الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس
ميل إلى النظريات وقصور في العمليات
العناية بالقضايا والمسائل العلمية شعار يميز الدعوات السلفية المعاصرة، ولا شك أن العلم نبراس الدعوة، فالدعوة بلا علمٍ سعيٌ بلا هُدَى، وإذا أراد الله بدعوة خيرًا فقَّهَ رجالاتها في الدين، ولا شك أن هذه العناية العلمية تُذْكَرُ فَتُشْكَرُ، إلا أنه لا بد من تنبيهٍ وتذكيرٍ بأن العلمَ شجرةٌ، والعملَ ثمرةٌ، فإذا لم تثمرْ تلك الشجرةُ فلا خيرَ فيها، ولقد رُصِدَ في دائرةِ الخطابِ السلفيِ انشغالٌ أحيانًا بترفٍ فكريٍّ، وجدلٍ عقليٍّ، وخلافاتٍ لا ثمرةَ لها، وتشقيقٍ لمسائل لا مصلحة منها؛ إذ كل مسألة لا ينبني عليها عمل قلبي أو بدني، فالخوض فيها خوض فيما لا يستحسن شرعًا! وقد قال الشاطبي رحمه الله:"إن عامة المشتغلين بالعلوم التي لا تتعلق بها ثمرةٌ تكليفيةٌ تدخل عليهم فيها الفتنةُ والخروجُ عن الصراط المستقيم، ويثور بينهم الخلافُ والنزاعُ المؤدِّي إلى التقاطع والتدابر والتعصُّب، حتى تفرَّقوا شيعًا، وإذا فعلوا ذلك خرجوا عن السنةِ، ولم يكن أصل التفرقِ إلا بهذا"(1).
ومما تنبغي ملاحظته: أن في العلوم جوانبَ قد يطالُها الإهمالُ،
(1) الموافقات، للشاطبي، (1/ 51 - 52).
وهي بابٌ مهمٌ في إصلاح الأعمال، وضبطِ الأقوالِ والأفعالِ، وذلك بدراسة سننِ الله تعالى في التغيير والإصلاح، وأسبابِ التمكينِ والاستخلافِ، وسَننِ الاستبدالِ، وأسبابِ الضعفِ والهلاكِ.
ومما يُرْصَدُ في هذا الشأنِ أيضًا: ضعفٌ في العنايةِ بالنوازلِ المستجدَّةِ، والمسائلِ الحادثةِ مما له تعلقٌ بحياةِ الناسِ الواقعيةِ، سواءٌ في العباداتِ، أو المعاملاتِ، أو السياسةِ الشرعيةِ، أو الأحوالِ الشخصية.
ومن الظواهر السلبيةِ: انصرافُ الهممِ إلى تعظيمِ مسائل جزئيةٍ وفروعيةٍ عقديةٍ، أو فقهية، أو أصولية، وامتحانُ الناسِ بها، وجعلُها جزءًا من المنهج! وقدرًا مما تصحُّ به النسبةُ إلى السلف والسلفية في الواقع المعاصر، وأمثلة ذلك أظهرُ من أن تُذْكَرَ.
ومما يدخل في هذا الباب أيضًا: صرفُ عامةِ أبناءِ الدعوةِ أو الطائفةِ إلى قضيةٍ تخصُّصية لا تصلح للكافة، أو العامة من الشباب، أو الطلبة، وذلك على حسابِ ما لا يسع الداعيةَ جهلُهُ من العقائدِ، والعباداتِ، والمعاملاتِ، وأصول الدعوة إلى الله، وأهدافها وآدابها، وقد ترافق مع ذلك كلِهِ: عدَمُ قدرةٍ عند البعضِ على الإنجاز، والنزول في الميدان العملي؛ لوجود منكراتٍ تارةً، ولإيثار العزلةِ أخرى، ولانشغالٍ بأمورٍ نظريةٍ تارةً ثالثةً، مع عدمِ
القدر على تقديمِ بديلزملائم، وأسوأُ من هذا: القدحُ في أصحابِ التياراتِ العمليةِ بشدةٍ، ثم ربما سارَ التيارُ سيرَهم، ولو بعد مدة!! وهنا سوف تثور إشكالية عند الجمهور المتربي على هذه المعاني، وسيرون فيها تغييرًا للثوابت!! وتَنكُّرًا للمبادئ!! ومن بعض هذا قد تكون فتنة!! وقد تخسر الطائفةُ بعضَ أبنائها، ويتساقط في طريقها بعضُ رُوَّادِها!