المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل انتقاض العهد بنكثهم أيمانهم] - أحكام أهل الذمة - ط رمادي - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[ذِكْرُ الشُّرُوطِ الْعُمَرِيَّةِ وَأَحْكَامِهَا وَمُوجِبَاتِهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ في أَحْكَامِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وما يتعلق بذلك]

- ‌[الْبِلَادُ الَّتِي تَفَرَّقَ فِيهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ] [

- ‌القسم الأول بِلَادٌ أَنْشَأَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي الْإِسْلَامِ وبَيَانُ بِنَاءِ بَعْضهاِ]

- ‌[فَصْلٌ مَآلُ مَعَابِدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ]

- ‌[القسم الثَّانِي بِلَادٌ أُنْشِئَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَافْتَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً وَمَلَكُوا أَرْضَهَا وَسَاكِنِيهَا]

- ‌[القسم الثَّالِثُ بِلَادٌ أُنْشِئَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَفَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ صُلْحًا]

- ‌[فَصْلٌ زَوَالُ الْأَمَانِ عَنِ الْأَنْفُسِ زَوَالٌ عَنِ الْكَنَائِسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بِنَاءِ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْهَا وَرَمِّ شَعَثِهِ وَذِكْرِ الْخِلَافِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ تَرْمِيمِ الْكَنِيسَةِ وَزِيَادَةِ الْبِنَاءِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ نَقْلُ الْكَنِيسَةِ مِنْ مَكَانٍ لِآخِرِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ أَبْنِيَةِ وَدُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَمَلُّكِ الذِّمِّيِّ بِالْإِحْيَاءِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَمْنَعُ كَنَائِسَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِلُوهَا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْثاني مَا يَتَعَلَّقُ بِإِظْهَارِ الْمُنْكَرِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ مِمَّا نُهُوا عَنْهُ] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُؤْوِي فِيهَا وَلَا فِي مَنَازِلِنَا جَاسُوسًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَكْتُمُ غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَضْرِبُ نَوَاقِيسَنَا إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُظْهِرُ عَلَيْهَا صَلِيبًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِنَا مِمَّا يَحْضُرُهُ الْمُسْلِمُونَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُخْرِجُ صَلِيبًا وَلَا كِتَابًا فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَلَّا نُخْرِجَ بَاعُوثًا وَلَا شَعَانِينَ وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ حُضُورِ أَعْيَادِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُجَاوِرُهُمْ بِالْخَنَازِيرِ وَلَا بِبَيْعِ الْخُمُورِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُجَاوِزُ الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَانَا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا بِبَيْعِ الْخُمُورِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُرَغِّبُ فِي دِينِنَا وَلَا نَدْعُو إِلَيْهِ أَحَدًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَتَّخِذُ مِنَ الرَّقِيقِ الَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُفَادَاةِ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَلَّا نَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَقْرِبَائِنَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْثالث مَا يَتَعَلَّقُ بِتَغْيِيرِ لِبَاسِهِمْ وَتَمْيِيزِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَرْكَبِ وَاللِّبَاسِ وَنَحْوِه] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُم نُلْزِمَ زِيَّنَا حَيْثُمَا كُنَّا وَأَلَّا نَتَشَبَّهَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي لُبْسِ وَلَا فَرْقِ شَعْرٍ وَلَا فِي مَرَاكِبِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا عِمَامَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِصَاصُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِالتَّلَحِّي فِي الْعَمَائِمِ]

- ‌[فَصْلٌ قوْلُهُمْ وَلَا فِي نَعْلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا بِفَرْقِ شَعْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَرْكِهِ وَكَيْفِيَّةِ جَعْلِ شَعْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُرْخَى الشَّعْرُ وَمَتَى يُضَفَّرُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ لِبَاسِ الْأَرْدِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَشَبَّهُ بِالْمُسْلِمِينَ فِي مَرَاكِبِهِمْ وَلَا نَرْكَبُ السُّرُوجَ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَقَلَّدُ السُّيُوفَ]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ الْأَحْكَامِ الَّتِي ضُرِبَتْ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ لَوْنُ لِبَاسِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فَسَادُ ذِمَمِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَكَلَّمُ بِكَلَامِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قولهم وَلَا نَنْقُشُ خَوَاتِيمَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَكَنَّى بِكُنَاهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ خِطَابُ الْكِتَابِيِّ بِسَيِّدِي وَمَوْلَايَ]

- ‌[فَصْلٌ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ كَيْفَ يُكْتَبُ إِلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قولهم وَنُوَقِّرُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَنَقُومُ لَهُمْ عَنِ الْمَجَالِسِ]

- ‌[فَصْلٌ صِيَانَةُ الْقُرْآنِ أَنْ يَحْفَظَهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي أَمْرِ مُعَامَلَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ بِالشَّرِكَةِ وَنَحْوِهَا] [

- ‌فَصْلٌ قَولهم وَلَا يُشَارِكُ أَحَدٌ مِنَّا مُسْلِمًا فِي تِجَارَةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِلَى الْمُسْلِمِ أَمْرُ التِّجَارَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] [

- ‌فَصْلٌ قَولهم وَأَنْ نُضِيفَ كُلَّ مُسْلِمٍ عَابِرِ سَبِيلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنُطْعِمَهُ مِنْ أَوْسَطِ مَا نَجِدُ]

- ‌[فَصْلٌ نُزُولُ الْمَرِيضِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْسادسُ فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَنَّ مَنْ ضَرَبَ مُسْلِمًا فَقَدْ خَلَعَ عَهْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُعْتَبَرُ الذِّمِّيُّ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ بَعْدَ فُجُورِهِ بِمُسْلِمَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا نَقَضُوا مَا شَرَطُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ نُقِضَ عَهْدُهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ طَرِيقٌ ثَالِثٌ فِي نَقْضِهِمُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ لَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَهْدٌ إِلَّا مَا دَامُوا مُسْتَقِيمِينَ لَنَا]

- ‌[فَصْلٌ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِنَكْثِهِمْ أَيْمَانَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ كُلُّ مَنْ طَعَنَ فِي دِينِنَا فَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْهَمُّ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ مُوجِبٌ لِقِتَالِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَمْرُ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ الطَّاعِنِينَ فِي الدِّينِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُحَادُّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانُ مَعْنَى الْكَبْتِ]

- ‌[فَصْلٌ زَوَالُ الْعِصْمَةِ عَنْ نَفْسِ وَمَالِ الْمُؤْذِي لِلَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَدَّ اللَّهُ قِتَالَهُمْ حَتَّى يَنْتَهُوا عَنْ أَسْبَابِ الْفِتْنَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُوَفَّى الْعَهْدُ إِلَيْهِمْ مَا لَمْ يَنْقُصُونَا شَيْئًا مِمَّا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ حُجَّةُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي قَتْلِ السَّابِّ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى شُبْهَةٍ فِي قَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ]

- ‌[فَصْلٌ سَبُّ النَّبِيِّ أَوِ الْأَصْحَابِ]

الفصل: ‌[فصل انتقاض العهد بنكثهم أيمانهم]

أَيْ: كَيْفَ يَكُونُ لَهُمْ عَهْدٌ وَلَوْ ظَهَرُوا عَلَيْكُمْ لَمْ يَرْقُبُوا الرَّحِمَ الَّتِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ وَلَا الْعَهْدَ، فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ كَانَتْ حَالَتُهُ أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ لَمْ يَرْقُبْ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مِنَ الْعَهْدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ، وَمَنْ جَاهَرَنَا بِالطَّعْنِ فِي دِينِنَا وَسَبِّ رَبِّنَا وَنَبِيِّنَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ عَلَيْنَا لَمْ يَرْقُبِ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ هَذَا فِعْلُهُ مَعَ وُجُودِ الْعَهْدِ وَالذِّلَّةِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالدَّوْلَةِ؟ وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُظْهِرْ لَنَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَفِيَ لَنَا بِالْعَهْدِ وَلَوْ ظَهَرَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَالْآيَةُ إِنَّمَا هِيَ فِي أَهْلِ الْهُدْنَةِ الْمُقِيمِينَ فِي دَارِهِمْ، قِيلَ: الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَفْظَهَا أَعَمُّ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا إِذَا كَانَ مَعْنَاهَا فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ الْمُقِيمِينَ بِدَارِهِمْ فَثُبُوتُهُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ الْمُقِيمِينَ بِدَارِنَا أَوْلَى وَأَحْرَى.

[فَصْلٌ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِنَكْثِهِمْ أَيْمَانَهُمْ]

268 -

فَصْلٌ

[انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِنَكْثِهِمْ أَيْمَانَهُمْ] .

الدَّلِيلُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12] فَأَمَرَ سُبْحَانَهُ بِقِتَالِ مَنْ نَكَثَ

ص: 1380

يَمِينَهُ؛ أَيْ: عَهْدَهُ الَّذِي عَاهَدَنَا عَلَيْهِ مِنَ الْكَفِّ عَنْ أَذَانَا وَالطَّعْنِ فِي دِينِنَا، وَجَعَلَ عِلَّةَ قِتَالِهِ ذَلِكَ، وَعَطَفَ الطَّعْنَ فِي الدِّينِ عَلَى نَكْثِ الْعَهْدِ وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ بَيَانًا أَنَّهُ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِتَالِ، وَلِهَذَا تُغَلَّظُ عَلَى صَاحِبِهِ الْعُقُوبَةُ، وَهَذِهِ كَانَتْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ كَانَ يُهْدِرُ دِمَاءَ مَنْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَطَعَنَ فِي الدِّينِ وَيُمْسِكُ عَنْ غَيْرِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ وَطَعَنَ فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ يُقَاتَلُ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ مَنْ طَعَنَ فِي الدِّينِ وَلَمْ يَنْقُضِ الْعَهْدَ لَمْ يُقَاتَلْ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِوَصْفَيْنِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا، فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفَيْنِ الْمُتَلَازِمَيْنِ الَّذِي لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، فَمَتَى تَحَقَّقَ أَحَدُهُمَا تَحَقَّقَ الْآخَرُ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: 115]، وَكَقَوْلِهِ:{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} [البقرة: 42]، وَقَوْلِهِ:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 14] وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا، فَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ عَلَى الْعَهْدِ مَعَ الطَّعْنِ فِي دِينِنَا بَلْ إِمْكَانُ بَقَائِهِ عَلَى الْعَهْدِ دِينًا أَقْرَبُ

ص: 1381

مِنْ بَقَائِهِ عَلَى الْعَهْدِ مَعَ الْمُجَاهَرَةِ بِالطَّعْنِ فِي الدِّينِ، بَلْ إِنْ أَمْكَنَ بَقَاؤُهُ عَلَى الْعَهْدِ مَعَ الْمُجَاهَرَةِ بِالطَّعْنِ فِي الدِّينِ وَسُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَمْكَنَ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ مَعَ الْمُحَارَبَةِ بِالْيَدِ وَمَنْعِ إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، وَهَذَا وَاضِحٌ لَا خَفَاءَ بِهِ.

الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ صِفَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ مَا يُبَيَّنُ فِي الْحُكْمِ، وَإِلَّا فَالْوَصْفُ الْعَدِيمُ التَّأْثِيرِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: مَنْ أَكَلَ وَزَنَى حُدَّ، ثُمَّ قَدْ تَكُونُ كُلُّ صِفَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ بِالتَّأْثِيرِ لَوِ انْفَرَدَتْ، كَمَا يُقَالُ: يُقْتَلُ هَذَا لِأَنَّهُ زَانٍ مُرْتَدٌّ. وَقَدْ يَكُونُ مَجْمُوعُ الْجَزَاءِ مُرَتَّبًا عَلَى الْمَجْمُوعِ، وَلِكُلِّ وَصْفٍ تَأْثِيرٌ فِي الْبَعْضِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68] .

وَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الصِّفَاتُ مُتَلَازِمَةً، كُلٌّ مِنْهَا لَوْ فُرِضَ تَجَرُّدُهُ لَكَانَ مُؤَثِّرًا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ، فَيُذْكَرُ إِيضَاحًا وَبَيَانًا لِلْمُوجِبِ.

وَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الصِّفَاتُ مُتَلَازِمَةً، كُلٌّ مِنْهَا لَوْ فُرِضَ تَجَرُّدُهُ لَكَانَ مُؤَثِّرًا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ، فَيُذْكَرُ إِيضَاحًا وَبَيَانًا لِلْمُوجِبِ.

وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهَا مُسْتَلْزِمًا لِلْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقِّ} [آل عمران: 21] وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَيِّ الْأَقْسَامِ فُرِضَتْ كَانَتْ دَلِيلًا؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُقَالُ: إِنَّ نَقْضَ الْعَهْدِ هُوَ الْمُبِيحُ لِلْقِتَالِ وَالطَّعْنِ فِي الدِّينِ مُؤَكِّدٌ لَهُ مُوجِبٌ لَهُ، فَنَقُولُ إِذَا كَانَ الطَّعْنُ يُغَلِّظُ قِتَالَ مَنْ لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ وَيُوجِبُهُ؛ فَلِأَنْ يُوجِبَ قَتْلَ مَنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ ذِمَّةٌ - وَهُوَ مُلْتَزِمٌ لِلصَّغَارِ - أَوْلَى، فَإِنَّ الْمُعَاهِدَ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ

ص: 1382

فِي دَارِهِ مَا شَاءَ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ، وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ شَيْئًا مِنْ دِينِهِ الْبَاطِلِ.

الْجَوَابُ الثَّالِثُ: أَنَّ مُجَرَّدَ نَكْثِ الْأَيْمَانِ مُقْتَضٍ لِلْمُقَاتَلَةِ وَلَوْ تَجَرَّدَ عَنِ الطَّعْنِ فِي الدِّينِ، وَضَرَرُهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الطَّعْنِ فِي الدِّينِ عَلَيْنَا، فَإِذَا كَانَ أَيْسَرُ الْأَمْرَيْنِ مُقْتَضِيًا لِلْمُقَاتَلَةِ فَكَيْفَ بِأَشَدِّهِمَا؟

الْجَوَابُ الرَّابِعُ: أَنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا سَبَّ اللَّهَ وَالرَّسُولَ أَوْ عَابَ الْإِسْلَامَ عَلَانِيَةً فَقَدْ نَكَثَ يَمِينَهُ وَطَعَنَ فِي دِينِنَا، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يَرْدَعُهُ وَيُنَكَّلُ بِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُعَاهِدْنَا عَلَيْهِ؛ إِذْ لَوْ كَانَ مُعَاهَدًا عَلَيْهِ لَمْ تَجُزْ عُقُوبَتُهُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُعَاقَبُ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِذَا كُنَّا عَاهَدْنَاهُ عَلَى أَلَّا يَطْعَنَ فِي دِينِنَا ثُمَّ طَعَنَ فَقَدْ نَكَثَ يَمِينَهُ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِ، فَيَجِبُ قَتْلُهُ بِنَصِّ الْآيَةِ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذِهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْمُنَازِعَ سَلَّمَ لَنَا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ بِالْعَهْدِ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ لَكِنَّهُ يَقُولُ: " لَيْسَ كُلُّ مَا مُنِعَ مِنْهُ يَنْقُضُ عَهْدَهُ كَإِظْهَارِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ". وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ فِعْلُ مَا مَنَعَ مِنْهُ الْعَهْدُ مِمَّا لَا يَضُرُّ بِنَا ضَرَرًا بَيِّنًا، كَتَرْكِ الْغِيَارِ مَثَلًا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَإِظْهَارِ الْخِنْزِيرِ، وَبَيْنَ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ فِعْلُ مَا مُنِعَ مِنْهُ الْعَهْدُ مِمَّا فِيهِ غَايَةُ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِينَ وَبِالدِّينِ، فَإِلْحَاقُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بَاطِلٌ.

يُوَضِّحُ ذَلِكَ الْجَوَابُ الْخَامِسُ: أَنَّ النَّكْثَ هُوَ مُخَالَفَةُ الْعَهْدِ، فَمَتَى

ص: 1383

خَالَفُوا شَيْئًا مِمَّا صُولِحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ نَكْثٌ مَأْخُوذٌ مِنْ نَكْثِ الْحَبْلِ وَهُوَ نَقْضُ قُوَاهُ، وَنَكْثُ الْحَبْلِ يَحْصُلُ بِنَقْضِ قُوَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا يَحْصُلُ بِنَقْضِ جَمِيعِ الْقُوَى، لَكِنْ قَدْ يَبْقَى مِنْ [قُوَاهُ مَا [يَتَمَسَّكُ بِهِ الْحَبْلُ، وَقَدْ يَهِنُ بِالْكُلِّيَّةِ.

وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ مِنَ الْمُعَاهِدِ قَدْ تُبْطِلُ الْعَهْدَ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى تَجْعَلَهُ حَرْبِيًّا، وَقَدْ تُشَعِّثُ الْعَهْدَ حَتَّى تُبِيحَ عُقُوبَتَهُمْ، كَمَا أَنَّ فَقْدَ بَعْضِ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا قَدْ يُبْطِلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ يُبِيحُ الْفَسْخَ وَالْإِمْسَاكَ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: " يَنْتَقِضُ الْعَهْدُ بِجَمِيعِ الْمُخَالَفَاتِ ". فَظَاهِرٌ عَلَى قَوْلٍ قَالَهُ الْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ ".

وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِأَنَّهُمْ لَوْ أَظْهَرُوا مُنْكَرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِثْلَ: إِحْدَاثِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَرَفْعِ الْأَصْوَاتِ بِكُتُبِهِمْ وَالضَّرْبِ بِالنَّوَاقِيسِ وَإِطَالَةِ الْبِنَاءِ عَلَى أَبْنِيَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِظْهَارِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَكَذَلِكَ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ تَرْكُهُ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالْمُسْلِمِينَ فِي مَلْبُوسِهِمْ وَمَرْكُوبِهِمْ وَشُعُورِهِمْ وَكُنَاهُمْ.

ص: 1384