الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
التمحور حول مسائل الخلاف الاجتهادي
لقد نالَ العملَ الإِسلاميَّ والخطابَ السلفيَّ -بسبب عدم: ضبطِ الخلافِ العلميِ- أذًى كثيرٌ، وتطرَّق إليه خللٌ كبيرٌ، وانفتح بابٌ للطعن والانتقاد بحقِّ وبغير حقٍّ!
حتى قيل عن هذا التيار: إنه التيار الذي لا يعرف تعددًا في آرائه، ولا اختلافًا بين فقهائه، ولا يؤمن بحوار بين أعضائه، ولا يقبل بالتعدديةِ في طوائفه؛ كلُّ الخلافِ عنده تضادٌّ، وكلُّ تضادٍ لديه فهو غير سائغ!! لا فَرْقَ بين الثوابتِ القطعيةِ، والمتغيراتِ الاجتهاديةِ، ولا بين النصوصِ الشرعيةِ، والاجتهاداتِ البشرية.
ولا شك أن التعصب للاختياراتِ الاجتهاديةِ مع غرس سمت التعالم والتعالي عند الطالب والمتلقي يُنتجُ فوضى علمية وغير أخلاقيةٍ في آنٍ واحدٍ.
وصدق شيخ الإِسلام رحمه الله حيث قال: "ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يَبْقَ بين المسلمين عصمة ولا أخوة"(1). وعن المعارك السلفية في المسائل الاجتهادية الجزئية الفروعية حدِّث ولا حرج!!
(1) مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (24/ 173).
لقد استنزفتْ تلك المعاركُ المفتعلةُ من طاقات أهل الدين ما اللهُ به عليم، وكم فتنتْ هذه المصاولاتُ من العامَّة، وزَهَّدَتْهم في الدعوةِ وصدَّتْهُمْ عن السبيل!!
ورحم الله الشاطبي حيث قال: "وكل مسألة حدثت في الدين فأوجبت الفرقة بين المسلمين فليست من مسائل الشريعة"(1).
فلا بد -إذن- من التفريق بين مقام الدعوة إلى الأخذ بالعزائم، والاحتياط في الأحكام، والثبات على دين الله، وأخذه بقوة، وبين مقام التفريق بين المحكم والمتشابه من النصوص، والقطعي والظني من الأحكام.
والخلافُ على المسائلِ الاجتهادية لا سبيلَ إلى الاجتهادية لا سبيلَ إلى رفعِهِ، ولا طريق إلى حسمهِ، ولا تأثيمَ على المخالف مجهدًا كان أو مقلِّدًا، وقد يجوزُ العمل بالمرجوحِ، أو المفضولِ؟ لاعتباراتٍ شرعيةٍ، ولا إنكارَ فيه إلا ببيان الحق بدليلهِ وتعليلهِ، مع وجوبِ احتمالِهِ، وأن يسعَ المتأخرين ما وسع المتقدمين، ولا بدَّ من التأدبِ عمليًّا بآدابِهِ.
(1) الاعتصام، للشاطبي، (2/ 232).