الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَهُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ - وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ:" وَمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ بِمُخَالَفَةِ شَيْءٍ مِمَّا صُولِحُوا عَلَيْهِ عَادَ حَرْبِيًّا " - فَعَلَى هَذَا لَا نُسَلِّمُ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ فِيهَا أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِيهَا وَإِنَّمَا نُهُوا عَنْ فِعْلِهَا لِمَا فِي إِظْهَارِهَا مِنَ الْمُنْكَرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مِلَّتِنَا لِأَنَّ فِي فِعْلِهَا ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ فَبَانَ الْفَرْقُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ شَيْخُنَا: فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَقَدِ اقْتَضَى الْعَقْدُ أَلَّا يُظْهِرُوا شَيْئًا مِنْ عَيْبِ دِينِنَا، وَأَنَّهُمْ مَتَى أَظْهَرُوهُ فَقَدْ نَكَثُوا وَطَعَنُوا فِي الدِّينِ فَيَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَمِثْلُ هَذَا الْعُمُومِ يَبْلُغُ دَرَجَةَ النَّصِّ.
[فَصْلٌ كُلُّ مَنْ طَعَنَ فِي دِينِنَا فَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ]
269 -
فَصْلٌ
[كُلُّ مَنْ طَعَنَ فِي دِينِنَا فَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ] .
وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12] وَهُمُ الَّذِينَ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِنَا، وَلَكِنْ أَقَامَ الظَّاهِرَ مَقَامَ الْمُضْمَرِ بَيْنَهُمَا عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي اسْتَحَقُّوا بِهِ الْمُقَاتَلَةَ كَقَوْلِهِ:{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170] وَنَظَائِرِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ نَكَثَ يَمِينَهُ وَطَعَنَ
فِي دِينِنَا فَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ، وَإِمَامُ الْكُفْرِ هُوَ الدَّاعِي إِلَيْهِ الْمُتَّبَعُ فِيهِ.
وَإِنَّمَا صَارَ إِمَامًا فِي الْكُفْرِ لِأَجْلِ الطَّعْنِ، وَإِلَّا فَإِنَّ مُجَرَّدَ النَّكْثِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الطَّاعِنَ فِي الدِّينِ يَعِيبُهُ وَيَذُمُّهُ وَيَدْعُو إِلَى خِلَافِهِ، وَهَذَا شَأْنُ الْإِمَامِ، فَإِذَا طَعَنَ الذِّمِّيُّ فِي الدِّينِ كَانَ إِمَامًا فِي الْكُفْرِ فَيَجِبُ قِتَالُهُ.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] عِلَّةٌ أُخْرَى لِقِتَالِهِ، فَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْكَسْرِ فَتَكُونُ الْآيَةُ قَدْ تَضَمَّنَتْ ذِكْرَ الْمُقْتَضِي لِلْقِتَالِ - وَهُوَ نَكْثُ الْعَهْدِ وَالطَّعْنُ فِي الدِّينِ - وَبَيَانُ عَدَمِ الْمَانِعِ مِنَ الْقِتَالِ وَهُوَ الْإِيمَانُ الْعَاصِمُ.
وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ فَتْحِ الْأَلِفِ فَالْأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِينٍ، وَهِيَ أَحْسَنُ الْقِرَاءَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ قَوْلُهُ:{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: 12] فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ سَبَبِ الْقِتَالِ - وَهُوَ نَكْثُ الْأَيْمَانِ وَالطَّعْنُ فِي الدِّينِ - ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ تَعْصِمُهُمْ مِنَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُمْ قَدْ نَكَثُوهَا.
وَالْمُرَادُ بِالْأَيْمَانِ هُنَا الْعُهُودُ لَا الْقَسَمُ بِاللَّهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُقَاسِمْهُمْ بِاللَّهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَإِنَّمَا عَاهَدَهُمْ، وَنُسْخَةُ الْكِتَابِ مَحْفُوظَةٌ لَيْسَ فِيهَا قَسَمٌ، وَهَذَا لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُتَعَاهِدَيْنِ يَمُدُّ يَمِينَهُ إِلَى الْآخَرِ، ثُمَّ صَارَ مُجَرَّدُ الْكَلَامِ بِالْعَهْدِ يُسَمَّى يَمِينًا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مَدُّ الْيَمِينِ.
وَقَدْ قِيلَ: سُمِّيَ الْعَهْدُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ هِيَ الْقُوَّةُ وَالشِّدَّةُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: 45] وَلَمَّا كَانَ الْحَلِفُ مَعْقُودًا مَشْدُودًا سُمِّيَ
يَمِينًا، فَاسْمُ الْيَمِينِ جَامِعٌ لِلْعَهْدِ الَّذِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَإِنْ كَانَ نَذْرًا، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " النَّذْرُ حَلْفَةٌ " وَلِلْعَهْدِ الَّذِي بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] فَالنَّهْيُ عَنْ [نَقْضِ] الْعُهُودِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَسَمٌ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 10] وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَسَمٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1]