الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا كَوْنُ الْمُسْلِمِ لَا يَمْلِكُهَا بِالْإِحْيَاءِ فِي دَارِ الْعَهْدِ فَهَذَا فِيهِ وَجْهَانِ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ لَا يَمْلِكَانِ بِالْإِحْيَاءِ فَقَدْ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنَّهُمَا كَالذِّمِّيِّ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُمَا لَيْسَا كَالذِّمِّيِّ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّا لَا نُقِرُّ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا نُقِرُّ الذِّمِّيَّ.
[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَمْنَعُ كَنَائِسَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِلُوهَا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ]
220 -
فَصْلٌ
قَوْلُهُمْ: " وَلَا نَمْنَعُ كَنَائِسَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِلُوهَا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنْ نُوَسِّعَ أَبْوَابَهَا لِلْمَارَّةِ وَابْنِ السَّبِيلِ "
هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوا رِقَابَهَا كَمَا يَمْلِكُونَ دُورَهُمْ؛ إِذْ لَوْ مَلَكُوا رِقَابَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِلُوهَا إِلَّا بِرِضَاهُمْ كَدُورِهِمْ، وَإِنَّمَا مُتِّعُوهَا إِمْتَاعًا، وَإِذَا شَاءَ الْمُسْلِمُونَ نَزَلُوهَا مِنْهُمْ فَإِنَّهَا مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا مَلَكُوا الْأَرْضَ لَمْ يَسْتَبْقُوا الْكَنَائِسَ وَالْبِيَعَ عَلَى مِلْكِ الْكُفَّارِ بَلْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِمْ كَسَائِرِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، فَإِذَا نَزَلَهَا الْمَارَّةُ بِاللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ فَقَدْ نَزَلُوا فِي نَفْسِ مِلْكِهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ الشَّرْطِ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؟ قِيلَ: فَائِدَتُهُ أَنَّهُمْ لَا يَتَوَهَّمُونَ بِإِقْرَارِهِمْ فِيهَا أَنَّهَا كَسَائِرِ دُورِهِمْ وَمَنَازِلِهِمُ الَّتِي لَا يَجُوزُ دُخُولُهَا إِلَّا بِإِذْنِهِمْ، فَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِلْكًا لَهُمْ لَمْ يَجُزْ لِلْمُسْلِمِينَ الصَّلَاةُ فِيهَا إِلَّا بِإِذْنِهِمْ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَرِضَاهُ صَلَاةٌ فِي الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ وَهِيَ حَرَامٌ وَفِي صِحَّتِهَا نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ صَلَّى
الصَّحَابَةُ فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ.
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ، فَعَنْهُ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُهَا وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُصَوَّرَةِ فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا وَغَيْرُ الْمُصَوَّرَةِ فَلَا تُكْرَهُ، وَهِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ.
وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى.
وَمَنْ كَرِهَ الصَّلَاةَ فِيهَا احْتَجَّ بِأَنَّهَا مِنْ مَوَاطِنِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ فَهِيَ أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ مِنَ الْحَمَّامِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ، وَبِأَنَّهَا مِنْ أَمَاكِنِ الْغَضَبِ، وَبِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَرْضِ بَابِلَ، وَقَالَ:" «إِنَّهَا مَلْعُونَةٌ» " فَعَلَّلَ مَنْعَ الصَّلَاةِ فِيهَا بِاللَّعْنَةِ، وَهَذِهِ كَنَائِسُهُمْ هِيَ مَوَاضِعُ اللَّعْنَةِ
وَالسُّخْطَةِ وَالْغَضَبِ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ فِيهَا، كَمَا قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ:" اجْتَنِبُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فِي أَعْيَادِهِمْ فَإِنَّ السُّخْطَةَ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ "، وَبِأَنَّهَا مِنْ بُيُوتِ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَلَا يُتَعَبَّدُ اللَّهُ فِي بُيُوتِ أَعْدَائِهِ.
وَمَنْ لَمْ يَكْرَهْهَا قَالَ: قَدْ صَلَّى فِيهَا الصَّحَابَةُ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَهِيَ مِلْكٌ مِنْ أَمْلَاكِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَضُرُّ الْمُصَلِّي شِرْكُ الْمُشْرِكِ فِيهَا، فَذَلِكَ شِرْكٌ فِيهَا وَالْمُسْلِمُ يُوَحِّدُ فَلَهُ غُنْمُهُ وَعَلَى الْمُشْرِكِ غُرْمُهُ.
وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصُّورَةِ وَغَيْرِهَا؛ فَذَلِكَ لِأَنَّ الصُّوَرَ تُقَابِلُ الْمُصَلِّيَ وَتُوَاجِهُهُ وَهِيَ كَالْأَصْنَامِ إِلَّا أَنَّهَا غَيْرُ مُجَسَّدَةٍ، فَهِيَ شِعَارُ الْكُفْرِ وَمَأْوَى الشَّيْطَانِ، وَقَدْ كَرِهَ الْفُقَهَاءُ الصَّلَاةَ عَلَى الْبُسُطِ وَالْحُصْرِ الْمُصَوَّرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ، وَهِيَ تُمْتَهَنُ وَتُدَاسُ بِالْأَرْجُلِ فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ فِي الْحِيطَانِ وَالسُّقُوفِ؟ !