المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل قولهم ولا نتكنى بكناهم] - أحكام أهل الذمة - ط رمادي - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[ذِكْرُ الشُّرُوطِ الْعُمَرِيَّةِ وَأَحْكَامِهَا وَمُوجِبَاتِهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ في أَحْكَامِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وما يتعلق بذلك]

- ‌[الْبِلَادُ الَّتِي تَفَرَّقَ فِيهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ] [

- ‌القسم الأول بِلَادٌ أَنْشَأَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي الْإِسْلَامِ وبَيَانُ بِنَاءِ بَعْضهاِ]

- ‌[فَصْلٌ مَآلُ مَعَابِدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ]

- ‌[القسم الثَّانِي بِلَادٌ أُنْشِئَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَافْتَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً وَمَلَكُوا أَرْضَهَا وَسَاكِنِيهَا]

- ‌[القسم الثَّالِثُ بِلَادٌ أُنْشِئَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَفَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ صُلْحًا]

- ‌[فَصْلٌ زَوَالُ الْأَمَانِ عَنِ الْأَنْفُسِ زَوَالٌ عَنِ الْكَنَائِسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بِنَاءِ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْهَا وَرَمِّ شَعَثِهِ وَذِكْرِ الْخِلَافِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ تَرْمِيمِ الْكَنِيسَةِ وَزِيَادَةِ الْبِنَاءِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ نَقْلُ الْكَنِيسَةِ مِنْ مَكَانٍ لِآخِرِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ أَبْنِيَةِ وَدُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَمَلُّكِ الذِّمِّيِّ بِالْإِحْيَاءِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَمْنَعُ كَنَائِسَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِلُوهَا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْثاني مَا يَتَعَلَّقُ بِإِظْهَارِ الْمُنْكَرِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ مِمَّا نُهُوا عَنْهُ] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُؤْوِي فِيهَا وَلَا فِي مَنَازِلِنَا جَاسُوسًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَكْتُمُ غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَضْرِبُ نَوَاقِيسَنَا إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُظْهِرُ عَلَيْهَا صَلِيبًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِنَا مِمَّا يَحْضُرُهُ الْمُسْلِمُونَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُخْرِجُ صَلِيبًا وَلَا كِتَابًا فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَلَّا نُخْرِجَ بَاعُوثًا وَلَا شَعَانِينَ وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ حُضُورِ أَعْيَادِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُجَاوِرُهُمْ بِالْخَنَازِيرِ وَلَا بِبَيْعِ الْخُمُورِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُجَاوِزُ الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَانَا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا بِبَيْعِ الْخُمُورِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُرَغِّبُ فِي دِينِنَا وَلَا نَدْعُو إِلَيْهِ أَحَدًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَتَّخِذُ مِنَ الرَّقِيقِ الَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُفَادَاةِ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَلَّا نَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَقْرِبَائِنَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْثالث مَا يَتَعَلَّقُ بِتَغْيِيرِ لِبَاسِهِمْ وَتَمْيِيزِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَرْكَبِ وَاللِّبَاسِ وَنَحْوِه] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُم نُلْزِمَ زِيَّنَا حَيْثُمَا كُنَّا وَأَلَّا نَتَشَبَّهَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي لُبْسِ وَلَا فَرْقِ شَعْرٍ وَلَا فِي مَرَاكِبِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا عِمَامَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِصَاصُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِالتَّلَحِّي فِي الْعَمَائِمِ]

- ‌[فَصْلٌ قوْلُهُمْ وَلَا فِي نَعْلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا بِفَرْقِ شَعْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَرْكِهِ وَكَيْفِيَّةِ جَعْلِ شَعْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُرْخَى الشَّعْرُ وَمَتَى يُضَفَّرُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ لِبَاسِ الْأَرْدِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَشَبَّهُ بِالْمُسْلِمِينَ فِي مَرَاكِبِهِمْ وَلَا نَرْكَبُ السُّرُوجَ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَقَلَّدُ السُّيُوفَ]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ الْأَحْكَامِ الَّتِي ضُرِبَتْ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ لَوْنُ لِبَاسِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فَسَادُ ذِمَمِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَكَلَّمُ بِكَلَامِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قولهم وَلَا نَنْقُشُ خَوَاتِيمَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَكَنَّى بِكُنَاهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ خِطَابُ الْكِتَابِيِّ بِسَيِّدِي وَمَوْلَايَ]

- ‌[فَصْلٌ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ كَيْفَ يُكْتَبُ إِلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قولهم وَنُوَقِّرُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَنَقُومُ لَهُمْ عَنِ الْمَجَالِسِ]

- ‌[فَصْلٌ صِيَانَةُ الْقُرْآنِ أَنْ يَحْفَظَهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي أَمْرِ مُعَامَلَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ بِالشَّرِكَةِ وَنَحْوِهَا] [

- ‌فَصْلٌ قَولهم وَلَا يُشَارِكُ أَحَدٌ مِنَّا مُسْلِمًا فِي تِجَارَةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِلَى الْمُسْلِمِ أَمْرُ التِّجَارَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] [

- ‌فَصْلٌ قَولهم وَأَنْ نُضِيفَ كُلَّ مُسْلِمٍ عَابِرِ سَبِيلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنُطْعِمَهُ مِنْ أَوْسَطِ مَا نَجِدُ]

- ‌[فَصْلٌ نُزُولُ الْمَرِيضِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْسادسُ فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَنَّ مَنْ ضَرَبَ مُسْلِمًا فَقَدْ خَلَعَ عَهْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُعْتَبَرُ الذِّمِّيُّ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ بَعْدَ فُجُورِهِ بِمُسْلِمَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا نَقَضُوا مَا شَرَطُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ نُقِضَ عَهْدُهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ طَرِيقٌ ثَالِثٌ فِي نَقْضِهِمُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ لَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَهْدٌ إِلَّا مَا دَامُوا مُسْتَقِيمِينَ لَنَا]

- ‌[فَصْلٌ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِنَكْثِهِمْ أَيْمَانَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ كُلُّ مَنْ طَعَنَ فِي دِينِنَا فَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْهَمُّ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ مُوجِبٌ لِقِتَالِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَمْرُ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ الطَّاعِنِينَ فِي الدِّينِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُحَادُّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانُ مَعْنَى الْكَبْتِ]

- ‌[فَصْلٌ زَوَالُ الْعِصْمَةِ عَنْ نَفْسِ وَمَالِ الْمُؤْذِي لِلَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَدَّ اللَّهُ قِتَالَهُمْ حَتَّى يَنْتَهُوا عَنْ أَسْبَابِ الْفِتْنَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُوَفَّى الْعَهْدُ إِلَيْهِمْ مَا لَمْ يَنْقُصُونَا شَيْئًا مِمَّا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ حُجَّةُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي قَتْلِ السَّابِّ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى شُبْهَةٍ فِي قَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ]

- ‌[فَصْلٌ سَبُّ النَّبِيِّ أَوِ الْأَصْحَابِ]

الفصل: ‌[فصل قولهم ولا نتكنى بكناهم]

وَحَمْلُ هَذَا النَّهْيِ عَلَى نَقْشٍ مِثْلِ نَقْشِهِ، يَعْنِي: وَهُوَ الَّذِي نُقِشَ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " نَهَى أَنْ يَنْقُشَ أَحَدٌ مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى خَاتَمِهِ لِمَا فِي الِاشْتِرَاكِ فِي ذَلِكَ النَّقْشِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشَ عَلَيْهِ " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» " وَنَهَى أَنْ يَنْقُشَ أَحَدٌ مِثْلَ نَقْشِهِ، فَلَعَلَّ الرَّاوِي وَهِمَ فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ: نَهَى أَنْ يَنْقُشَ عَرَبِيًّا.

وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرِيعَةِ، حَتَّى يُصَانَ ذَلِكَ النَّقْشُ عَنِ الْمُحَاكَاةِ، فَنَهَى عَنِ النَّقْشِ بِالْعَرَبِيَّةِ مُطْلَقًا، وَلِهَذَا نَظَائِرُ فِي الشَّرِيعَةِ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا.

[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَكَنَّى بِكُنَاهُمْ]

251 -

فَصْلٌ

قَالُوا: " وَلَا نَتَكَنَّى بِكُنَاهُمْ ".

وَهَذَا لِأَنَّ الْكُنْيَةَ وُضِعَتْ تَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا لِلْمُكَنَّى بِهَا كَمَا قَالَ:

أُكَنِّيهِ حِينَ أُنَادِيهِ لِأُكْرِمَهُ

وَلَا أُلَقِّبَهُ وَالسَّوْأَةُ اللَّقَبَا

وَأَيْضًا فَفِي تَكَنِّيهِمْ بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ اشْتِبَاهٌ بِالْكُنْيَةِ، وَالْمَقْصُودُ التَّمْيِيزُ حَتَّى فِي الْهَيْئَةِ وَالْمَرْكَبِ وَاللِّبَاسِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي جَوَازِ تَسَمِّيهِمْ بِأَسْمَاءِ الْمُسْلِمِينَ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَا أَشْبَهَهَا؟

ص: 1316

قِيلَ: هَذَا مَوْضِعٌ فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَنَقُولُ: الْأَسْمَاءُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

[الْأَوَّلُ] : قِسْمٌ يَخْتَصُّ الْمُسْلِمِينَ.

[وَالثَّانِي] : قِسْمٌ يَخْتَصُّ الْكُفَّارَ.

[وَالثَّالِثُ] : قِسْمٌ مُشْتَرَكٌ.

فَالْأَوَّلُ: كَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، فَهَذَا النَّوْعُ لَا يُمَكَّنُونَ مِنَ التَّسَمِّي بِهِ، وَالْمَنْعُ مِنْهُ أَوْلَى مِنَ الْمَنْعِ مِنَ التَّكَنِّي بِكِنَايَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَصِيَانَةُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ عَنْ أَخَابِثِ خَلْقِ اللَّهِ أَمْرٌ جَسِيمٌ.

وَالثَّانِي: كَجِرْجِسْ وَبُطْرُسْ وَيُوحَنَّا وَمَتَّى وَنَحْوِهَا، فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَسَمُّوا بِذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُشَابَهَةِ فِيمَا يُخْتَصُّونَ بِهِ.

وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ: كَيَحْيَى وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَزَيْدٍ وَعُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ وَعَطِيَّةَ وَمَوْهُوبٍ وَسَلَامٍ وَنَحْوِهَا، فَهَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَلَا الْمُسْلِمُونَ.

ص: 1317

فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَمْنَعُونَهُمْ مِنَ التَّسَمِّي بِأَسْمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَتُمَكِّنُونَهُمْ مِنَ التَّسْمِيَةِ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ كَيَحْيَى وَعِيسَى وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَإِبْرَاهِيمَ وَيُوسُفَ وَيَعْقُوبَ؟

قِيلَ: لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ قَدْ كَثُرَ اشْتِرَاكُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ بِخِلَافِ أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ وَاسْمِ نَبِيِّنَا فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ، فَلَا يُمَكَّنُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنَ التَّسَمِّي بِهَا.

وَقَدْ قَالَ الْخَلَّالُ فِي " الْجَامِعِ " بَابٌ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ يُكَنَّوْنَ:

أَخْبَرَنِي حَرْبٌ قَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: أَهْلُ الذِّمَّةِ يُكَنَّوْنَ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ لَا بَأْسَ، وَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ كَنَّى.

أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُمْ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَنَّى نَصْرَانِيًّا طَبِيبًا، قَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، ثُمَّ أَخْرَجَ إِلَيَّ فِيهِ بَابًا.

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: يُكْرَهُ أَنْ يُكَنَّى غَيْرُ الْمُسْلِمِ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ

ص: 1318

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ [عَلَى] سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: " «مَا تَرَى مَا يَقُولُ أَبُو الْحُبَابِ؟» "

أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ أَنَّ أَبَا الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: أَيُكَنَّى الذِّمِّيُّ؟

قَالَ: نَعَمْ؛ قَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأُسْقُفِّ نَجْرَانَ: أَسْلِمْ يَا أَبَا الْحَارِثِ» .

ص: 1319

أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَطَرٍ وَزَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى قَالَا: ثَنَا أَبُو طَالِبٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: يُكَنِّي الرَّجُلُ أَهْلَ الذِّمَّةِ؟ قَالَ: قَدْ «كَنَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُسْقُفَّ نَجْرَانَ» وَعُمَرُ رضي الله عنه قَالَ: يَا أَبَا حَسَّانَ، إِنْ كَنَّى أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ.

أَخْبَرَنِي [مُحَمَّدُ] بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُهَنَّا قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ: هَلْ يَصْلُحُ تَكَنِّي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ؟ فَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ لِنَصْرَانِيٍّ:

ص: 1320

أَسْلِمْ يَا أَبَا حَسَّانَ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ.

قُلْتُ: وَمَدَارُ هَذَا الْبَابِ وَغَيْرُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، فَإِنْ كَانَ فِي كُنْيَتِهِ تَمْكِينُهُ مِنَ اللِّبَاسِ وَتَرْكِ الْغِيَارِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَنَحْوِ ذَلِكَ تَأْلِيفًا لَهُ وَرَجَاءَ إِسْلَامِهِ وَإِسْلَامِ غَيْرِهِ كَانَ فِعْلُهُ أَوْلَى كَمَا يُعْطِيهِ مِنْ مَالِ اللَّهِ لِتَأَلُّفِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَتَأَلُّفُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى، وَقَدْ ذَكَرَ وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ:" سَلَامٌ عَلَيْكَ ".

وَمَنْ تَأَمَّلَ سِيرَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ فِي تَأْلِيفِهِمُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِكُلِّ طَرِيقٍ تَبَيَّنَ لَهُ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ، وَعَلِمَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنَ الْغِيَارِ وَغَيْرِهِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ.

وَلِهَذَا لَمْ يُغَيِّرْهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَغَيَّرَهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأُسْقُفِّ

ص: 1321