الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ الْثالث مَا يَتَعَلَّقُ بِتَغْيِيرِ لِبَاسِهِمْ وَتَمْيِيزِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَرْكَبِ وَاللِّبَاسِ وَنَحْوِه] [
فَصْلٌ قَوْلُهُم نُلْزِمَ زِيَّنَا حَيْثُمَا كُنَّا وَأَلَّا نَتَشَبَّهَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي لُبْسِ وَلَا فَرْقِ شَعْرٍ وَلَا فِي مَرَاكِبِهِمْ]
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
[فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتَغْيِيرِ لِبَاسِهِمْ وَتَمْيِيزِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَرْكَبِ وَاللِّبَاسِ وَنَحْوِهِ]
236 -
فَصْلٌ
وَقَوْلُهُمْ: " وَأَنْ نُلْزِمَ زِيَّنَا حَيْثُمَا كُنَّا وَأَلَّا نَتَشَبَّهَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي لُبْسِ قَلَنْسُوَةٍ وَلَا عِمَامَةٍ وَلَا فَرْقِ شَعْرٍ وَلَا فِي مَرَاكِبِهِمْ "
هَذَا أَصْلُ الْغِيَارِ، وَهُوَ سُنَّةٌ سَنَّهَا مَنْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، وَجَرَى عَلَيْهَا الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ بِهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ فِي سِيَاقِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْغِيَارِ لِأَهْلِ الْمِلَلِ الَّذِينَ خَالَفُوا شَرِيعَتَهُ صَغَارًا وَذُلًّا وَشُهْرَةً وَعَلَمًا عَلَيْهِمْ؛ لِيُعْرَفُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي زِيِّهِمْ وَلِبَاسِهِمْ وَلَا يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ: " وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى الْأَمْصَارِ أَنْ تُجَزَّ نَوَاصِيَهُمْ، وَأَلَّا يَلْبَسُوا لُبْسَةَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُعْرَفُوا ".
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلُهُ.
قَالَ: " وَهَذَا مَذْهَبُ التَّابِعِينَ وَأَصْحَابِ الْمَقَالَاتِ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ ". ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ [الْفِرْيَابِيِّ] : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي مُنِيبٍ الْجُرَشِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ، وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» ". رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ ".
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: " هَذَا أَحْسَنُ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي الْغِيَارِ، وَأَشْبَهُ بِمَعْنَاهُ وَأَوْجَهُ فِي اسْتِعْمَالِهِ لِمَا يَنْطِقُ لَفْظُهُ بِمَعْنَاهُ وَمَفْهُومِهِ بِمَا يَقْتَضِي فَحْوَاهُ مِنْ قَوْلِهِ: "«وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي» " فَأَهْلُ الذِّمَّةِ أَعْظَمُ خِلَافًا لِأَمْرِهِ وَأَعْصَاهُمْ لِقَوْلِهِ، فَهُمْ أَهْلٌ أَنْ يُذَلُّوا بِالتَّغْيِيرِ عَنْ زِيِّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَعَزَّهُمُ اللَّهُ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ مِنَ الَّذِينَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَذَلَّهُمْ وَصَغَّرَهُمْ وَحَقَّرَهُمْ حَتَّى تَكُونَ سِمَةُ الْهَوَانِ عَلَيْهِمْ فَيُعْرَفُوا بِزِيِّهِمْ.
وَدَلَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ فِي وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْغِيَارِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» " وَمَعْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَتَشَبَّهُ بِالْمُسْلِمِ فِي زِيِّهِ فَيُعْرَفُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَالْكَافِرُ يَتَشَبَّهُ بِزِيِّ الْكَافِرِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ كَافِرٌ، فَيَجِبُ أَنْ يُجْبَرَ الْكَافِرُ عَلَى التَّشَبُّهِ بِقَوْمِهِ لِيَعْرِفَهُ الْمُسْلِمُونَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ» ". وَسَأَلَهُ رَجُلٌ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: " «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتُقْرِأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفَتْ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» ".
وَقَدْ نَهَى أَنْ يُبْدَأَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ، وَأَمَرَ إِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمْ عَلَيْنَا أَنْ نَقُولَ لَهُ:" وَعَلَيْكُمْ ".
وَإِذَا كَانَ هَذَا مِنْ سُنَّةِ الْإِسْلَامِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ زِيٌّ يُعْرَفُونَ بِهِ حَتَّى يُمْكِنَ اسْتِعْمَالُ السُّنَّةِ فِي السَّلَامِ فِي حَقِّهِمْ، وَيَعْرِفُ مِنْهُ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ، هَلْ هُوَ مُسْلِمٌ يَسْتَحِقُّ السَّلَامَ أَوْ ذِمِّيٌّ لَا يَسْتَحِقُّهُ؟ وَكَيْفَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ؟ وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى الْأَمْصَارِ " أَنْ تُجَزَّ نَوَاصِيَهُمْ " يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ، " وَأَلَّا يَلْبَسُوا لُبْسَةَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُعْرَفُوا ".
قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَمْرِ السَّلَامِ فَائِدَةٌ مِنْ فَوَائِدِ الْغِيَارِ وَفَوَائِدُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
فَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَقُومُ لَهُ وَلَا يُصَدِّرُهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَا يُقَبِّلُ يَدَهُ، وَلَا يَقُومُ لَدَى رَأْسِهِ، وَلَا يُخَاطِبُهُ بِأَخِي وَسَيِّدِي وَوَلِيِّي وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يُدْعَى لَهُ بِمَا يُدْعَى بِهِ لِلْمُسْلِمِ مِنَ النَّصْرِ وَالْعِزِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يُصْرَفُ إِلَيْهِ مِنْ أَوْقَافِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا مِنْ زَكَوَاتِهِمْ، وَلَا يَسْتَشْهِدُهُ تَحَمُّلًا وَلَا أَدَاءً، وَلَا يَبِيعُهُ عَبْدًا مُسْلِمًا، وَلَا يُمَكِّنُهُ مِنَ الْمُصْحَفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْمُسْلِمِينَ، فَلَوْلَا النَّهْيُ لَعَامَلَهُ بِبَعْضِ مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمُسْلِمِ.
فَهَذَا مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلِ فَفِي شُرُوطِ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَأَلَّا نَتَشَبَّهَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ لِبَاسِهِمْ فِي قَلَنْسُوَةٍ " فَيُمْنَعُونَ مِنْ لِبَاسِهَا لِمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَحَابَتُهُ يَلْبَسُونَهَا، وَلَمْ يَزَلْ لُبْسُهَا عَادَةَ الْأَكَابِرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْأَشْرَافِ وَالْخُطَبَاءِ عَلَى النَّاسِ، وَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَوَاخِرِ الدَّوْلَةِ الصَّلَاحِيَّةِ فَرَغِبَ النَّاسُ عَنْهَا.
وَقَدْ رَوَى الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:«كَانَ لِلنَّبِيِّ قَلَنْسُوَةٌ بَيْضَاءُ لَاطِئَةٌ يَلْبَسُهَا» .
وَكَانَ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه قَلَنْسُوَةٌ بَيْضَاءُ يَلْبَسُهَا.
وَذَكَرَ سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَلَا عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ.
وَقَالَتْ أُمُّ نَهَارٍ: كَانَ أَنَسٌ يَمُرُّ بِنَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ عَلَى بِرْذَوْنٍ عَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ لَاطِئَةٌ.