المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل ما يترتب على نقض العهد] - أحكام أهل الذمة - ط رمادي - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[ذِكْرُ الشُّرُوطِ الْعُمَرِيَّةِ وَأَحْكَامِهَا وَمُوجِبَاتِهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ في أَحْكَامِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وما يتعلق بذلك]

- ‌[الْبِلَادُ الَّتِي تَفَرَّقَ فِيهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ] [

- ‌القسم الأول بِلَادٌ أَنْشَأَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي الْإِسْلَامِ وبَيَانُ بِنَاءِ بَعْضهاِ]

- ‌[فَصْلٌ مَآلُ مَعَابِدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ]

- ‌[القسم الثَّانِي بِلَادٌ أُنْشِئَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَافْتَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً وَمَلَكُوا أَرْضَهَا وَسَاكِنِيهَا]

- ‌[القسم الثَّالِثُ بِلَادٌ أُنْشِئَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَفَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ صُلْحًا]

- ‌[فَصْلٌ زَوَالُ الْأَمَانِ عَنِ الْأَنْفُسِ زَوَالٌ عَنِ الْكَنَائِسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بِنَاءِ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْهَا وَرَمِّ شَعَثِهِ وَذِكْرِ الْخِلَافِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ تَرْمِيمِ الْكَنِيسَةِ وَزِيَادَةِ الْبِنَاءِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ نَقْلُ الْكَنِيسَةِ مِنْ مَكَانٍ لِآخِرِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ أَبْنِيَةِ وَدُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَمَلُّكِ الذِّمِّيِّ بِالْإِحْيَاءِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَمْنَعُ كَنَائِسَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِلُوهَا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْثاني مَا يَتَعَلَّقُ بِإِظْهَارِ الْمُنْكَرِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ مِمَّا نُهُوا عَنْهُ] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُؤْوِي فِيهَا وَلَا فِي مَنَازِلِنَا جَاسُوسًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَكْتُمُ غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَضْرِبُ نَوَاقِيسَنَا إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُظْهِرُ عَلَيْهَا صَلِيبًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِنَا مِمَّا يَحْضُرُهُ الْمُسْلِمُونَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُخْرِجُ صَلِيبًا وَلَا كِتَابًا فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَلَّا نُخْرِجَ بَاعُوثًا وَلَا شَعَانِينَ وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ حُضُورِ أَعْيَادِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُجَاوِرُهُمْ بِالْخَنَازِيرِ وَلَا بِبَيْعِ الْخُمُورِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُجَاوِزُ الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَانَا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا بِبَيْعِ الْخُمُورِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُرَغِّبُ فِي دِينِنَا وَلَا نَدْعُو إِلَيْهِ أَحَدًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَتَّخِذُ مِنَ الرَّقِيقِ الَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُفَادَاةِ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَلَّا نَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَقْرِبَائِنَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْثالث مَا يَتَعَلَّقُ بِتَغْيِيرِ لِبَاسِهِمْ وَتَمْيِيزِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَرْكَبِ وَاللِّبَاسِ وَنَحْوِه] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُم نُلْزِمَ زِيَّنَا حَيْثُمَا كُنَّا وَأَلَّا نَتَشَبَّهَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي لُبْسِ وَلَا فَرْقِ شَعْرٍ وَلَا فِي مَرَاكِبِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا عِمَامَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِصَاصُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِالتَّلَحِّي فِي الْعَمَائِمِ]

- ‌[فَصْلٌ قوْلُهُمْ وَلَا فِي نَعْلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا بِفَرْقِ شَعْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَرْكِهِ وَكَيْفِيَّةِ جَعْلِ شَعْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُرْخَى الشَّعْرُ وَمَتَى يُضَفَّرُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ لِبَاسِ الْأَرْدِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَشَبَّهُ بِالْمُسْلِمِينَ فِي مَرَاكِبِهِمْ وَلَا نَرْكَبُ السُّرُوجَ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَقَلَّدُ السُّيُوفَ]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ الْأَحْكَامِ الَّتِي ضُرِبَتْ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ لَوْنُ لِبَاسِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فَسَادُ ذِمَمِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَكَلَّمُ بِكَلَامِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قولهم وَلَا نَنْقُشُ خَوَاتِيمَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَكَنَّى بِكُنَاهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ خِطَابُ الْكِتَابِيِّ بِسَيِّدِي وَمَوْلَايَ]

- ‌[فَصْلٌ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ كَيْفَ يُكْتَبُ إِلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قولهم وَنُوَقِّرُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَنَقُومُ لَهُمْ عَنِ الْمَجَالِسِ]

- ‌[فَصْلٌ صِيَانَةُ الْقُرْآنِ أَنْ يَحْفَظَهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي أَمْرِ مُعَامَلَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ بِالشَّرِكَةِ وَنَحْوِهَا] [

- ‌فَصْلٌ قَولهم وَلَا يُشَارِكُ أَحَدٌ مِنَّا مُسْلِمًا فِي تِجَارَةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِلَى الْمُسْلِمِ أَمْرُ التِّجَارَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] [

- ‌فَصْلٌ قَولهم وَأَنْ نُضِيفَ كُلَّ مُسْلِمٍ عَابِرِ سَبِيلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنُطْعِمَهُ مِنْ أَوْسَطِ مَا نَجِدُ]

- ‌[فَصْلٌ نُزُولُ الْمَرِيضِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْسادسُ فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَنَّ مَنْ ضَرَبَ مُسْلِمًا فَقَدْ خَلَعَ عَهْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُعْتَبَرُ الذِّمِّيُّ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ بَعْدَ فُجُورِهِ بِمُسْلِمَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا نَقَضُوا مَا شَرَطُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ نُقِضَ عَهْدُهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ طَرِيقٌ ثَالِثٌ فِي نَقْضِهِمُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ لَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَهْدٌ إِلَّا مَا دَامُوا مُسْتَقِيمِينَ لَنَا]

- ‌[فَصْلٌ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِنَكْثِهِمْ أَيْمَانَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ كُلُّ مَنْ طَعَنَ فِي دِينِنَا فَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْهَمُّ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ مُوجِبٌ لِقِتَالِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَمْرُ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ الطَّاعِنِينَ فِي الدِّينِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُحَادُّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانُ مَعْنَى الْكَبْتِ]

- ‌[فَصْلٌ زَوَالُ الْعِصْمَةِ عَنْ نَفْسِ وَمَالِ الْمُؤْذِي لِلَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَدَّ اللَّهُ قِتَالَهُمْ حَتَّى يَنْتَهُوا عَنْ أَسْبَابِ الْفِتْنَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُوَفَّى الْعَهْدُ إِلَيْهِمْ مَا لَمْ يَنْقُصُونَا شَيْئًا مِمَّا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ حُجَّةُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي قَتْلِ السَّابِّ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى شُبْهَةٍ فِي قَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ]

- ‌[فَصْلٌ سَبُّ النَّبِيِّ أَوِ الْأَصْحَابِ]

الفصل: ‌[فصل ما يترتب على نقض العهد]

الْمُعَاوَضَةِ بِإِقْرَارِ كَنَائِسِ الْعَنْوَةِ الَّتِي أَرَادُوا انْتِزَاعَهَا، وَكَانَ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ عِوَضًا عَنْ كَنِيسَةِ الصُّلْحِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَخْذُهَا عَنْوَةً.

[فَصْلٌ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ]

209 -

فَصْلٌ

[مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ]

وَمَتَّى انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ جَازَ أَخْذُ كَنَائِسِ الصُّلْحِ مِنْهُمْ فَضْلًا عَنْ كَنَائِسِ الْعَنْوَةِ، كَمَا أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ لِقُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ لَمَّا نَقَضُوا الْعَهْدَ، فَإِنَّ نَاقِضَ الْعَهْدِ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْمُحَارِبِ الْأَصْلِيِّ، كَمَا أَنَّ نَاقِضَ الْإِيمَانِ بِالرِّدَّةِ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ.

وَلِذَلِكَ لَوِ انْقَرَضَ أَهْلُ مِصْرٍ مِنَ الْأَمْصَارِ وَلَمْ يَبْقَ مَنْ دَخَلَ فِي عَهْدِهِمْ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعُ عَقَارِهِمْ وَمَنْقُولِهِمْ مِنَ الْمَعَابِدِ وَغَيْرِهَا فَيْئًا، فَإِذَا عُقِدَتِ الذِّمَّةُ لِغَيْرِهِمْ كَانَ كَالْعَهْدِ الْمُبْتَدَأِ، وَكَانَ لِمَنْ يَعْقِدُ لَهُمُ الذِّمَّةَ أَنْ يُقِرَّهُمْ فِي الْمَعَابِدِ وَلَهُ أَلَّا يُقِرَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَا فُتِحَ ابْتِدَاءً، فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْإِمَامُ عِنْدَ فَتْحِهِ هَدْمَ ذَلِكَ جَازَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِ هَدْمِهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ بَقَائِهِ، وَإِذَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْعَهْدِ كَانَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ.

أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ لَا يُوجِبُونَ قَسْمَ الْعَقَارِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُوجِبُ قَسْمَهُ فَلِأَنَّ عَيْنَ الْمُسْتَحَقِّ غَيْرُ مَعْرُوفٍ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ.

ص: 1192

وَأَمَّا تَقْدِيرُ وُجُوبِ إِبْقَائِهَا فَهَذَا تَقْدِيرٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، فَإِنَّ إِيجَابَ إِعْطَائِهِمْ مَعَابِدَ الْعَنْوَةِ لَا وَجْهَ لَهُ وَلَا أَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا فَلَا يُفَرَّعُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ، نَعَمْ قَدْ يُقَالُ فِي الْأَبْنَاءِ إِذَا لَمْ نَقُلْ بِدُخُولِهِمْ فِي عَهْدِ آبَائِهِمْ؛ لِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ الْأَمَانِ وَالْعَهْدِ بِخِلَافِ النَّاقِضِينَ، فَلَوْ وَجَبَ لَمْ يَجِبْ إِلَّا مَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَا يَجِبْ أَنْ يُعْطَى إِلَّا مَا عُرِفَ أَنَّهُ حَقُّهُ، وَمَا وَقَعَ الشَّكُّ فِيهِ - عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ - فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَأَمَّا الْمَوْجُودُونَ الْآنَ إِذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ نَقْضُ عَهْدٍ فَهُمْ عَلَى الذِّمَّةِ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي الذِّمَّةِ وَأَهْلُ دَارِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، كَمَا يَتْبَعُ فِي الْإِسْلَامِ أَبَاهُ وَأَهْلَ دَارِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ جُعِلَ تَابِعًا لِغَيْرِهِ فِي الْإِيمَانِ وَالْأَمَانِ.

وَعَلَى هَذَا جَرَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَائِهِ وَالْمُسْلِمِينَ فِي إِقْرَارِهِمْ صِبْيَانَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْعَهْدِ الْقَدِيمِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ آخَرَ.

وَهَذَا الْجَوَابُ حُكْمُهُ فِيمَا كَانَ مِنْ مَعَابِدِهِمْ قَدِيمًا قَبْلَ فَتْحِ الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا مَا أُحْدِثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ إِزَالَتُهُ، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إِحْدَاثِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ كَمَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي الشُّرُوطِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ " أَلَّا يُجَدِّدُوا فِي مَدَائِنِ الْإِسْلَامِ وَلَا فِيمَا حَوْلَهَا كَنِيسَةً وَلَا صَوْمَعَةً وَلَا دَيْرًا لَا قِلَّايَةً، امْتِثَالًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "«لَا تَكُونُ قِبْلَتَانِ بِبَلَدٍ وَاحِدٍ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.

ص: 1193

وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: " لَا كَنِيسَةَ فِي الْإِسْلَامِ ".

وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْأَمْصَارِ، وَمَذْهَبُ جُمْهُورِهِمْ فِي الْقُرَى، وَمَا زَالَ مَنْ يُوَفِّقُهُ اللَّهُ مِنْ وُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ يُنَفِّذُ ذَلِكَ، وَيَعْمَلُ بِهِ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الَّذِي اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ إِمَامُ هُدًى فَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى نَائِبِهِ عَنِ الْيَمَنِ أَنْ يَهْدِمَ الْكَنَائِسَ الَّتِي فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ، فَهَدَمَهَا بِصَنْعَاءَ وَغَيْرِهَا.

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: " مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تُهْدَمَ الْكَنَائِسُ الَّتِي فِي الْأَمْصَارِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ.

وَكَذَلِكَ هَارُونُ الرَّشِيدُ فِي خِلَافَتِهِ أَمَرَ بِهَدْمِ مَا كَانَ فِي سَوَادِ بَغْدَادَ.

وَكَذَلِكَ الْمُتَوَكِّلُ لَمَّا أَلْزَمَ أَهْلَ الْكِتَابِ " بِشُرُوطِ عُمَرَ " اسْتَفْتَى عُلَمَاءَ

ص: 1194

وَقْتِهِ فِي هَدْمِ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ فَأَجَابُوهُ، فَبَعَثَ بِأَجْوِبَتِهِمْ إِلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَأَجَابَهُ بِهَدْمِ كَنَائِسِ سَوَادِ الْعِرَاقِ، وَذَكَرَ الْآثَارَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَمِمَّا ذَكَرَهُ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ:" أَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَرَبُ - يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ - فَلَيْسَ لِلْعَجَمِ - يَعْنِي أَهْلَ الذِّمَّةِ - أَنْ يَبْنُوا فِيهِ كَنِيسَةً، وَلَا يَضْرِبُوا فِيهِ نَاقُوسًا، وَلَا يَشْرَبُوا فِيهِ خَمْرًا. أَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَجَمُ فَفَتَحَهُ اللَّهُ عَلَى الْعَرَبِ فَإِنَّ لِلْعَجَمِ مَا فِي عَهْدِهِمْ، وَعَلَى الْعَرَبِ أَنْ يُوفُوا بِعَهْدِهِمْ وَلَا يُكَلِّفُوهُمْ فَوْقَ طَاقَتِهِمْ ".

وَمُلَخَّصُ الْجَوَابِ: أَنَّ كُلَّ كَنِيسَةٍ فِي مِصْرَ وَالْقَاهِرَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَوَاسِطَ وَبَغْدَادَ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَمْصَارِ الَّتِي مَصَّرَهَا الْمُسْلِمُونَ بِأَرْضِ الْعَنْوَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ إِزَالَتُهَا إِمَّا بِالْهَدْمِ أَوْ غَيْرِهِ، بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهُمْ مَعْبَدٌ فِي مِصْرٍ مَصَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ بِأَرْضِ الْعَنْوَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْمَعَابِدُ قَدِيمَةً قَبْلَ الْفَتْحِ أَوْ مُحْدَثَةً؛ لِأَنَّ الْقَدِيمَ مِنْهَا يَجُوزُ أَخْذُهُ وَيَجِبُ عِنْدَ الْمَفْسَدَةِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَجْتَمِعَ قِبْلَتَانِ بِأَرْضٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُمَكِّنُوا أَنْ يَكُونَ بِمَدَائِنِ الْإِسْلَامِ قِبْلَتَانِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ كَالْعَهْدِ الْقَدِيمِ، لَا سِيَّمَا وَهَذِهِ الْكَنَائِسُ الَّتِي بِهَذِهِ الْأَمْصَارِ مُحْدَثَةٌ يَظْهَرُ حُدُوثُهَا بِدَلَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَالْمُحْدَثُ يُهْدَمُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ.

وَأَمَّا الْكَنَائِسُ الَّتِي بِالصَّعِيدِ وَبَرِّ الشَّامِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، فَمَا كَانَ مِنْهَا مُحْدَثًا وَجَبَ هَدْمُهُ، وَإِذَا اشْتَبَهَ الْمُحْدَثُ بِالْقَدِيمِ وَجَبَ هَدْمُهُمَا

ص: 1195

جَمِيعًا؛ لِأَنَّ هَدْمَ الْمُحْدَثِ وَاجِبٌ وَهَدْمَ الْقَدِيمِ جَائِزٌ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.

وَمَا كَانَ مِنْهَا قَدِيمًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ هَدْمُهُ وَيَجُوزُ إِقْرَارُهُ بِأَيْدِيهِمْ، فَيَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي الْمَصْلَحَةِ: فَإِنْ كَانُوا قَدْ قَلُّوا وَالْكَنَائِسُ كَثِيرَةٌ أَخَذَ مِنْهُمْ أَكْثَرَهَا، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِيهِ مَضَرَّةٌ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ أَيْضًا، وَمَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى أَخْذِهِ أُخِذَ أَيْضًا.

وَأَمَّا إِذَا كَانُوا كَثِيرِينَ فِي قَرْيَةٍ وَلَهُمْ كَنِيسَةٌ قَدِيمَةٌ لَا حَاجَةَ إِلَى أَخْذِهَا وَلَا مَصْلَحَةَ فِيهِ، فَالَّذِي يَنْبَغِي تَرْكُهَا كَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَاؤُهُ لَهُمْ مِنَ الْكَنَائِسِ مَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ أُخِذَ مِنْهُمْ.

وَأَمَّا مَا كَانَ لَهُمْ بِصُلْحٍ قَبْلَ الْفَتْحِ مِثْلَ مَا فِي دَاخِلِ مَدِينَةِ دِمَشْقَ وَنَحْوِهَا، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ مَا دَامُوا مُوفِينَ بِالْعَهْدِ إِلَّا بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ، كَمَا فَعَلَ الْمُسْلِمُونَ بِجَامِعِ دِمَشْقَ لَمَّا بَنَوْهُ.

فَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الْكَنَائِسَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ هَدْمُهُ. وَمِنْهَا مَا يَجِبُ هَدْمُهُ - كَالَّتِي فِي الْقَاهِرَةِ مِصْرَ وَالْمُحْدَثَاتِ كُلِّهَا - وَمِنْهَا مَا يَفْعَلُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ الْأَصْلَحَ كَالَّتِي فِي الصَّعِيدِ وَأَرْضِ الشَّامِ، فَمَا كَانَ قَدِيمًا

ص: 1196

عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَالْوَاجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ فِعْلُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَمَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ إِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ وَقَمْعِ أَعْدَائِهِ وَإِتْمَامِ مَا فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ مِنْ إِلْزَامِهِمْ بِالشُّرُوطِ عَلَيْهِمْ، وَمَنْعِهِمْ مِنَ الْوِلَايَاتِ فِي جَمِيعِ أَرْضِ الْإِسْلَامِ، لَا يُلْتَفَتُ فِي ذَلِكَ إِلَى مُرْجِفٍ أَوْ مُخَذِّلٍ يَقُولُ: إِنَّ لَنَا عِنْدَهُمْ مَسَاجِدَ وَأَسْرَى نَخَافُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40] وَإِذَا كَانَ [نَوْرُوزُ] فِي مَمْلَكَةِ التَّتَارِ قَدْ هَدَمَ عَامَّةَ الْكَنَائِسِ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، فَحِزْبُ اللَّهِ الْمَنْصُورُ وَجُنْدُهُ الْمَوْعُودُ بِالنَّصْرِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَوْلَى بِذَلِكَ وَأَحَقُّ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يُحَقِّقَ اللَّهُ

ص: 1197