المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل قولهم وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيام ونطعمه من أوسط ما نجد] - أحكام أهل الذمة - ط رمادي - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[ذِكْرُ الشُّرُوطِ الْعُمَرِيَّةِ وَأَحْكَامِهَا وَمُوجِبَاتِهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ في أَحْكَامِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وما يتعلق بذلك]

- ‌[الْبِلَادُ الَّتِي تَفَرَّقَ فِيهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ] [

- ‌القسم الأول بِلَادٌ أَنْشَأَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي الْإِسْلَامِ وبَيَانُ بِنَاءِ بَعْضهاِ]

- ‌[فَصْلٌ مَآلُ مَعَابِدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ]

- ‌[القسم الثَّانِي بِلَادٌ أُنْشِئَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَافْتَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً وَمَلَكُوا أَرْضَهَا وَسَاكِنِيهَا]

- ‌[القسم الثَّالِثُ بِلَادٌ أُنْشِئَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَفَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ صُلْحًا]

- ‌[فَصْلٌ زَوَالُ الْأَمَانِ عَنِ الْأَنْفُسِ زَوَالٌ عَنِ الْكَنَائِسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بِنَاءِ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْهَا وَرَمِّ شَعَثِهِ وَذِكْرِ الْخِلَافِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ تَرْمِيمِ الْكَنِيسَةِ وَزِيَادَةِ الْبِنَاءِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ نَقْلُ الْكَنِيسَةِ مِنْ مَكَانٍ لِآخِرِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ أَبْنِيَةِ وَدُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَمَلُّكِ الذِّمِّيِّ بِالْإِحْيَاءِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَمْنَعُ كَنَائِسَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِلُوهَا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْثاني مَا يَتَعَلَّقُ بِإِظْهَارِ الْمُنْكَرِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ مِمَّا نُهُوا عَنْهُ] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُؤْوِي فِيهَا وَلَا فِي مَنَازِلِنَا جَاسُوسًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَكْتُمُ غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَضْرِبُ نَوَاقِيسَنَا إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُظْهِرُ عَلَيْهَا صَلِيبًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِنَا مِمَّا يَحْضُرُهُ الْمُسْلِمُونَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُخْرِجُ صَلِيبًا وَلَا كِتَابًا فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَلَّا نُخْرِجَ بَاعُوثًا وَلَا شَعَانِينَ وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ حُضُورِ أَعْيَادِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُجَاوِرُهُمْ بِالْخَنَازِيرِ وَلَا بِبَيْعِ الْخُمُورِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُجَاوِزُ الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَانَا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا بِبَيْعِ الْخُمُورِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُرَغِّبُ فِي دِينِنَا وَلَا نَدْعُو إِلَيْهِ أَحَدًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَتَّخِذُ مِنَ الرَّقِيقِ الَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُفَادَاةِ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَلَّا نَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَقْرِبَائِنَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْثالث مَا يَتَعَلَّقُ بِتَغْيِيرِ لِبَاسِهِمْ وَتَمْيِيزِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَرْكَبِ وَاللِّبَاسِ وَنَحْوِه] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُم نُلْزِمَ زِيَّنَا حَيْثُمَا كُنَّا وَأَلَّا نَتَشَبَّهَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي لُبْسِ وَلَا فَرْقِ شَعْرٍ وَلَا فِي مَرَاكِبِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا عِمَامَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِصَاصُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِالتَّلَحِّي فِي الْعَمَائِمِ]

- ‌[فَصْلٌ قوْلُهُمْ وَلَا فِي نَعْلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا بِفَرْقِ شَعْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَرْكِهِ وَكَيْفِيَّةِ جَعْلِ شَعْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُرْخَى الشَّعْرُ وَمَتَى يُضَفَّرُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ لِبَاسِ الْأَرْدِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَشَبَّهُ بِالْمُسْلِمِينَ فِي مَرَاكِبِهِمْ وَلَا نَرْكَبُ السُّرُوجَ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَقَلَّدُ السُّيُوفَ]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ الْأَحْكَامِ الَّتِي ضُرِبَتْ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ لَوْنُ لِبَاسِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فَسَادُ ذِمَمِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَكَلَّمُ بِكَلَامِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قولهم وَلَا نَنْقُشُ خَوَاتِيمَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَكَنَّى بِكُنَاهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ خِطَابُ الْكِتَابِيِّ بِسَيِّدِي وَمَوْلَايَ]

- ‌[فَصْلٌ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ كَيْفَ يُكْتَبُ إِلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قولهم وَنُوَقِّرُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَنَقُومُ لَهُمْ عَنِ الْمَجَالِسِ]

- ‌[فَصْلٌ صِيَانَةُ الْقُرْآنِ أَنْ يَحْفَظَهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي أَمْرِ مُعَامَلَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ بِالشَّرِكَةِ وَنَحْوِهَا] [

- ‌فَصْلٌ قَولهم وَلَا يُشَارِكُ أَحَدٌ مِنَّا مُسْلِمًا فِي تِجَارَةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِلَى الْمُسْلِمِ أَمْرُ التِّجَارَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] [

- ‌فَصْلٌ قَولهم وَأَنْ نُضِيفَ كُلَّ مُسْلِمٍ عَابِرِ سَبِيلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنُطْعِمَهُ مِنْ أَوْسَطِ مَا نَجِدُ]

- ‌[فَصْلٌ نُزُولُ الْمَرِيضِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْسادسُ فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَنَّ مَنْ ضَرَبَ مُسْلِمًا فَقَدْ خَلَعَ عَهْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُعْتَبَرُ الذِّمِّيُّ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ بَعْدَ فُجُورِهِ بِمُسْلِمَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا نَقَضُوا مَا شَرَطُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ نُقِضَ عَهْدُهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ طَرِيقٌ ثَالِثٌ فِي نَقْضِهِمُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ لَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَهْدٌ إِلَّا مَا دَامُوا مُسْتَقِيمِينَ لَنَا]

- ‌[فَصْلٌ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِنَكْثِهِمْ أَيْمَانَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ كُلُّ مَنْ طَعَنَ فِي دِينِنَا فَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْهَمُّ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ مُوجِبٌ لِقِتَالِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَمْرُ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ الطَّاعِنِينَ فِي الدِّينِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُحَادُّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانُ مَعْنَى الْكَبْتِ]

- ‌[فَصْلٌ زَوَالُ الْعِصْمَةِ عَنْ نَفْسِ وَمَالِ الْمُؤْذِي لِلَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَدَّ اللَّهُ قِتَالَهُمْ حَتَّى يَنْتَهُوا عَنْ أَسْبَابِ الْفِتْنَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُوَفَّى الْعَهْدُ إِلَيْهِمْ مَا لَمْ يَنْقُصُونَا شَيْئًا مِمَّا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ حُجَّةُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي قَتْلِ السَّابِّ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى شُبْهَةٍ فِي قَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ]

- ‌[فَصْلٌ سَبُّ النَّبِيِّ أَوِ الْأَصْحَابِ]

الفصل: ‌فصل قولهم وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيام ونطعمه من أوسط ما نجد]

[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] [

‌فَصْلٌ قَولهم وَأَنْ نُضِيفَ كُلَّ مُسْلِمٍ عَابِرِ سَبِيلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنُطْعِمَهُ مِنْ أَوْسَطِ مَا نَجِدُ]

الْفَصْلُ الْخَامِسُ

فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ.

257 -

فَصْلٌ

قَالُوا: " وَأَنْ نُضِيفَ كُلَّ مُسْلِمٍ عَابِرِ سَبِيلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنُطْعِمَهُ مِنْ أَوْسَطِ مَا نَجِدُ ".

هَكَذَا فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ " ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَسْلَمَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الْجَزِيرَةِ أَنْ " لَا تَضْرِبُوا جِزْيَةً عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَجِزْيَةُ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْجَزِيرَةِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ، وَأَنْ يُضَيِّفُوا مَنْ نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثًا ".

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ " الْأَمْوَالِ ":

ص: 1334

حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعْدَانُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ فَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا نُسْخَتُهُ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا كَتَبَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ؛ إِذْ كَانَ لَهُ حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ أَنْ فِي كُلِّ سَوْدَاءَ وَبَيْضَاءَ وَصَفْرَاءَ وَحَمْرَاءَ وَثَمَرَةٍ وَرَقِيقٍ، وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ، وَتَرَكَ ذَلِكَ لَهُمْ: أَلْفَيْ حُلَّةٍ، فِي كُلِّ صَفَرٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وَفِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ؛ كُلُّ حُلَّةٍ أُوقِيَّةٌ مَا زَادَ الْخَرَاجُ أَوْ نَقَصَ، فَعَلَى الْأَوَاقِيِّ فَلْيُحْسَبْ، [وَمَا قَضَوْا مِنْ رِكَابٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ دُرُوعٍ أُخِذَ مِنْهُمْ بِحِسَابٍ] وَعَلَى أَهْلِ نَجْرَانَ [مَقْرَى] رُسُلِي عِشْرِينَ لَيْلَةً [فَمَا دُونَهَا] » ".

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ " «كُلُّ حُلَّةٍ أُوقِيَّةٌ» " يَقُولُ: ثَمَنُهَا أُوقِيَّةٌ.

وَقَوْلُهُ: " «فَمَا زَادَ الْخَرَاجُ أَوْ نَقَصَ فَعَلَى الْأَوَاقِيِّ» "

[يَعْنِي بِالْخَرَاجِ الْعِلَلَ] يَقُولُ: إِنْ نَقَصَتْ مِنَ الْأَلْفَيْنِ أَوْ زَادَتْ فِي الْعَدَدِ أُخِذَتْ بِقِيمَةِ الْأَلْفَيْ الْأُوقِيَّةِ، فَكَأَنَّ الْخَرَاجَ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى الْأَوَاقِيِّ وَجَعَلَهَا حُلَلًا؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ

ص: 1335

عَلَيْهِمْ [مِنَ الْمَالِ] ".

فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الضِّيَافَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَسَنَّهُ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ عُمَرُ رضي الله عنه، وَفِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِأَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَفُقَرَائِهِمْ.

أَمَّا الْأَغْنِيَاءُ فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ضِيَافَتُهُمْ فَرُبَّمَا إِذَا دَخَلُوا بِلَادَهُمْ لَا يَبِيعُونَهُمُ الطَّعَامَ، وَيَقْصِدُونَ الْإِضْرَارَ بِهِمْ، فَإِذَا كَانَتْ عَلَيْهِمْ ضِيَافَتُهُمْ تَسَارَعُوا إِلَى مَنَافِعِهِمْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِمْ لِلضِّيَافَةِ فَيَأْكُلُونَ بِلَا عِوَضٍ.

وَأَمَّا مَصْلَحَةُ الْفُقَرَاءِ فَهُوَ مَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنَ الِارْتِفَاقِ، فَلَمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ جَازَ اشْتِرَاطُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ.

قَالَ الْخَلَّالُ فِي " الْجَامِعِ " بَابٌ فِي الضِّيَافَةِ الَّتِي شُرِطَتْ عَلَيْهِمْ:

أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُهَنَّا أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى:" جَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ وَعَلَى أَهْلِ الْجِزْيَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً " قَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: مَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ؟ قَالَ: يُضَيِّفُونَهُمْ.

ص: 1336

وَقَالَ حَمْدَانُ بْنُ عَلِيٍّ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه جَعَلَ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ وَأَهْلِ الْجِزْيَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَكُنَّا إِذَا تَوَلَّيْنَا عَلَيْهِمْ قَالُوا: شبا شبا. قُلْتُ لِأَحْمَدَ: مَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ؟ قَالَ: يُضَيِّفُونَهُمْ، قُلْتُ: مَا قَوْلُهُمْ: شبا شبا؟ قَالَ: هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ؛ لَيْلَةً لَيْلَةً.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي وَكِيعٌ، ثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه شَرَطَ

ص: 1337

عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَأَنْ يُصْلِحُوا [الْقَنَاطِرَ] وَإِنْ قُتِلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِهِمْ فَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ.

قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه اشْتَرَطَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ حَبَسَهُمْ مَطَرٌ أَوْ مَرَضٌ فَيَوْمَيْنِ، فَإِنْ مَكَثُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيُكَلَّفُونَ مَا يَطِيقُونَ.

ص: 1338

قَالَ الْقَاضِي فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ": وَإِذَا صُولِحُوا عَلَى ضِيَافَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قُدِّرَتْ عَلَيْهِمْ وَأُخِذُوا بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يُزَادُونَ عَلَيْهَا، كَمَا صَالَحَ عُمَرُ نَصَارَى الشَّامِ عَلَى ضِيَافَةِ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِمَّا يَأْكُلُونَ لَا يُكَلِّفُونَهُمْ ذَبْحَ شَاةٍ وَلَا دَجَاجَةٍ، وَتِبْنُ دَوَابِّهِمْ مِنْ غَيْرِ شَعِيرٍ، وَجَعَلَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ دُونَ الْمُدُنِ.

قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي شُرِطَ عَلَيْهِمْ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.

ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ حَمْدَانَ بْنِ عَلِيٍّ لِأَحْمَدَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَلِكَ الضِّيَافَةُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، الْوَاجِبُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.

قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، وَهُوَ دَيْنٌ لَهُ. قُلْتُ لَهُ: كَمْ مِقْدَارُ مَا يُقَدَّرُ لَهُ؟ قَالَ: يُمَوِّنُهُ فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ الَّتِي

ص: 1339

«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَالْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ هُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ» .

فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالْوَاجِبَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَصَالِحٍ: «الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَجَائِزٌ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» فَكَانَتْ جَائِزَتُهُ أَوْكَدَ مِنَ الثَّلَاثَةِ.

قَالَ: وَقَدْ رَوَى الْخَلَّالُ مَا دَلَّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْإِيجَابِ، فَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْمِقْدَامِ أَبِي كَرِيمَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ وَاجِبٌ، فَإِذَا أَصْبَحَ فِي فِنَائِهِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اقْتَضَاهُ الدَّيْنَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» ". يَعْنِي إِذَا لَمْ يُضِفْ.

وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ [الْخُزَاعِيِّ] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُؤْثِمُهُ؟ قَالَ:" يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَقْرِيهِ» ".

ص: 1340

فَحَدِيثُ أَبِي كَرِيمَةَ: يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَحَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الثَّلَاثِ.

فَالضِّيَافَةُ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ وَالْمُسْلِمِينَ وَاجِبَةٌ عَلَى كِلَا الْحَدِيثَيْنِ، لَكِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي قَدْرِ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ، وَيَخْتَلِفَانِ فِي حُكْمَيْنِ آخَرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ تَجِبُ ابْتِدَاءً بِالشَّرْعِ، وَفِي حَقِّ الْكُفَّارِ تَجِبُ بِالشَّرْطِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ تَعُمُّ أَهْلَ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ، وَفِي حَقِّ الْكُفَّارِ تَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْقُرَى.

قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: الضِّيَافَةُ تَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: تَجِبُ الضِّيَافَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ، مَنْ نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ عَلَيْهِ أَنْ يُضِيفَهُ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى، وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةٌ لِقَوْلِهِ: " «لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ

ص: 1341

وَاجِبٌ» " وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: "«الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» ".

وَتَجِبُ الضِّيَافَةُ عَلَى الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَقَدْ سَأَلَ: إِنْ أَضَافَ الرَّجُلُ ضَيْفًا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ يُضِيفُهُ؟ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ وَالْمُشْرِكَ يُضَافَانِ، وَالضِّيَافَةُ مَعْنَاهَا مَعْنَى صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ.

وَهَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ، فَقَدِ احْتَجَّ بِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَأَنَّهُ يَعُمُّ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ، وَإِذَا نَزَلَ بِهِ الضَّيْفُ وَلَمْ يُضِفْهُ كَانَ دَيْنًا عَلَى الْمُضَافِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فَقَالَ: إِذَا نَزَلَ الْقَوْمُ فَلَمْ يُضَافُوا فَإِنْ شَاءَ طَلَبَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، قَالَ لَهُ: فَكَمْ مِقْدَارُ مَا يُقَدَّرُ لَهُ؟ قَالَ: مَا يُمَوِّنُهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ، وَالْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ. قَالَ لَهُ: فَإِنْ لَمْ يُضِيفُوهُ تَرَى لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِمِقْدَارِ مَا يُضِيفُهُ؟ قَالَ: لَا يَأْخُذُ إِلَّا بِعِلْمِ أَهْلِهِ، وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمْ بِحَقِّهِ.

فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِذَلِكَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي ذِمَّتِهِ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ [أَبِي كَرِيمَةَ] :" «فَإِنْ أَصْبَحَ بِفَنَائِهِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اقْتَضَاهُ وَإِنْ شَاءَ يَتْرُكُ» ". وَمَنَعَ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ

ص: 1342

مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الضِّيَافَةُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ إِلَّا بِعِلْمِ أَهْلِهِ؛ إِذْ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ وَقَدَرَ لَهُ عَلَى حَقٍّ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، انْتَهَى.

فَأَمَّا قَوْلُهُ: " «إِنَّ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ حَقٌّ وَاجِبٌ وَالثَّلَاثَةَ مُسْتَحَبَّةٌ» " فَهَذَا صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ.

وَأَمَّا فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ إِنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً عَلَيْهِمْ فَهِيَ حَقٌّ لَازِمٌ، عَلَيْهِمُ الْقِيَامُ بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ لِلْمُسْلِمِينَ تَنَاوُلُ مَا زَادَ عَلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ إِلَّا بِرِضَاهُمْ، وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا، وَعُمَرُ رضي الله عنه لَمْ يَشْرُطْ عَلَى طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ شَرَطَ عَلَى نَصَارَى الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا، فَفِي شَرْطِهِ عَلَى نَصَارَى الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ ضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِيَسَارِهِمْ وَإِطَاقَتِهِمْ ذَلِكَ، وَأَمَّا نَصَارَى السَّوَادِ فَشَرَطَ عَلَيْهِمْ يَوْمًا وَلَيْلَةً؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ كَانَ دُونَ حَالِ نَصَارَى الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ.

فَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يُرَاعِي فِي ذَلِكَ حَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا كَانَ يُرَاعِي حَالَهُمْ فِي الْجِزْيَةِ وَفِي الْخَرَاجِ، فَبَعْضُهُمْ شَرَطَهَا عَلَيْهِمْ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَبَعْضُهُمْ شَرَطَهَا عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَقُومُوا بِمَا عَلَيْهِمْ وَقُدِرَ لَهُمْ عَلَى مَالٍ لَمْ يَأْخُذْهُ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الظَّفَرِ " فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالسُّنَّةُ قَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الظَّفَرِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهَا.

ص: 1343

إِنَّ سَبَبَ الْحَقِّ هَاهُنَا ظَاهِرٌ فَلَا يَنْسُبُ الْآخِذُ إِلَى جِنَايَةٍ لِظُهُورِ حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا، وَلِهَذَا أَفْتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هِنْدًا بِأَنْ ( «تَأْخُذَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ» ) كَمَا جَوَّزَ لِلضَّيْفِ أَنْ يَأْخُذَ مِثْلَ قِرَاهُ إِذَا لَمْ يُضَفْ، فَجَاءَتِ السُّنَّةُ بِالْأَخْذِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ، وَجَاءَتْ بِالْمَنْعِ لِمَنْ سَأَلَهُ: إِنَّ لَنَا جِيرَانًا لَا يَدَعُونَ لَنَا سَادَةً وَلَا قَادَةً إِلَّا أَخَذُوهَا، أَفَنَأْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ؟ الْحَدِيثَ. فَقَالَ:" «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» ".

فَمَنَعَ هَاهُنَا وَأَطْلَقَ هُنَاكَ، وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ ظُهُورِ سَبَبِ الْحَقِّ؛ لِتَعَذُّرِ الْأَخْذِ وَخَفَائِهِ

ص: 1344

فَيُنْسَبُ إِلَى الْجِنَايَةِ.

الثَّانِي: أَنَّ سَبَبَ الْحَقِّ يَتَحَدَّدُ فِي مَسْأَلَةِ النَّفَقَةِ وَالضِّيَافَةِ قِيَاسًا، فَتَمْتَنِعُ الدَّعْوَى فِيهِ كُلَّ وَقْتٍ، وَالرَّفْعُ إِلَى الْحَاكِمِ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ مَا لَا يُنْكَرُ سَبَبُهُ.

إِذَا عُرِفَ هَذَا فَعُمَرُ رضي الله عنه لَمْ يَشْتَرِطْ قَدْرَ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالْعَلَفِ فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى عَادَةِ كُلِّ قَوْمٍ وَعُرْفِهِمْ وَمَا لَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَجُوزُ لِلضَّيْفِ أَنْ يُكَلِّفَهُمُ اللَّحْمَ وَالدَّجَاجَ وَلَيْسَ ذَلِكَ غَالِبَ قُوتِهِمْ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ مَا يَبْذُلُونَهُ مِنْ طَعَامِهِمُ الْمُعْتَادِ كَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْإِطْعَامَ فِي الْكَفَّارَةِ مِنْ أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُ الْمُكَفِّرُ أَهْلَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَكَمَا أَوْجَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ بِالْعُرْفِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ. فَهَذِهِ سُنَّتُهُ وَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَهَذِهِ الضِّيَافَةُ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَلَا تَلْزَمُهُمْ إِلَّا بِالشَّرْطِ، وَيَكْفِي شَرْطُ عُمَرَ رضي الله عنه عَلَى مَمَرِّ الْأَزْمَانِ سَوَاءٌ شَرَطَهُ عَلَيْهِمْ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَوْ لَمْ يَشْرُطْهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ سُنَّةٌ مُسْتَمِرَّةٌ، وَلِهَذَا عَمِلَ بِهِ الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ، وَاحْتَجَّ الْفُقَهَاءُ بِالشُّرُوطِ الْعُمَرِيَّةِ وَأَوْجَبُوا اتِّبَاعَهَا.

هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، كَمَا أَنَّ شَرْطَهُ عَلَيْهِمْ فِي الْجِزْيَةِ مُسْتَمِرٌّ وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْهُ عَلَيْهِمْ إِمَامُ الْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ عَقْدُ الذِّمَّةِ لِمَنْ بَلَغَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ لَهُمُ الْإِمَامُ الذِّمَّةَ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتُقَسَّمُ الضِّيَافَةُ عَلَى عَدَدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَعَلَى حَسَبِ الْجِزْيَةِ الَّتِي شَرَطَهَا، فَيُقَسَّمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ.

ص: 1345