المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل إذا نقضوا ما شرطوا على أنفسهم نقض عهدهم] - أحكام أهل الذمة - ط رمادي - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[ذِكْرُ الشُّرُوطِ الْعُمَرِيَّةِ وَأَحْكَامِهَا وَمُوجِبَاتِهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ في أَحْكَامِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وما يتعلق بذلك]

- ‌[الْبِلَادُ الَّتِي تَفَرَّقَ فِيهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ] [

- ‌القسم الأول بِلَادٌ أَنْشَأَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي الْإِسْلَامِ وبَيَانُ بِنَاءِ بَعْضهاِ]

- ‌[فَصْلٌ مَآلُ مَعَابِدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ]

- ‌[القسم الثَّانِي بِلَادٌ أُنْشِئَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَافْتَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً وَمَلَكُوا أَرْضَهَا وَسَاكِنِيهَا]

- ‌[القسم الثَّالِثُ بِلَادٌ أُنْشِئَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَفَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ صُلْحًا]

- ‌[فَصْلٌ زَوَالُ الْأَمَانِ عَنِ الْأَنْفُسِ زَوَالٌ عَنِ الْكَنَائِسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بِنَاءِ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْهَا وَرَمِّ شَعَثِهِ وَذِكْرِ الْخِلَافِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ تَرْمِيمِ الْكَنِيسَةِ وَزِيَادَةِ الْبِنَاءِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ نَقْلُ الْكَنِيسَةِ مِنْ مَكَانٍ لِآخِرِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ أَبْنِيَةِ وَدُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَمَلُّكِ الذِّمِّيِّ بِالْإِحْيَاءِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَمْنَعُ كَنَائِسَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِلُوهَا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْثاني مَا يَتَعَلَّقُ بِإِظْهَارِ الْمُنْكَرِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ مِمَّا نُهُوا عَنْهُ] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُؤْوِي فِيهَا وَلَا فِي مَنَازِلِنَا جَاسُوسًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَكْتُمُ غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَضْرِبُ نَوَاقِيسَنَا إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُظْهِرُ عَلَيْهَا صَلِيبًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِنَا مِمَّا يَحْضُرُهُ الْمُسْلِمُونَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُخْرِجُ صَلِيبًا وَلَا كِتَابًا فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَلَّا نُخْرِجَ بَاعُوثًا وَلَا شَعَانِينَ وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ حُضُورِ أَعْيَادِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُجَاوِرُهُمْ بِالْخَنَازِيرِ وَلَا بِبَيْعِ الْخُمُورِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُجَاوِزُ الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَانَا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا بِبَيْعِ الْخُمُورِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُرَغِّبُ فِي دِينِنَا وَلَا نَدْعُو إِلَيْهِ أَحَدًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَتَّخِذُ مِنَ الرَّقِيقِ الَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُفَادَاةِ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَلَّا نَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَقْرِبَائِنَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْثالث مَا يَتَعَلَّقُ بِتَغْيِيرِ لِبَاسِهِمْ وَتَمْيِيزِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَرْكَبِ وَاللِّبَاسِ وَنَحْوِه] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُم نُلْزِمَ زِيَّنَا حَيْثُمَا كُنَّا وَأَلَّا نَتَشَبَّهَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي لُبْسِ وَلَا فَرْقِ شَعْرٍ وَلَا فِي مَرَاكِبِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا عِمَامَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِصَاصُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِالتَّلَحِّي فِي الْعَمَائِمِ]

- ‌[فَصْلٌ قوْلُهُمْ وَلَا فِي نَعْلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا بِفَرْقِ شَعْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَرْكِهِ وَكَيْفِيَّةِ جَعْلِ شَعْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُرْخَى الشَّعْرُ وَمَتَى يُضَفَّرُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ لِبَاسِ الْأَرْدِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَشَبَّهُ بِالْمُسْلِمِينَ فِي مَرَاكِبِهِمْ وَلَا نَرْكَبُ السُّرُوجَ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَقَلَّدُ السُّيُوفَ]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ الْأَحْكَامِ الَّتِي ضُرِبَتْ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ لَوْنُ لِبَاسِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فَسَادُ ذِمَمِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَكَلَّمُ بِكَلَامِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قولهم وَلَا نَنْقُشُ خَوَاتِيمَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَكَنَّى بِكُنَاهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ خِطَابُ الْكِتَابِيِّ بِسَيِّدِي وَمَوْلَايَ]

- ‌[فَصْلٌ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ كَيْفَ يُكْتَبُ إِلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قولهم وَنُوَقِّرُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَنَقُومُ لَهُمْ عَنِ الْمَجَالِسِ]

- ‌[فَصْلٌ صِيَانَةُ الْقُرْآنِ أَنْ يَحْفَظَهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي أَمْرِ مُعَامَلَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ بِالشَّرِكَةِ وَنَحْوِهَا] [

- ‌فَصْلٌ قَولهم وَلَا يُشَارِكُ أَحَدٌ مِنَّا مُسْلِمًا فِي تِجَارَةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِلَى الْمُسْلِمِ أَمْرُ التِّجَارَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] [

- ‌فَصْلٌ قَولهم وَأَنْ نُضِيفَ كُلَّ مُسْلِمٍ عَابِرِ سَبِيلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنُطْعِمَهُ مِنْ أَوْسَطِ مَا نَجِدُ]

- ‌[فَصْلٌ نُزُولُ الْمَرِيضِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْسادسُ فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَنَّ مَنْ ضَرَبَ مُسْلِمًا فَقَدْ خَلَعَ عَهْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُعْتَبَرُ الذِّمِّيُّ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ بَعْدَ فُجُورِهِ بِمُسْلِمَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا نَقَضُوا مَا شَرَطُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ نُقِضَ عَهْدُهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ طَرِيقٌ ثَالِثٌ فِي نَقْضِهِمُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ لَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَهْدٌ إِلَّا مَا دَامُوا مُسْتَقِيمِينَ لَنَا]

- ‌[فَصْلٌ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِنَكْثِهِمْ أَيْمَانَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ كُلُّ مَنْ طَعَنَ فِي دِينِنَا فَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْهَمُّ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ مُوجِبٌ لِقِتَالِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَمْرُ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ الطَّاعِنِينَ فِي الدِّينِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُحَادُّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانُ مَعْنَى الْكَبْتِ]

- ‌[فَصْلٌ زَوَالُ الْعِصْمَةِ عَنْ نَفْسِ وَمَالِ الْمُؤْذِي لِلَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَدَّ اللَّهُ قِتَالَهُمْ حَتَّى يَنْتَهُوا عَنْ أَسْبَابِ الْفِتْنَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُوَفَّى الْعَهْدُ إِلَيْهِمْ مَا لَمْ يَنْقُصُونَا شَيْئًا مِمَّا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ حُجَّةُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي قَتْلِ السَّابِّ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى شُبْهَةٍ فِي قَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ]

- ‌[فَصْلٌ سَبُّ النَّبِيِّ أَوِ الْأَصْحَابِ]

الفصل: ‌[فصل إذا نقضوا ما شرطوا على أنفسهم نقض عهدهم]

[فَصْلٌ إِذَا نَقَضُوا مَا شَرَطُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ نُقِضَ عَهْدُهُمْ]

262 -

فَصْلٌ

[إِذَا نَقَضُوا مَا شَرَطُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ نُقِضَ عَهْدُهُمْ]

قَالُوا: " ضَمِنَّا لَكَ ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِنَا وَذَرَارِيِّنَا وَأَزْوَاجِنَا وَمَسَاكِينِنَا، وَإِنْ نَحْنُ غَيَّرْنَا أَوْ خَالَفْنَا عَمَّا شَرَطْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَقَبِلْنَا الْأَمَانَ عَلَيْهِ فَلَا ذِمَّةَ لَنَا، وَقَدْ حَلَّ لَكَ مِنَّا مَا يَحِلُّ لِأَهْلِ الْمُعَانَدَةِ وَالشِّقَاقِ ".

هَذَا اللَّفْظُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ مَتَى خَالَفُوا شَيْئًا مِمَّا عُوهِدُوا عَلَيْهِ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ، فَإِنَّ الدَّمَ مُبَاحٌ بِدُونِ الْعَهْدِ، وَالْعَهْدُ عَقْدٌ مِنَ الْعُقُودِ، فَإِذَا لَمْ يَفِ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِمَا عَاقَدَ عَلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بِذَلِكَ أَوْ يَتَمَكَّنَ الْعَاقِدُ الْآخَرُ مِنْ فَسْخِهِ، هَذَا أَصْلٌ مُقَرَّرٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ [وَالْهِبَةِ] وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْعُقُودِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ ظَاهِرَةٌ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا [الْتَزَمَ مَا] الْتَزَمَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَلْتَزِمَ الْآخَرُ بِمَا الْتَزَمَهُ، فَإِذَا لَمْ [يَلْتَزِمْ] لَهُ الْآخَرُ صَارَ هَذَا غَيْرَ مُلْتَزِمٍ، فَإِنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ مِثْلِهِ.

إِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَإِنْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حَقًّا لِلْعَاقِدِ بِحَيْثُ لَهُ أَنْ يَبْذُلَهُ بِدُونِ

ص: 1354

الشَّرْطِ لَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ بِفَوَاتِ الشَّرْطِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ كَمَا إِذَا شَرَطَ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا [أَوْ صِفَةً] فِي الْبَيْعِ - وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَهُ

[أَوْ] لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَتَصَرَّفُ لَهُ بِالْوِلَايَةِ وَنَحْوِهَا - لَمْ يَجُزْ لَهُ إِمْضَاءُ الْعَقْدِ، بَلْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ فَسْخُهُ، كَمَا إِذَا شَرَطَ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ حُرَّةً فَظَهَرَتْ أَمَةً وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، أَوْ شَرَطَتْ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا فَبَانَ كَافِرًا، أَوْ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً فَبَانَتْ وَثَنِيَّةً.

وَعَقْدُ الذِّمَّةِ لَيْسَ هُوَ حَقًّا لِلْإِمَامِ، بَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا خَالَفُوا شَيْئًا مِمَّا شُرِطَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ قِيلَ: يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ، وَفَسْخُهُ أَنْ يُلْحِقَهُ بِمَأْمَنِهِ وَيُخْرِجَهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ ظَنًّا أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِ الْمُخَالَفَةِ بَلْ يَجِبُ فَسْخُهُ.

قَالَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ إِذَا كَانَتْ حَقًّا لِلَّهِ - لَا لِلْعَاقِدِ - انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِفَوَاتِهِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ.

[وَهَذِهِ الشُّرُوطُ] عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ حَقٌّ لِلَّهِ، لَا يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ، وَيُمَكِّنَهُمْ مِنَ الْمُقَامِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ إِلَّا إِذَا الْتَزَمُوهَا، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ قِتَالُهُمْ بِنَصِّ الْقُرْآنِ.

ص: 1355

قُلْتُ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يُنْتَقَضُ بِهِ الْعَهْدُ وَمَا لَا يُنْتَقَضُ، وَفِي هَذِهِ الشُّرُوطِ هَلْ يَجْرِي حُكْمُهَا عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا إِمَامُ الْوَقْتِ اكْتِفَاءً بِشَرْطِ عُمَرَ رضي الله عنه، أَوْ لَا بُدَّ مِنِ اشْتِرَاطِ الْإِمَامِ لَهَا فِي حُكْمِهِمْ إِذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ؟ فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

ص: 1356

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى

فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ وَمَا لَا يَنْقُضُهُ.

وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَذَاهِبَ الْأَئِمَّةِ وَمَا قَالَهُ أَتْبَاعُهُمْ فِي ذَلِكَ

ذِكْرُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ:

قَدْ ذَكَرْنَا نُصُوصَهُ فِي انْتِقَاضِ الْعَهْدِ بِالزِّنَى بِالْمُسْلِمَةِ.

ذِكْرُ قَوْلِهِ فِي انْتِقَاضِ الْعَهْدِ بِسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

قَالَ الْخَلَّالُ (بَابٌ فِيمَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم)

ص: 1357

أَخْبَرَنِي عِصْمَةُ بْنُ عِصَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كُلُّ مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوِ انْتَقَصَهُ - مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا - فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ.

أَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ: أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ شَتْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يُقْتَلُ؛ قَدْ نَقَضَ الْعَهْدَ.

ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ طَرِيقِ حَنْبَلٍ وَعَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ مَرَّ بِهِ رَاهِبٌ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا يَسُبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ سَمِعْتُهُ لَقَتَلْتُهُ أَنَا، لَمْ نُعْطِهِمُ الذِّمَّةَ عَلَى أَنْ يَسُبُّوا نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم.

قَالَ حَنْبَلٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كُلُّ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ وَأَحْدَثَ فِي الْإِسْلَامِ حَدَثًا مِثْلَ هَذَا رَأَيْتُ عَلَيْهِ الْقَتْلَ، لَيْسَ عَلَى هَذَا أُعْطُوا الْعَهْدَ وَالذِّمَّةَ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْخَلَّالُ الْآثَارَ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي قَتْلِهِ.

ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَّ أَبَا الصَّقْرِ حَدَّثَهُمْ قَالَ: سَأَلْتُ

ص: 1358

أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ شَتَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَاذَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ؛ يُقْتَلُ مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا.

أَخْبَرَنِي حَرْبٌ قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ شَتَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يُقْتَلُ.

ذِكْرُ قَوْلِهِ فِيمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الرَّبِّ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ:

قَالَ الْخَلَّالُ (بَابٌ فِيمَنْ تَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذِكْرِ الرَّبِّ تبارك وتعالى يُرِيدُ تَكْذِيبًا أَوْ غَيْرَهُ)

أَخْبَرَنِي عِصْمَةُ بْنُ عِصَامٍ، حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُلُّ مَنْ ذَكَرَ شَيْئًا يَعْرِضُ بِهِ بِذِكْرِ الرَّبِّ تبارك وتعالى فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا. قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

أَخْبَرَنِي مَنْصُورُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ يَهُودِيٍّ مَرَّ بِمُؤَذِّنٍ وَهُوَ يُؤَذِّنُ فَقَالَ لَهُ: كَذَبْتَ، فَقَالَ: يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ شَتَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.

ص: 1359

قَالَ شَيْخُنَا: وَأَقْوَالُ أَحْمَدَ كُلُّهَا نَصٌّ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ، وَفِي أَنَّهُ قَدْ نَقَضَ الْعَهْدَ، وَلَيْسَ عَنْهُ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ.

وَكَذَلِكَ ذَكَرَ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ، مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ، لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ فِي " الْمُجَرَّدِ " ذَكَرَ الْأَشْيَاءَ الَّتِي يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ تَرْكُهَا وَفِيهَا ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَآحَادِهِمْ فِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَهِيَ: الْإِعَانَةُ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَتْلِ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَةِ، وَقَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يُؤْوِيَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جَاسُوسًا، وَأَنْ يُعِينَ عَلَيْهِمْ بِدَلَالَةٍ، مِثْلَ أَنْ يُكَاتِبَ الْمُشْرِكِينَ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَزْنِيَ بِمُسْلِمَةٍ أَوْ يُصِيبَهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ، وَأَنْ يَفْتِنَ مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ.

قَالَ: فَعَلَيْهِ الْكَفُّ عَنْ هَذَا شُرِطَ أَوْ لَمْ يُشْرَطْ، فَإِنْ خَالَفَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ، وَذَكَرَ نُصُوصَ أَحْمَدَ فِي نَقْضِهَا مِثْلَ نَصِّهِ فِي الزِّنَى بِمُسْلِمَةٍ، وَفِي التَّجَسُّسِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَقَتْلِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ [عَبْدًا]- كَمَا ذَكَرَ الْخِرَقِيُّ - ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّهُ فِي قَذْفِ الْمُسْلِمِ: عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ بَلْ يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ.

ص: 1360

قَالَ:

[فَتُخَرَّجُ] الْمَسْأَلَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ذِكْرَهُ اللَّهَ وَكِتَابَهُ وَدِينَهُ وَرَسُولَهُ بِمَا لَا يَنْبَغِي.

قَالَ: فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ، الْحُكْمُ فِيهَا كَالْحُكْمِ فِي الثَّمَانِيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، لَيْسَ ذِكْرُهَا شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فَإِنْ [أَتَوْا] وَاحِدَةً مِنْهَا نَقَضُوا الْأَمَانَ، سَوَاءٌ كَانَ مَشْرُوطًا فِي الْعَهْدِ أَوْ لَمْ يَكُنْ.

وَكَذَلِكَ قَالَ فِي " التَّعْلِيقِ " بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ.

قَالَ: وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ إِلَّا بِالِامْتِنَاعِ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ وَجَرْيِ أَحْكَامِنَا عَلَيْهِمْ.

ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا قَذَفَ الْمُسْلِمَ يُضْرَبُ، قَالَ: فَلَمْ يَجْعَلْهُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ بِقَذْفِ الْمُسْلِمِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ عَلَيْهِ بِهَتْكِ عِرْضِهِ.

ص: 1361

وَتَبِعَ الْقَاضِيَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَالشَّرِيفِ [أَبِي جَعْفَرٍ] وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْحُلْوَانِيِّ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُمْ إِذَا امْتَنَعُوا مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَالْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، وَذَكَرُوا - فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ الَّتِي فِيهَا الضَّرَرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَآحَادِهِمْ فِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فِيهَا غَضَاضَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ، مِثْلَ سَبِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا مَعَهُ - رِوَايَتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: يَنْتَقِضُ الْعَهْدُ.

وَالْأُخْرَى: لَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ وَيُقَامُ فِيهِ الْحَدُّ مَعَ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِذَلِكَ.

ص: 1362

ثُمَّ إِنَّ الْقَاضِيَ وَالْأَكْثَرِينَ لَمْ يَعُدُّوا قَذْفَ الْمُسْلِمِ مِنَ الْأُمُورِ الْمُضِرَّةِ النَّاقِضَةِ، مَعَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْمُخَرَّجَةَ إِنَّمَا خَرَجَتْ مِنْ نَصِّهِ فِي الْقَذْفِ.

وَأَمَّا أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ تَبِعَهُ فَإِنَّهُمْ نَقَلُوا حُكْمَ تِلْكَ الْخِصَالِ إِلَى الْقَذْفِ، كَمَا نَقَلُوا حُكْمَ الْقَذْفِ إِلَيْهَا حَتَّى حَكَوْا فِي انْتِقَاضِ الْعَهْدِ بِالْقَذْفِ رِوَايَتَيْنِ، ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ وَسَائِرَ الْأَصْحَابِ ذَكَرُوا مَسْأَلَةَ سَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَذَكَرُوا أَنَّ سَابَّهُ يُقْتَلُ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا، وَأَنَّ عَهْدَهُ يُنْتَقَضُ، وَذَكَرُوا نُصُوصَ أَحْمَدَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ إِلَّا أَنَّ الْحُلْوَانِيَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يُقْتَلَ مَنْ سَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِذَا كَانَ ذِمِّيًّا.

ص: 1363