الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ فَتَنَهُ عَنْ دِينِهِ أَوْ قَتَلَهُ أَوْ قَطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ تَجَسَّسَ لِلْكُفَّارِ أَوْ آوَى لَهُمْ جَاسُوسًا أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ أَوْ كِتَابَهُ أَوْ رَسُولَهُ بِسُوءٍ، انْتَقَضَ عَهْدُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ بِنَاءً عَلَى نَصِّهِ فِي الْقَذْفِ، وَالْأَصَحُّ التَّفْرِقَةُ.
وَإِذَا أَظْهَرَ مُنْكَرًا أَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِكِتَابِهِ أَوْ رَكِبَ الْخَيْلَ وَنَحْوَهُ عُزِّرَ وَلَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُ، وَقِيلَ: إِنْ شُرِطَ عَلَيْهِ تَرْكُهُ وَإِلَّا فَلَا.
[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]
264 -
فَصْلٌ
[مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ] .
وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ قَالَ فِي " الْأُمِّ ": " وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابَ صُلْحٍ عَلَى الْجِزْيَةِ كَتَبَ وَذَكَرَ الشُّرُوطَ إِلَى أَنْ قَالَ: " وَعَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ إِنْ ذَكَرَ مُحَمَّدًا أَوْ كِتَابَ اللَّهِ أَوْ دِينَهُ بِمَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ بِهِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ ثُمَّ ذِمَّةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَنَقَضَ مَا أُعْطِيَ مِنَ الْأَمَانِ، وَحَلَّ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَالُهُ وَدَمُهُ كَمَا تَحِلُّ أَمْوَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَدِمَاؤُهُمْ، وَعَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ رِجَالِهِمْ إِنْ أَصَابَ مُسْلِمَةً بِزِنًى أَوِ اسْمِ نِكَاحٍ، أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ فَتَنَ مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ، أَوْ أَعَانَ الْمُحَارِبِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِقِتَالٍ أَوْ دَلَالَةٍ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ إِيوَاءٍ لِعُيُونِهِمْ، فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ وَأَحَلَّ دَمَهُ وَمَالَهُ.
وَإِنْ نَالَ مُسْلِمًا بِمَا دُونَ هَذَا فِي مَالِهِ أَوْ عِرْضِهِ لَزِمَهُ فِيهِ الْحُكْمُ ".
ثُمَّ قَالَ: " فَهَذِهِ الشُّرُوطُ لَازِمَةٌ [لَهُ] إِنْ رَضِيَهَا فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَرْضَهَا فَلَا عَقْدَ لَهُ وَلَا جِزْيَةَ ".
ثُمَّ قَالَ: " وَأَيُّهُمْ قَالَ أَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا وَصَفْتُهُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَأَسْلَمَ لَمْ يُقْتَلْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِعْلًا لَمْ يُقْتَلْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُ قُتِلَ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا، فَيُقْتَلُ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ لَا بِنَقْضِ عَهْدٍ، وَإِنْ فَعَلَ مَا وَصَفْنَا وَشُرِطَ أَنَّهُ نَقْضٌ لِعَهْدِ الذِّمَّةِ فَلَمْ يُسْلِمْ، لَكِنَّهُ قَالَ: " أَتُوبُ وَأُعْطِي الْجِزْيَةَ كَمَا كُنْتُ أُعْطِيهَا، أَوْ [عَلَى] صُلْحٍ أُجَدِّدُهُ " عُوقِبَ وَلَمْ يُقْتَلْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَعَلَ فِعْلًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَالْحَدَّ، فَأَمَّا مَا دُونَ هَذَا مِنَ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فَكُلُّ قَوْلٍ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ.
قَالَ: فَإِنْ فَعَلَ أَوْ قَالَ مَا وَصَفْنَا وَشُرِطَ أَنْ يَحِلَّ دَمُهُ فَظُفِرَ بِهِ فَامْتَنَعَ مِنْ أَنْ يَقُولَ: " أُسْلِمُ أَوْ أُعْطِي الْجِزْيَةَ " قُتِلَ وَأُخِذَ مَالُهُ فَيْئًا ".
وَنَصَّ فِي " الْأُمِّ " أَيْضًا أَنَّ الْعَهْدَ لَا يَنْتَقِضُ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَلَا بِقَتْلِ الْمُسْلِمِ وَلَا بِالزِّنَى بِالْمُسْلِمَةِ وَلَا بِالتَّجَسُّسِ، بَلْ يُحَدُّ فِيمَا فِيهِ الْحَدُّ، وَيُعَاقَبُ عُقُوبَةً مُنَكِّلَةً فِيمَا فِيهِ الْعُقُوبَةُ، وَلَا يُقْتَلُ إِلَّا بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ.
قَالَ: وَلَا يَكُونُ النَّقْضُ لِلْعَهْدِ إِلَّا بِمَنْعِ الْجِزْيَةِ أَوِ الْحُكْمِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالِامْتِنَاعِ بِذَلِكَ. وَلَوْ قَالَ: " أُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَلَا أُقِرُّ بِالْحُكْمِ " نُبِذَ إِلَيْهِ وَلَمْ يُقَاتَلْ عَلَى ذَلِكَ مَكَانَهُ، وَقِيلَ لَهُ: قَدْ تَقَدَّمَ لَكَ أَمَانٌ [بِأَدَائِكَ] لِلْجِزْيَةِ وَإِقْرَارِكَ بِهَا، وَقَدْ أَجَّلْنَاكَ فِي أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ إِذَا خَرَجَ مَبْلَغَ مَأْمَنِهِ قُتِلَ إِنْ قُدِرَ عَلَيْهِ. هَذَا لَفْظُهُ.
وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا: أَنَّ عَهْدَهُ يَنْتَقِضُ بِسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُقْتَلُ.
وَأَمَّا أَصْحَابُهُ فَذَكَرُوا - فِيمَا إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ بِسُوءٍ - وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ شُرِطَ عَلَيْهِ تَرْكُهُ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ - كَمَا إِذَا قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ أَوِ امْتَنَعُوا مِنَ الْتِزَامِ الْحُكْمِ - كَطَرِيقَةِ أَبِي الْحُسَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ.
وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ سَبَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحْدَهُ بِأَنَّهُ يُوجِبُ الْقَتْلَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ السَّبَّ كَالْأَفْعَالِ الَّتِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِيهَا ضَرَرٌ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ وَالزِّنَى بِالْمُسْلِمَةِ وَالْجَسِّ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ.
وَذَكَرُوا فِي تِلْكَ الْأُمُورِ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ تَرْكُهَا بِأَعْيَانِهَا لَمْ يَنْتَقِضِ الْعَهْدُ بِفِعْلِهَا، وَإِنْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ تَرْكُهَا بِأَعْيَانِهَا فَفِي انْتِقَاضِ الْعَهْدِ بِذَلِكَ وَجْهَانِ.
وَالثَّانِي: لَا يَنْتَقِضُ الْعَهْدُ بِفِعْلِهَا مُطْلَقًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى هَذِهِ الْوُجُوهَ أَقْوَالًا وَهِيَ أَقْوَالٌ مُشَارٌ إِلَيْهَا، فَيَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى أَقْوَالًا وَوُجُوهًا.
هَذِهِ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ شَرْطُ تَرْكِهَا لَا شَرْطُ انْتِقَاضِ الْعَهْدِ بِفِعْلِهَا كَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ أَحْمَدَ.
وَأَمَّا الْخُرَاسَانِيُّونَ فَقَالُوا: الْمُرَادُ بِالِاشْتِرَاطِ هُنَا شَرْطُ انْتِقَاضِ الْعَهْدِ بِفِعْلِهَا لَا شَرْطُ تَرْكِهَا.
قَالُوا: إِنَّ الشَّرْطَ مُوجِبٌ نَفْسَ الْعَقْدِ وَذَكَرُوا فِي تِلْكَ الْخِصَالِ الْمُضِرَّةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: يَنْتَقِضُ الْعَهْدُ بِفِعْلِهَا.
وَالثَّانِي: لَا يَنْتَقِضُ.
وَالثَّالِثُ: إِنْ شُرِطَ فِي الْعَقْدِ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِفِعْلِهَا انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنْ شُرِطَ نُقِضَ؛ وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ فَوَجْهَانِ.