المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل حكم أبنية ودور أهل الذمة] - أحكام أهل الذمة - ط رمادي - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[ذِكْرُ الشُّرُوطِ الْعُمَرِيَّةِ وَأَحْكَامِهَا وَمُوجِبَاتِهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ في أَحْكَامِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وما يتعلق بذلك]

- ‌[الْبِلَادُ الَّتِي تَفَرَّقَ فِيهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ] [

- ‌القسم الأول بِلَادٌ أَنْشَأَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي الْإِسْلَامِ وبَيَانُ بِنَاءِ بَعْضهاِ]

- ‌[فَصْلٌ مَآلُ مَعَابِدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ]

- ‌[القسم الثَّانِي بِلَادٌ أُنْشِئَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَافْتَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً وَمَلَكُوا أَرْضَهَا وَسَاكِنِيهَا]

- ‌[القسم الثَّالِثُ بِلَادٌ أُنْشِئَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَفَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ صُلْحًا]

- ‌[فَصْلٌ زَوَالُ الْأَمَانِ عَنِ الْأَنْفُسِ زَوَالٌ عَنِ الْكَنَائِسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بِنَاءِ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْهَا وَرَمِّ شَعَثِهِ وَذِكْرِ الْخِلَافِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ تَرْمِيمِ الْكَنِيسَةِ وَزِيَادَةِ الْبِنَاءِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ نَقْلُ الْكَنِيسَةِ مِنْ مَكَانٍ لِآخِرِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ أَبْنِيَةِ وَدُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَمَلُّكِ الذِّمِّيِّ بِالْإِحْيَاءِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَمْنَعُ كَنَائِسَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِلُوهَا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْثاني مَا يَتَعَلَّقُ بِإِظْهَارِ الْمُنْكَرِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ مِمَّا نُهُوا عَنْهُ] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُؤْوِي فِيهَا وَلَا فِي مَنَازِلِنَا جَاسُوسًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَكْتُمُ غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَضْرِبُ نَوَاقِيسَنَا إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُظْهِرُ عَلَيْهَا صَلِيبًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِنَا مِمَّا يَحْضُرُهُ الْمُسْلِمُونَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُخْرِجُ صَلِيبًا وَلَا كِتَابًا فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَلَّا نُخْرِجَ بَاعُوثًا وَلَا شَعَانِينَ وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ حُضُورِ أَعْيَادِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُجَاوِرُهُمْ بِالْخَنَازِيرِ وَلَا بِبَيْعِ الْخُمُورِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُجَاوِزُ الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَانَا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا بِبَيْعِ الْخُمُورِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُرَغِّبُ فِي دِينِنَا وَلَا نَدْعُو إِلَيْهِ أَحَدًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَتَّخِذُ مِنَ الرَّقِيقِ الَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُفَادَاةِ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَلَّا نَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَقْرِبَائِنَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْثالث مَا يَتَعَلَّقُ بِتَغْيِيرِ لِبَاسِهِمْ وَتَمْيِيزِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَرْكَبِ وَاللِّبَاسِ وَنَحْوِه] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُم نُلْزِمَ زِيَّنَا حَيْثُمَا كُنَّا وَأَلَّا نَتَشَبَّهَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي لُبْسِ وَلَا فَرْقِ شَعْرٍ وَلَا فِي مَرَاكِبِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا عِمَامَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِصَاصُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِالتَّلَحِّي فِي الْعَمَائِمِ]

- ‌[فَصْلٌ قوْلُهُمْ وَلَا فِي نَعْلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا بِفَرْقِ شَعْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَرْكِهِ وَكَيْفِيَّةِ جَعْلِ شَعْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُرْخَى الشَّعْرُ وَمَتَى يُضَفَّرُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ لِبَاسِ الْأَرْدِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَشَبَّهُ بِالْمُسْلِمِينَ فِي مَرَاكِبِهِمْ وَلَا نَرْكَبُ السُّرُوجَ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَقَلَّدُ السُّيُوفَ]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ الْأَحْكَامِ الَّتِي ضُرِبَتْ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ لَوْنُ لِبَاسِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فَسَادُ ذِمَمِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَكَلَّمُ بِكَلَامِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قولهم وَلَا نَنْقُشُ خَوَاتِيمَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَكَنَّى بِكُنَاهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ خِطَابُ الْكِتَابِيِّ بِسَيِّدِي وَمَوْلَايَ]

- ‌[فَصْلٌ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ كَيْفَ يُكْتَبُ إِلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قولهم وَنُوَقِّرُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَنَقُومُ لَهُمْ عَنِ الْمَجَالِسِ]

- ‌[فَصْلٌ صِيَانَةُ الْقُرْآنِ أَنْ يَحْفَظَهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي أَمْرِ مُعَامَلَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ بِالشَّرِكَةِ وَنَحْوِهَا] [

- ‌فَصْلٌ قَولهم وَلَا يُشَارِكُ أَحَدٌ مِنَّا مُسْلِمًا فِي تِجَارَةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِلَى الْمُسْلِمِ أَمْرُ التِّجَارَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] [

- ‌فَصْلٌ قَولهم وَأَنْ نُضِيفَ كُلَّ مُسْلِمٍ عَابِرِ سَبِيلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنُطْعِمَهُ مِنْ أَوْسَطِ مَا نَجِدُ]

- ‌[فَصْلٌ نُزُولُ الْمَرِيضِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْسادسُ فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَنَّ مَنْ ضَرَبَ مُسْلِمًا فَقَدْ خَلَعَ عَهْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُعْتَبَرُ الذِّمِّيُّ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ بَعْدَ فُجُورِهِ بِمُسْلِمَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا نَقَضُوا مَا شَرَطُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ نُقِضَ عَهْدُهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ طَرِيقٌ ثَالِثٌ فِي نَقْضِهِمُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ لَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَهْدٌ إِلَّا مَا دَامُوا مُسْتَقِيمِينَ لَنَا]

- ‌[فَصْلٌ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِنَكْثِهِمْ أَيْمَانَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ كُلُّ مَنْ طَعَنَ فِي دِينِنَا فَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْهَمُّ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ مُوجِبٌ لِقِتَالِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَمْرُ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ الطَّاعِنِينَ فِي الدِّينِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُحَادُّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانُ مَعْنَى الْكَبْتِ]

- ‌[فَصْلٌ زَوَالُ الْعِصْمَةِ عَنْ نَفْسِ وَمَالِ الْمُؤْذِي لِلَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَدَّ اللَّهُ قِتَالَهُمْ حَتَّى يَنْتَهُوا عَنْ أَسْبَابِ الْفِتْنَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُوَفَّى الْعَهْدُ إِلَيْهِمْ مَا لَمْ يَنْقُصُونَا شَيْئًا مِمَّا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ حُجَّةُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي قَتْلِ السَّابِّ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى شُبْهَةٍ فِي قَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ]

- ‌[فَصْلٌ سَبُّ النَّبِيِّ أَوِ الْأَصْحَابِ]

الفصل: ‌[فصل حكم أبنية ودور أهل الذمة]

الْأُولَى مَسْجِدًا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَتُقَامُ فِيهِ الصَّلَوَاتُ، وَمَكَّنَّاهُمْ مِنْ نَقْلِ الْكَنِيسَةِ إِلَى مَكَانٍ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ، فَهَذَا ظَاهِرُ الْمَصْلَحَةِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

فَلَوِ انْتَقَلَ الْكُفَّارُ عَنْ مَحَلَّتِهِمْ وَأَخْلَوْهَا إِلَى مَحَلَّةٍ أُخْرَى، فَأَرَادُوا نَقْلَ الْكَنِيسَةِ إِلَى تِلْكَ الْمَحَلَّةِ وَإِعْطَاءَ الْقَدِيمَةِ لِلْمُسْلِمِينَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ.

[فَصْلٌ حُكْمُ أَبْنِيَةِ وَدُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

218 -

فَصْلٌ

[حُكْمُ أَبْنِيَةِ وَدُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

هَذَا حُكْمُ بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ، فَأَمَّا حُكْمُ أَبْنِيَتِهِمْ وَدُورِهِمْ فَإِنْ كَانُوا فِي مَحَلَّةٍ مُنْفَرِدَةٍ عَنِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُجَاوِرُهُمْ فِيهَا مُسْلِمٌ تُرِكُوا وَمَا يَبْنُونَهُ كَيْفَ أَرَادُوا، وَإِنْ جَاوَرُوا الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُمَكَّنُوا مِنْ مُطَاوَلَتِهِمْ فِي الْبِنَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ الْجَارُ مُلَاصِقًا أَوْ غَيْرَ مُلَاصِقٍ، بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَارِ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: " وَلَا يُحْدِثُونَ بِنَاءً يَطُولُونَ بِهِ بِنَاءَ الْمُسْلِمِينَ ". وَهَذَا الْمَنْعُ لِحَقِّ الْإِسْلَامِ لَا لِحَقِّ الْجَارِ، حَتَّى لَوْ رَضِيَ الْجَارُ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِرِضَاهُ أَثَرٌ فِي الْجَوَازِ، وَلَيْسَ هَذَا الْمَنْعُ مُعَلَّلًا بِإِشْرَافِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى الْإِشْرَافِ جَازَ، بَلْ لَأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى.

وَالَّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُولُ الْمَذْهَبِ وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ سُكْنَى الدَّارِ الْعَالِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ تَمْلِيكٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَإِنَّ

ص: 1220

الْمَانِعِينَ مِنْ تَعْلِيَةِ الْبِنَاءِ جَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْإِسْلَامِ، وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ:" «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» ". وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِعْلَاءَ رُتْبَةٍ لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ مَمْنُوعُونَ مِنْ ذَلِكَ.

قَالُوا: وَلِهَذَا يُمْنَعُونَ مِنْ صُدُورِ الْمَجَالِسِ وَيُلْجَئُونَ إِلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ، فَإِذَا مُنِعُوا مِنْ صُدُورِ الْمَجَالِسِ - وَالْجُلُوسُ فِيهَا عَارِضٌ - فَكَيْفَ يُمَكَّنُونَ مِنَ السُّكْنَى اللَّازِمَةِ فَوْقَ رُءُوسِ الْمُسْلِمِينَ؟ وَإِذَا مُنِعُوا مِنْ وَسَطِ الطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكِ - وَالْمُرُورُ فِيهِ عَارِضٌ - فَأُزِيلُوا مِنْهُ إِلَى أَضْيَقِهِ وَأَسْفَلِهِ كَمَا صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" «إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ اضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهِ» " فَكَيْفَ يُمَكَّنُونَ أَنْ يَعْلُوا فِي السُّكْنَى الدَّائِمَةِ رِقَابَ الْمُسْلِمِينَ؟ هَذَا مِمَّا تَدْفَعُهُ أُصُولُ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدُهُ.

وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ: " إِنَّهُمْ إِذَا مَلَكُوا دَارًا عَالِيَةً مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يَجِبْ نَقْضُهَا ". إِنْ أَرَادُوا بِهِ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ مِلْكِهِمْ عَلَيْهَا فَصَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مَنْ سُكْنَاهَا فَوْقَ رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ فَمَرْدُودٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ فِي " الْمُغْنِي " وَصَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، وَلَكِنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي " الْإِمْلَاءِ " أَنَّهُ إِذَا مَلَكَهَا بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ

ص: 1221

ذَلِكَ أُقِرَّ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِجَوَازِ سُكْنَاهَا، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ، وَتَعْلِيلُهُمْ وَاحْتِجَاجُهُمْ بِمَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُمْ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ السُّكْنَى وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، فَإِنَّ الْمَفْسَدَةَ فِي الْعُلُوِّ لَيْسَتْ فِي نَفْسِ الْبِنَاءِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي السُّكْنَى، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا بَنَاهَا الْمُسْلِمُ وَبَاعَهُمْ إِيَّاهَا فَقَدْ أَرَاحَهُمْ مِنْ كُلْفَةِ الْبِنَاءِ وَمَشَقَّتِهِ وَغَرَامَتِهِ، وَمَكَّنَهُمْ مِنْ سُكْنَاهَا وَعُلُوِّهِمْ عَلَى رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ هَنِيئًا مَرِيئًا، فَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ! ! أَيُّ مَفْسَدَةٍ زَالَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِذَلِكَ؟ ! بِحَيْثُ إِنَّهُمْ إِذَا تَعِبُوا وَقَاسَوُا الْكُلْفَةَ وَالْمَشَقَّةَ فِي التَّعْلِيَةِ مُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا تَعِبَ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَصَلِيَ بِحَرِّهِ جَازَتْ لَهُمُ السُّكْنَى وَزَالَتْ مَفْسَدَةُ التَّعْلِيَةِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى الْعَاقِلِ الْمُنْصِفِ فَسَادُ ذَلِكَ.

ثُمَّ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْقَوْلُ بِهِ عَلَى أُصُولِ مَنْ يُحَرِّمُ " الْحِيَلِ " فَيَمْنَعُهُ مِنْ تَعْلِيَةِ الْبِنَاءِ، فَإِذَا بَاعَ الدَّارَ لِمُسْلِمٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ جَازَ لَهُ سُكْنَاهَا وَزَالَتْ بِذَلِكَ مَفْسَدَةُ التَّعْلِيَةِ، وَلِأَنَّهُمْ إِذَا مُنِعُوا مِنْ مُسَاوَاةِ الْمُسْلِمِينَ فِي لِبَاسِهِمْ وَزِيِّهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ وَشُعُورِهِمْ وَكُنَاهُمْ، فَكَيْفَ يُمَكَّنُونَ مِنْ مُسَاوَاتِهِمْ بَلْ مِنَ الْعُلُوِّ عَلَيْهِمْ فِي دُورِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ؟

وَطَرْدُ قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ سُكْنَى الدَّارِ الْعَالِيَةِ إِذَا مَلَكُوهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَنْ يَجُوزَ لِبَاسُ الثِّيَابِ الَّتِي مُنِعُوا مِنْهَا إِذَا مَلَكُوهَا مِنْ مُسْلِمٍ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُونَ مِمَّا نَسَجُوهُ وَاسْتَنْسَجُوهُ وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ.

وَالْعَجَبُ أَنَّهُمُ احْتَجُّوا لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي مَنْعِ الْمُسَاوَاةِ بِأَنَّهُمْ مَمْنُوعُونَ

ص: 1222

مِنْ مُسَاوَاةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الزِّيِّ وَاللِّبَاسِ وَالرُّكُوبِ، ثُمَّ يُجَوِّزُونَ عُلُوَّهُمْ فَوْقَ رُءُوسِ الْمُسْلِمِينَ بِشِرَاءِ الدُّورِ الْعَالِيَةِ مِنْهُمْ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمَانِعُونَ بِأَنَّ الْمَنْعَ مِنَ التَّعْلِيَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ حُقُوقِ الدِّينِ لَا مِنْ حُقُوقِ الْجِيرَانِ، وَهَذَا فَرْعٌ تَلَقَّاهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَنْ نَصِّهِ فِي " الْإِمْلَاءِ " بِإِقْرَارِهِمْ عَلَى مِلْكِ الدَّارِ الْعَالِيَةِ، وَتَلَقَّاهُ أَصْحَابُ أَحْمَدَ عَنْهُمْ، وَلَمْ أَجِدْ لِأَحْمَدَ بَعْدَ طُولِ التَّفْتِيشِ نَصًّا بِجَوَازِ تَمَلُّكِ الدَّارِ الْعَالِيَةِ فَضْلًا عَنْ سُكْنَاهَا، وَنُصُوصُهُ وَأُصُولُ مَذْهَبِهِ تَأْبَى ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ

أَحَدُهَا: لَوْ كَانَ لِلذِّمِّيِّ دَارٌ فَجَاءَ مُسْلِمٌ إِلَى جَانِبِهِ فَبَنَى دَارًا أَنْزَلَ مِنْهَا لَمْ يُلْزَمِ الذِّمِّيُّ بِحَطِّ بِنَائِهِ وَلَا مُسَاوَاتِهِ، فَإِنَّ حَقَّ الذِّمِّيِّ أَسْبَقُ.

وَثَانِيهَا: لَوْ جَاوَرَهُمُ الْمُسْلِمُونَ بِأَبْنِيَةٍ أَقْصَرُ مِنْ أَبْنِيَتِهِمْ، ثُمَّ انْهَدَمَتْ دُورَهُمْ فَأَرَادُوا أَنْ يُعَلُّوهَا عَلَى بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَهَلْ لَهُمْ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الِانْهِدَامِ أَمْ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِالْحَالِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَظْهَرُهُمَا الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الذِّمِّيِّ فِي الدَّارِ مَا دَامَتْ قَائِمَةً، فَإِذَا انْهَدَمَتْ فَإِعَادَتُهَا إِنْشَاءٌ جَدِيدٌ يُمْنَعُ فِيهِ مِنَ التَّعْلِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

وَثَالِثُهَا: لَوْ مَلَكُوا دَارًا عَالِيَةً مِنْ مُسْلِمٍ، وَأَقْرَرْنَاهُمْ عَلَى مِلْكِهَا فَانْهَدَمَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِعَادَتُهَا كَمَا كَانَتْ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَحَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَمْدَانَ وَجْهًا أَنَّ لَهُمْ إِعَادَتَهَا عَالِيَةً اعْتِبَارًا بِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَهُوَ

ص: 1223