الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَاشْتُرِطَ عَلَيْهِمْ أَلَّا يُسْمِعُوا الْمُسْلِمِينَ شِرْكَهُمْ وَلَا يُسْمِعُونَهُمْ ضَرْبَ نَاقُوسٍ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ عُزِّرُوا "؛ انْتَهَى.
فَرَفْعُ الْأَصْوَاتِ الَّتِي مُنِعُوا مِنْهَا مَا كَانَ رَاجِعًا إِلَى دِينِهِمْ وَإِظْهَارِ شِعَارِهِ كَأَصْوَاتِهِمْ فِي بُحُوثِهِمْ وَمُذَاكَرَتِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُخْرِجُ صَلِيبًا وَلَا كِتَابًا فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ]
226 -
فَصْلٌ
قَوْلُهُمْ: " وَلَا نُخْرِجُ صَلِيبًا وَلَا كِتَابًا فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ "
فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى عَدَمِ إِظْهَارِهِمْ ذَلِكَ عَلَى كَنَائِسِهِمْ وَفِي صَلَوَاتِهِمْ، فَهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْ إِظْهَارِهِ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِهِ، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ إِخْرَاجِهِ فِي كَنَائِسِهِمْ وَفِي مَنَازِلِهِمْ، بَلِ الْمَمْنُوعُ مِنْهُ فِيهَا رَفْعُ أَصْوَاتِهِمْ وَوَضْعُ الصَّلِيبِ عَلَى أَبْوَابِ الْكَنَائِسِ.
[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَلَّا نُخْرِجَ بَاعُوثًا وَلَا شَعَانِينَ وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا]
227 -
فَصْلٌ
قَوْلُهُمْ: " وَأَلَّا نُخْرِجَ بَاعُوثًا وَلَا شَعَانِينَ، وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا، وَلَا نُظْهِرُ النِّيرَانَ مَعَهُمْ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ "
فَأَمَّا الْبَاعُوثُ فَقَدْ فَسَّرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ صَالِحٍ فَقَالَ: " يَخْرُجُونَ كَمَا نَخْرُجُ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى " وَمِنْ هُنَا قَالَ أَحْمَدُ فِي
رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ: " وَلَا يُتْرَكُوا أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي كُلِّ أَحَدٍ، وَلَا يُظْهِرُوا لَهُمْ خَمْرًا، وَلَا نَاقُوسًا ".
فَإِنَّ اجْتِمَاعَهُمُ الْمَذْكُورَ هُوَ غَايَةُ الْبَاعُوثِ وَنِهَايَتُهُ، فَإِنَّهُمْ يَنْبَعِثُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ.
وَلَيْسَ مُرَادُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَنْعَ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْكَنِيسَةِ إِذَا تَسَلَّلُوا إِلَيْهَا لِوَاذًا، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ إِظْهَارُ اجْتِمَاعِهِمْ كَمَا يُظْهِرُ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ يَوْمَ عِيدِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ وَقَدْ سُئِلَ: هَلْ يَضْرِبُونَ الْخِيَامَ فِي الطَّرِيقِ يَوْمَ الْأَحَدِ؟ قَالَ: " لَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَدِينَةً صُولِحُوا عَلَيْهَا فَلَهُمْ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ "، فَإِنَّ ضَرْبَ الْخِيَامِ عَلَى الطَّرِيقِ يَوْمَ عِيدِهِمْ هُوَ مِنْ إِخْرَاجِ الْبَاعُوثِ وَإِظْهَارِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ، فَإِذَا اخْتَفَوْا فِي كَنَائِسِهِمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ لَمْ يُعْرَضْ لَهُمْ فِيهَا مَا لَمْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِقِرَاءَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ.
وَأَمَّا الشَّعَانِينُ فَهِيَ أَعْيَادٌ لَهُمْ أَيْضًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَاعُوثِ أَنَّهُ الْيَوْمُ وَالْوَقْتُ الَّذِي يَنْبَعِثُونَ فِيهِ عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَالِاحْتِشَادِ.
وَقَوْلُهُمْ: " وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا " لِمَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارِ شِعَارِ الْكُفْرِ، فَهَذَا يَعُمُّ رَفْعَ أَصْوَاتِهِمْ بِقِرَاءَتِهِمْ وَبِالنَّوْحِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ إِظْهَارُ النِّيرَانِ مَعَهُمْ إِمَّا بِالشَّمْعِ أَوِ السُّرُجِ أَوِ الْمَشَاعِلِ وَنَحْوِهَا.
فَأَمَّا إِذَا أَوْقَدُوا النَّارَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ وَلَمْ يُظْهِرُوهَا لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ فِيهَا، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْيَادَهُمْ زُورًا، وَالزُّورُ لَا يَجُوزُ إِظْهَارُهُ، فَقَالَ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] .
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " تَفْسِيرِهِ ": حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ الْخَرَّارُ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَقِيلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ:{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] عِيدُ الْمُشْرِكِينَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الشَّعَانِينُ.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " الزُّورُ عِيدُ الْمُشْرِكِينَ ".