الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِحُكْمِ النَّاقِضِينَ لِلْعَهْدِ وَإِنْ كَانَ النَّقْضُ قَدْ وَقَعَ مِنْ بَعْضِهِمْ، وَرَضِيَ الْبَاقُونَ وَكَتَمُوهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُطْلِعُوهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِأَهْلِ مَكَّةَ لَمَّا نَقَضَ بَعْضُهُمْ عَهْدَهُ وَكَتَمَ الْبَاقُونَ وَسَكَتُوا وَلَمْ يُطْلِعُوهُ عَلَى ذَلِكَ أَجْرَى الْجَمِيعَ عَلَى حُكْمِ النَّقْضِ وَغَزَاهُمْ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ.
وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الرِّدَّةِ وَالْمُبَاشِرِ فِي الْجِهَادِ كَذَا، وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمْ سَوَاءٌ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ وَحْدَهُ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبُغَاةِ يَسْتَوِي فِيهِ رَدْؤُهُمْ وَمُبَاشِرَتُهُمْ، وَهَذَا هُوَ مَحْضُ الْفِقْهِ وَالْقِيَاسِ، فَإِنَّ الْمُبَاشِرِينَ إِنَّمَا وَصَلُوا إِلَى الْفِعْلِ بِقُوَّةِ رَدْئِهِمْ فَهُمْ مُشْتَرِكُونَ فِي السَّبَبِ، هَذَا بِالْفِعْلِ وَهَذَا بِالْإِعَانَةِ وَهَذَا بِالْحِفْظِ وَالْحِرَاسَةِ، وَلَا يَجِبُ الِاتِّفَاقُ وَالِاشْتِرَاكُ فِي عَيْنِ كُلِّ سَبَبٍ سُبِّبَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَضْرِبُ نَوَاقِيسَنَا إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا]
223 -
فَصْلٌ
قَوْلُهُمْ: " وَلَا نَضْرِبُ نَوَاقِيسَنَا إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا "
لَمَّا كَانَ الضَّرْبُ بِالنَّاقُوسِ هُوَ شِعَارَ الْكُفْرِ وَعَلَمَهُ الظَّاهِرَ اشْتُرِطَ عَلَيْهِمْ تَرْكُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:" أَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَرَبُ فَلَيْسَ لِلْعَجَمِ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ بَيْعَةً، وَلَا يَضْرِبُوا فِيهِ نَاقُوسًا، وَلَا يَشْرَبُوا فِيهِ خَمْرًا ". ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَتَقَدَّمَ نَصُّهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: " لَيْسَ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنْ يُحْدِثُوا فِي مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْمُسْلِمُونَ بَيْعَةً وَلَا كَنِيسَةً وَلَا يَضْرِبُوا فِيهِ بِنَاقُوسٍ إِلَّا فِيمَا كَانَ لَهُمْ صُلْحًا، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُظْهِرُوا الْخَمْرَ
فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ "
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: " السَّوَادُ فَتْحٌ بِالسَّيْفِ، فَلَا تَكُونُ فِيهِ بَيْعَةٌ وَلَا يُضْرَبُ فِيهِ بِنَاقُوسٍ، وَلَا تُتَّخَذُ فِيهِ الْخَنَازِيرُ، وَلَا يُشْرَبُ فِيهِ الْخَمْرُ، وَلَا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ فِي دُورِهِمْ ".
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: " وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحْدِثُوا بَيْعَةً وَلَا كَنِيسَةً لَمْ تَكُنْ، وَلَا يَضْرِبُوا نَاقُوسًا، وَلَا يَرْفَعُوا صَلِيبًا، وَلَا يُظْهِرُوا خِنْزِيرًا، وَلَا يَرْفَعُوا نَارًا، وَلَا شَيْئًا مِمَّا يَجُوزُ لَهُمْ، وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، السُّلْطَانُ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْإِحْدَاثِ إِذَا كَانَتْ بِلَادُهُمْ فُتِحْتَ عَنْوَةً، وَأَمَّا الصُّلْحُ فَلَهُمْ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ يُوَفَّى لَهُمْ بِهِ. وَقَالَ: الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَلَا يُظْهِرُونَ خَمْرًا ".
وَقَالَ الْخَلَّالُ: فِي " الْجَامِعِ " أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سُفْيَانَ
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ [جَنَّادٍ] ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه: " إِنَّ أَحَقَّ الْأَصْوَاتِ أَنْ تُخْفَضَ أَصْوَاتُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي كَنَائِسِهِمْ ".
وَقَالَ [الْفِرْيَابِيُّ] : حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: " أَنْ لَا يُضْرَبَ بِالنَّاقُوسِ خَارِجًا مِنَ الْكَنِيسَةِ ".
وَقَالَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ " شُرُوطِ عُمَرَ " حَدَّثَنَا طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ الرَّازِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: إِذَا نُقِّسَ بِالنَّاقُوسِ اشْتَدَّ غَضَبُ الرَّحْمَنِ عز وجل فَتَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ فَتَأْخُذُ بِأَقْطَارِ الْأَرْضِ فَلَا تَزَالُ تَقُولُ: (قُلْ هُوَ أَحَدٌ) حَتَّى
يَسْكُنَ غَضَبُ الرَّبِّ عز وجل.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: لِلنَّصَارَى أَنْ يُظْهِرُوا الصَّلِيبَ أَوْ يَضْرِبُوا بِالنَّاقُوسِ؟ قَالَ: " لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُظْهِرُوا شَيْئًا لَمْ يَكُنْ فِي صُلْحِهِمْ ".
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ: " وَلَا يُتْرَكُوا أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي كُلِّ أَحَدٍ، وَلَا يُظْهِرُوا خَمْرًا وَلَا نَاقُوسًا ".
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ: " وَلَا يُتْرَكُوا أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي كُلِّ أَحَدٍ، وَلَا يُظْهِرُوا خَمْرًا وَلَا نَاقُوسًا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ بَنَاهَا الْمُسْلِمُونَ " قِيلَ لَهُ: يَضْرِبُونَ الْخِيَامَ فِي الطَّرِيقِ يَوْمَ الْأَحَدِ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَدِينَةً صُولِحُوا
عَلَيْهَا فَلَهُمْ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ ".
وَقَالَ فِي " النِّهَايَةِ ": وَإِذَا أَبْقَيْنَاهُمْ عَلَى كَنِيسَتِهِمْ فَالْمَذْهَبُ أَنَّا نَمْنَعُهُمْ مِنْ صَوْتِ النَّوَاقِيسِ، فَإِنَّ هَذَا بِمَثَابَةِ إِظْهَارِ الْخُمُورِ وَالْخَنَازِيرِ، وَأَبْعَدَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي تَجْوِيزِ تَمْكِينِهِمْ مِنْ صَوْتِ النَّوَاقِيسِ فَإِنَّهَا مِنْ أَحْكَامِ الْكَنِيسَةِ، وَقَالَ: وَهَذَا غَلَطٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي " كِتَابِ الشُّرُوطِ ": " وَلَا نَضْرِبُ بِالنَّاقُوسِ إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا " فَهَذَا وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ؛ إِذِ النَّاقُوسُ يُعَلَّقُ فِي أَعْلَى الْكَنِيسَةِ كَالْمَنَارَةِ وَيُضْرَبُ بِهِ فَيُسْمَعُ صَوْتُهُ مِنْ بُعْدٍ، فَإِذَا اشْتُرِطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ بِهِ خَفِيًّا فِي جَوْفِ الْكَنِيسَةِ لَمْ يُسْمَعْ لَهُ صَوْتٌ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، فَلِذَلِكَ عَطَّلُوهُ بِالْكُلِّيَّةِ إِذْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ مَقْصُودُهُمْ، وَكَانَ هَذَا الِاشْتِرَاطُ دَاعِيًا لَهُمْ إِلَى تَرْكِهِ.
وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْأَذَانِ نَاقُوسَ النَّصَارَى وَبُوقَ الْيَهُودِ، فَإِنَّهُ دَعْوَةٌ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَوْحِيدُهُ وَعُبُودِيَّتُهُ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ إِعْلَاءً لِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَإِظْهَارًا لِدَعْوَةِ الْحَقِّ وَإِخْمَادًا لِدَعْوَةِ الْكُفْرِ، فَعَوَّضَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْأَذَانِ عَنِ النَّاقُوسِ وَالطُّنْبُورِ كَمَا عَوَّضَهُمْ دُعَاءَ الِاسْتِخَارَةِ عَنِ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ، وَعَوَّضَهُمْ بِالْقُرْآنِ وَسَمَاعِهِ عَنْ قُرْآنِ الشَّيْطَانِ وَسَمَاعِهِ وَهُوَ الْغِنَاءُ وَالْمَعَازِفُ، وَعَوَّضَهُمْ بِالْمُغَالَبَةِ بِالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْبَهَائِمِ عَنِ الْغَلَّابَاتِ الْبَاطِلَةِ كَالنَّرْدِ وَالشَّطْرَنْجِ وَالْقِمَارِ، وَعَوَّضَهُمْ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ عَنِ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ، وَعَوَّضَهُمُ الْجِهَادَ عَنِ السِّيَاحَةِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ، وَعَوَّضَهُمْ بِالنِّكَاحِ عَنِ السِّفَاحِ