الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهَا مَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي هَدْمِهِ وَأَقَرَّ مَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي إِقْرَارِهِ.
وَقَدْ أَفْتَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْمُتَوَكِّلَ بِهَدْمِ كَنَائِسِ السَّوَادِ وَهِيَ أَرْضُ الْعَنْوَةِ.
[القسم الثَّالِثُ بِلَادٌ أُنْشِئَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَفَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ صُلْحًا]
211 -
فَصْلٌ
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَا فُتِحَ صُلْحًا
وَهَذَا نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ وَلَنَا الْخَرَاجُ عَلَيْهَا، أَوْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى مَالٍ يَبْذُلُونَهُ وَهِيَ الْهُدْنَةُ، فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ إِحْدَاثِ مَا يَخْتَارُونَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَهُمْ كَمَا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ نَجْرَانَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِمْ أَلَّا يُحْدِثُوا كَنِيسَةً وَلَا دَيْرًا.
النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّ الدَّارَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ إِلَيْنَا.
فَالْحُكْمُ فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الصُّلْحُ مَعَهُمْ مِنْ تَبْقِيَةٍ وَإِحْدَاثٍ وَعِمَارَةٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يَقَعَ الصُّلْحُ مَعَهُمْ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ لَهُمْ جَازَ أَنْ يُصَالَحُوا عَلَى أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْبَلَدِ لَهُمْ.
وَالْوَاجِبُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ أَنْ يُصَالَحُوا عَلَى مَا صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ عُمَرُ رضي الله عنه، وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِمُ الشُّرُوطُ الْمَكْتُوبَةُ فِي كِتَابِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ:
" أَلَّا يُحْدِثُوا بِيعَةً وَلَا صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ وَلَا قِلَّايَةً ". فَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ حُمِلَ عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ صُلْحُ عُمَرَ، وَأُخِذُوا بِشُرُوطِهِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالشَّرْعِ، فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ صُلْحِ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ عَلَيْهَا.
212 -
[فَصْلٌ]
ذِكْرُ نُصُوصِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ.
قَالَ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ " أَحْكَامِ أَهْلِ الْمِلَلِ " بَابُ الْحُكْمِ فِيمَا أَحْدَثَتْهُ النَّصَارَى مِمَّا لَمْ يُصَالَحُوا عَلَيْهِ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: كَانَ الْمُتَوَكِّلُ [إِذَا] حَدَثَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى مَا حَدَثَ كَتَبَ إِلَى الْقُضَاةِ بِبَغْدَادَ يَسْأَلُهُمْ، أَبِي حَسَّانَ الزِّيَادِيِّ وَغَيْرِهِ، فَكَتَبُوا إِلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا، فَلَمَّا قُرِئَ عَلَيْهِ قَالَ: أَكْتُبُ بِمَا أَجَابَ بِهِ هَؤُلَاءِ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لِيَكْتُبَ إِلَيَّ بِمَا يَرَى فِي ذَلِكَ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَلَمْ يَكُنْ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ كَتَبُوا أَحَدٌ يَحْتَجُّ بِالْحَدِيثِ إِلَّا
أَبَا حَسَّانَ الزِّيَادِيَّ، وَاحْتَجَّ بِأَحَادِيثَ عَنِ الْوَاقِدِيِّ. فَلَمَّا قُرِئَ عَلَى أَبِي عَرَفَهُ وَقَالَ: هَذَا جَوَابُ أَبِي حَسَّانَ، وَقَالَ: هَذِهِ أَحَادِيثُ ضِعَافٌ، فَأَجَابَهُ أَبِي وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، فَقَالَ: ثَنَا مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَمْصَارِ الْعَرَبِ - أَوْ دَارِ الْعَرَبِ - هَلْ لِلْعَجَمِ أَنْ يُحْدِثُوا فِيهَا شَيْئًا؟ فَقَالَ: " أَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَرَبُ. . . " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: لَيْسَ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنْ يُحْدِثُوا فِي مِصْرٍ مَصَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ بِيعَةً وَلَا كَنِيسَةً، وَلَا يَضْرِبُوا فِيهِ بِنَاقُوسٍ إِلَّا فِيمَا كَانَ لَهُمْ صُلْحًا، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُظْهِرُوا الْخَمْرَ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" أَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ ".
أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْبَلٍ وَعِصْمَةُ قَالُوا: حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " وَإِذَا كَانَتِ الْكَنَائِسُ صُلْحًا تُرِكُوا عَلَى مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْعَنْوَةُ فَلَا، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحْدِثُوا بِيعَةً وَلَا كَنِيسَةً لَمْ تَكُنْ، وَلَا يَضْرِبُوا نَاقُوسًا، وَلَا يَرْفَعُوا صَلِيبًا، وَلَا يُظْهِرُوا خِنْزِيرًا، وَلَا يَرْفَعُوا نَارًا وَلَا
شَيْئًا مِمَّا يَجُوزُ لَهُمْ فِعْلُهُ فِي دِينِهِمْ، يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُتْرَكُونَ ".
قُلْتُ: لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: " نَعَمْ، عَلَى الْإِمَامِ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ. السُّلْطَانُ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْإِحْدَاثِ إِذَا كَانَتْ بِلَادُهُمْ فُتِحَتْ عَنْوَةً! وَأَمَّا الصُّلْحُ فَلَهُمْ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ يُوَفَّى لَهُمْ ".
وَقَالَ: " الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَلَا يُظْهِرُونَ خَمْرًا ".
قَالَ الْخَلَّالُ: كَتَبَ إِلَيَّ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْإِسْكَافِيُّ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ تُحْدَثُ، قَالَ:" يُرْفَعُ أَمْرُهَا إِلَى السُّلْطَانِ ".
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: " لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ كَنِيسَةٌ وَلَا بِيعَةٌ، وَلَا يُبَاعُ فِيهَا خَمْرٌ وَخِنْزِيرٌ، وَمِصْرًا كَانَ أَوْ قَرْيَةً ".
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي " الْمُخْتَصَرِ ": " وَلَا يُحْدِثُوا فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ كَنِيسَةً وَلَا مُجْتَمَعًا لِصَلَوَاتِهِمْ، وَلَا يُظْهِرُوا فِيهَا حَمْلَ خَمْرٍ وَلَا إِدْخَالَ خِنْزِيرٍ، وَلَا يُحْدِثُوا بِنَاءً يَطُولُونَ بِهِ عَلَى بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ هَيْئَاتِهِمْ فِي الْمَرْكَبِ وَالْمَلْبَسِ وَبَيْنَ هَيْئَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَعْقِدُوا الزُّنَّارَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، وَلَا يَدْخُلُوا مَسْجِدًا، وَلَا يَسْقُوا مُسْلِمًا خَمْرًا، وَلَا يُطْعِمُوهُ خِنْزِيرًا.
وَإِنْ كَانُوا فِي قَرْيَةٍ يَمْلِكُونَهَا مُنْفَرِدِينَ لَمْ يُعْرَضْ لَهُمْ فِي خَمْرِهِمْ وَخَنَازِيرِهِمْ وَرَفْعِ بُنْيَانِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ بِمِصْرِ الْمُسْلِمِينَ كَنِيسَةٌ أَوْ بِنَاءٌ طَوِيلٌ كَبِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ هَدْمُ ذَلِكَ، وَتُرِكَ عَلَى مَا وُجِدَ وَمُنِعُوا مِنْ إِحْدَاثِ مِثْلِهِ.
وَهَذَا إِذَا كَانَ الْمِصْرُ لِلْمُسْلِمِينَ أَحْيَوْهُ أَوْ فَتَحُوهُ عَنْوَةً، وَشُرِطَ هَذَا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ.
وَإِنْ كَانُوا فَتَحُوا بِلَادَهُمْ عَلَى صُلْحٍ مِنْهُمْ عَلَى تَرْكِهِمْ وَإِيَّاهُ خُلُّوا وَإِيَّاهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالَحُوا عَلَى أَنْ يَنْزِلُوا بِلَادَ الْإِسْلَامِ يُحْدِثُونَ فِيهَا ذَلِكَ ".
قَالَ صَاحِبُ " النِّهَايَةِ " فِي شَرْحِهِ: " الْبِلَادُ قِسْمَانِ: بَلْدَةٌ ابْتَنَاهَا
الْمُسْلِمُونَ فَلَا يُمَكَّنُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ إِحْدَاثِ كَنِيسَةٍ فِيهَا وَلَا بَيْتِ نَارٍ، فَإِنْ فَعَلُوا نُقِضَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ لِلْكُفَّارِ وَجَرَى فِيهِ حُكْمٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَهَذَا قِسْمَانِ: فَإِنْ فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً وَمَلَكُوا رِقَابَ الْأَبْنِيَةِ وَالْعِرَاصِ تَعَيَّنَ نَقْضُ مَا فِيهَا مِنَ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ، وَإِذَا كُنَّا نَنْقُضُ مَا نُصَادِفُ مِنَ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ فَلَا يَخْفَى أَنَّا نَمْنَعُهُمْ مِنِ اسْتِحْدَاثِ مِثْلِهَا.
وَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُبْقِيَ كَنِيسَةً وَيُقِرَّ فِي الْبَلَدِ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ مَنْعُ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرَّهُمْ وَيُبْقِيَ الْكَنِيسَةَ عَلَيْهِمْ.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمَرَاوِزَةُ.
هَذَا إِذَا فَتَحْنَا الْبَلَدَ عَنْوَةً، فَإِنْ فَتَحْنَاهَا صُلْحًا فَهَذَا يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقَعَ الْفَتْحُ عَلَى أَنَّ رِقَابَ الْأَرَاضِي لِلْمُسْلِمِينَ، وَيُقِرُّونَ فِيهَا بِمَالٍ يُؤَدُّونَهُ لِسُكْنَاهَا سِوَى الْجِزْيَةِ، فَإِنِ اسْتَثْنَوْا فِي الصُّلْحِ الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ لَمْ يُنْقَضْ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ أَطْلَقُوا وَمَا اسْتَثْنَوْا بِيَعَهُمْ وَكَنَائِسَهُمْ فَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تُنْقَضُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَلَكُوا رِقَابَ الْأَبْنِيَةِ وَالْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ تُغْنَمُ كَمَا تُغْنَمُ الدُّورُ.
وَالثَّانِي: لَا نَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّا شَرَطْنَا تَقْرِيرَهُمْ، وَقَدْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنَ الْمَقَامِ إِلَّا بِتَبْقِيَةِ مُجْتَمَعٍ لَهُمْ فِيمَا يَرَوْنَهُ عِبَادَةً، وَحَقِيقَةُ الْخِلَافِ تَرْجِعُ إِلَى أَنَّ اللَّفْظَ فِي مُطْلَقِ " الصُّلْحِ " هَلْ يَتَنَاوَلُ الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ مَعَ الْقَرَائِنِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا؟
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَفْتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنْ تَكُونَ رِقَابُ الْأَرْضِ لَهُمْ، فَإِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ كَذَلِكَ لَمْ يُتَعَرَّضْ لِلْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ، وَلَوْ أَرَادُوا إِحْدَاثَ كَنَائِسَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ فَإِنَّهُمْ مُنْصَرِفُونَ فِي أَمْلَاكِهِمْ.
وَأَبْعَدَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَمَنَعَهُمْ مِنِ اسْتِحْدَاثِ مَا لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّهُ إِحْدَاثُ بِيعَةٍ فِي بَلَدٍ هِيَ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ ".
213 -
فَصْلٌ
وَأَمَّا أَصْحَابُ مَالِكٍ فَقَالَ فِي " الْجَوَاهِرِ ": إِنْ كَانُوا فِي بَلْدَةٍ بَنَاهَا الْمُسْلِمُونَ فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ بِنَاءِ كَنِيسَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكْنَا رِقْبَةَ بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِهِمْ قَهْرًا، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرَّ فِيهَا كَنِيسَةً بَلْ يَجِبُ نَقْضُ كَنَائِسِهِمْ بِهَا.
أَمَّا إِذَا فُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى أَنْ يَسْكُنُوهَا بِخَرَاجٍ وَرِقْبَةِ الْأَبْنِيَةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَشَرَطُوا إِبْقَاءَ كَنِيسَةٍ، جَازَ.
وَأَمَّا إِنِ افْتُتِحَتْ عَلَى أَنْ تَكُونَ رِقْبَةُ الْبَلَدِ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ خَرَاجٌ وَلَا تُنْقَضُ كَنَائِسُهُمْ، فَذَلِكَ لَهُمْ ثُمَّ يُمْنَعُونَ مِنْ رَمِّهَا.
قَالَ ابْنُ الْمَاجَشُونِ: وَيُمْنَعُونَ مِنْ رَمِّ كَنَائِسِهِمُ الْقَدِيمَةِ إِذَا رَثَّتْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي عَقْدِهِمْ، فَيُوَفَّى لَهُمْ وَيُمْنَعُونَ مِنَ الزِّيَادَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ.
وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ: أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ إِصْلَاحِ مَا وَهَى مِنْهَا، وَإِنَّمَا مُنِعُوا مِنْ إِصْلَاحِ كَنِيسَةٍ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يُرْفَعُ فِيكُمْ يَهُودِيَّةٌ وَلَا نَصْرَانِيَّةٌ» .
فَلَوْ صُولِحُوا عَلَى أَنْ يَتَّخِذُوا الْكَنَائِسَ إِنْ شَاءُوا، فَقَالَ ابْنُ الْمَاجَشُونِ: لَا يَجُوزُ هَذَا الشَّرْطُ. وَيُمْنَعُونَ مِنْهَا إِلَّا فِي بَلَدِهِمُ الَّذِي لَا يَسْكُنُهُ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُمْ فَلَهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوهُ. قَالَ: وَهَذَا فِي أَهْلِ الصُّلْحِ.
فَأَمَّا أَهْلُ الْعَنْوَةِ فَلَا يُتْرَكُ لَهُمْ عِنْدَ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ كَنِيسَةٌ إِلَّا هُدِّمَتْ ثُمَّ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إِحْدَاثِ كَنِيسَةٍ بَعْدُ، وَإِنْ كَانُوا مُعْتَزِلِينَ عَنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ.