاب يمتدُّ رُوَاقُهُ ليشمل الخَلْقَ جميعًا، ويتناول القضايا جميعًا! وهذا الخطاب هو دعوة النبيين والمرسلين، وسبيل البلاغ المبين، ومظهر تجديد الدين، وبرهان خيرية الأمة المحمدية، وسبب إقامة الشهادة على البشرية، وطريق الفلاح والنجاح للبرية.
وإذا أُضيف الخطابُ الإِسلاميُّ إلى السلف، أو وُصِف بأنه سلفي فقد أضيف إلى أشرفِ نسبةٍ، وَوُصِفَ بأكملِ نعتٍ؛ فإن ترسُّم منهج السلف من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان هو عين منهج النجاة والعصمة، وأساس طريق الهدى والرحمة، ومهيع الاتباع والاجتماع، وضمانة من الفرقة والابتداع، وسبب الازدهار والاستقرار، وتتابع الخيرات والبركات، وتحقيق التمكين لهذا الدين، وظهوره بالحجة والبيان، ونصره بالسيف والسنان! ومن وراء ذلك كله مرضاة الرحمن، والفوز بالجنان! قال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100] وكل خطاب انتسب أصحابُهُ إلى هذا المنهج المبارك بحقٍّ فقد استحق هذه النسبة، وتشرف أصحابه بهذه التسمية، وإن لم
يَدَّعوها، فكل من قام بمقتضيات هذه الدعوة الشريفة بصدقٍ فقد صار من أربابها، وإن لم يرفع لها شعارًا، أو يرتدي لها رداءً! وليس لأحدٍ - مهما علا في هذا المنهج قَدْرُهُ - أن يحتكر هذه النسبة لنفسه، أو أن يَحْرِم منها غيره، فلا يكافئ بها محبَّهُ، ولا يمنعها من مُبْغِضِهِ! فليس ثمة فردٌ ولا جماعةٌ متحزبة تمثل السلفية بمعناها الشرعي، وإنما قد يوجد من ينتسب إليها، ويسعى أن يحيا بمنهجها، وقد يصيب، وقد يخطئ، وأخطاؤه لا تنسب إلى المنهج، ولا إلى غيره من الأفراد أو الدعوات التي انتسبت إلى ذات المنهج.