الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العاشر أولوية إيجاد التيار السلفي قطريا (أولوية الأولويات)
سبقَ أن موقفَ التيارِ السلفيِّ تَذَبْذَبَ من العمل الجماعيِّ بمفهومه الحزبي، ما بين مبدِّعٍ له، ومتوقفٍ فيه، وقائلٍ بمشروعيته، ولقد أسهمتْ عواملُ كثير جدًّا في عدمِ اجتماعِ تلك المجموعاتِ السلفية، أو ائتلافهاِ بشكل يوحِّدُ توجُّهاتِها، ويجمعُ أشتاتَه، ولما حاولت بعضُ المجموعاتِ أن تمارسَ قناعاتِها بمشروعيةِ العملِ الجماعيِّ الحزبيِّ، واجهَهَا بعضُهم بسلاحِ المصادرةِ، أو التجريم، أو الاتِّهام بالتعصُّب بعد التحزب.
إلا أن الملحوظةَ الجديرةَ بالذكر في -هذا السياقِ- كانت ما جرى للأسماءِ الشرعيةِ التي تُطلق على النجاة، وسالكي سبيلها، كأهل الحديث، والسلفيين، ونحوهما من امتهان حزبيٍّ، أو تحكُّمٍ فيها، أو احتكارٍ لها بلسان الحال، أو بلسان المقال!
ولا يزال -وإلى وقت كتابة هذه الكلمات- النقاشُ محتدًّا بين فصائل التيار ذاته؛ حيث تلقى هذه المجموعات المنظمة عنتًا داخليًّا، ومحاولاتٍ لسحبِ بساطِ المشروعيةِ من هذه الأعمال السلفية، هذا بالإضافة إلى شخصياتٍ اعتباريةٍ داخل التيار السلفيِّ تُحْجِمُ عن تعاونٍ وتنسيقٍ مع مثل هذه المجموعات.
وعلى صعيدٍ آخَرَ؛ فإن التحزبَ التنظيميَّ يُغْرِي أعداءَ الداخلِ والخارجِ بمحاولاتِ تفتيتِ هذه الهياكِلِ والبِنَى التحتيَّةِ للأعمال
السلفية التي قد تبدو الأخطرَ والأقدرَ على الفعل في الظرفِ الراهن.
علاوةً على أن الوجود على شكلٍ هيكلٍ تنظيميٍّ هرميٍّ، أو غيرِ هرميٍّ قد يتضمن سلبياتٍ إداريةً، ويحملُ تعقيداتٍ تنظيمية.
وأخيرًا؛ فإن بعض المحلِّلين قد يقول: لقد فات وقت الجماعاتِ، ونحن في مرحلة ما بعد الجماعات، من الصور والأنماط الجماعية -أيضًا- كبناء تيار سلفيٍّ منظم! تجتمع فيه المجموعات المنظمة والمبعثرة، وتلتقي فيه الشخصياتُ السلفيةُ الآسِرَةُ، وتَصُبُّ في نهره الواسعِ الجماهيرُ الهادرةُ المتابعةُ لخطباءِ السلفية المرموقين، وعلمائِهَا المعتبرين، وفقهائِهَا ومحدِّثِيهَا البارعين! بحيث يُوْلَدُ هذا التيارُ محتضنًا بين جنباتِهِ ائتلافًا سلفيًّا يلتقِي أصحابُهُ على المشتركاتِ المنهجيةِ، والقواسمِ الفكريةِ والعمليةِ التي يجتمع عليها السلفيونَ، من غير اشتراطِ ذوبانِ بعضِ الكيانات في بعض، أو تحلُّلِ بعضِ البِنَى التنظيميةِ لحسابِ بعضٍ، أو تغير قناعات من لا يقبل بالعمل الجماعي من خلال حزب أو طائفة دعوية، بحيث يجد الجميع ما يكثر المصالح في الوحدة والألفة، ويدفع المفاسد الناجمة عن الاختلاف والفرقة.
وبإيجادِ هذا التيارِ السلفي مترامي الأطرافِ ومتعددِ الأطيافِ من خلال هيئةٍ تديرُ ملفات التنسيق، وتتبنَّى جمعَ الطاقات، وتهيئةَ الأسبابِ والظروفِ، واستثمارَ الإمكاناتِ والمقدَّراتِ والمواردِ البشرية، وبناء المؤسسات العلميةِ والدعوية والاقتصادية، وترشيد الأحزاب السياسية السلفية، وتوفير الإمكاناتِ المالية
لهذا التيارِ -تتهيأ الأُمَّةُ لإفراز أهلِ الحَلِّ والعَقْدِ في الجانب الأكبرِ والأهمِّ منهم، وهو جانب العلماء، أو الولاية الشرعية، ويمثل رؤوسُ هذه المجموعات جزءًا من أصحابِ الشوكةِ والقوةِ في الأمة، وذلك في الجانب الآخَرِ من أهل الحلِّ والعَقْدِ، وهو جانب الولاية العملية والتنفيذية.
إن تدشين وجود هذا التيار السلفيِّ سيهيئ -بقوةٍ- للالتحام بالجماهير، ويُسَهِّلُ طريقَ توجيهِهَا، وتشكيل الرأي العامِّ في كل قُطْرٍ، كما يعينُ على توقي الاستهداف الأمني الداخلي، والاستعماري الأجنبي، ويفوِّتُ الفرصةَ على ضربِ الهيكل التنظيمي، ويخفِّفُ من حَّدةِ التوترِ والحساسيةِ بين هذه المجموعاتِ السلفيةِ، ويُمَكِّنُ من التعاون فيما بينها بلا حساسيةٍ، ويُقَدِّمُ هذا التيارُ -الذي يُوْلَدُ قُطْرِيًّا هنا أو هناك- أنموذجًا يقبل التكرار في باقي الديارِ والأقطارِ.
ثم بائتلافِ التيارِ السلفيِّ قُطْرِيًّا، ثم دوليًّا ينشأ الائتلافُ السلفيُّ العالميُّ، والذي يَعْبُرُ بالجميع نحو العالميةِ بأعلى قَدْرٍ من مصداقيةٍ، وهو ما سيأتي ذِكْرُهُ في الأولوية التاليةِ.