المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل طريق ثالث في نقضهم العهد] - أحكام أهل الذمة - ط رمادي - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[ذِكْرُ الشُّرُوطِ الْعُمَرِيَّةِ وَأَحْكَامِهَا وَمُوجِبَاتِهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ في أَحْكَامِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وما يتعلق بذلك]

- ‌[الْبِلَادُ الَّتِي تَفَرَّقَ فِيهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ] [

- ‌القسم الأول بِلَادٌ أَنْشَأَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي الْإِسْلَامِ وبَيَانُ بِنَاءِ بَعْضهاِ]

- ‌[فَصْلٌ مَآلُ مَعَابِدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ]

- ‌[القسم الثَّانِي بِلَادٌ أُنْشِئَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَافْتَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً وَمَلَكُوا أَرْضَهَا وَسَاكِنِيهَا]

- ‌[القسم الثَّالِثُ بِلَادٌ أُنْشِئَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَفَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ صُلْحًا]

- ‌[فَصْلٌ زَوَالُ الْأَمَانِ عَنِ الْأَنْفُسِ زَوَالٌ عَنِ الْكَنَائِسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بِنَاءِ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْهَا وَرَمِّ شَعَثِهِ وَذِكْرِ الْخِلَافِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ تَرْمِيمِ الْكَنِيسَةِ وَزِيَادَةِ الْبِنَاءِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ نَقْلُ الْكَنِيسَةِ مِنْ مَكَانٍ لِآخِرِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ أَبْنِيَةِ وَدُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَمَلُّكِ الذِّمِّيِّ بِالْإِحْيَاءِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَمْنَعُ كَنَائِسَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِلُوهَا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْثاني مَا يَتَعَلَّقُ بِإِظْهَارِ الْمُنْكَرِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ مِمَّا نُهُوا عَنْهُ] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُؤْوِي فِيهَا وَلَا فِي مَنَازِلِنَا جَاسُوسًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَكْتُمُ غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَضْرِبُ نَوَاقِيسَنَا إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُظْهِرُ عَلَيْهَا صَلِيبًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِنَا مِمَّا يَحْضُرُهُ الْمُسْلِمُونَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُخْرِجُ صَلِيبًا وَلَا كِتَابًا فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَلَّا نُخْرِجَ بَاعُوثًا وَلَا شَعَانِينَ وَلَا نَرْفَعُ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ حُضُورِ أَعْيَادِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُجَاوِرُهُمْ بِالْخَنَازِيرِ وَلَا بِبَيْعِ الْخُمُورِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُجَاوِزُ الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَانَا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا بِبَيْعِ الْخُمُورِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نُرَغِّبُ فِي دِينِنَا وَلَا نَدْعُو إِلَيْهِ أَحَدًا]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَتَّخِذُ مِنَ الرَّقِيقِ الَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُفَادَاةِ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَلَّا نَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَقْرِبَائِنَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْثالث مَا يَتَعَلَّقُ بِتَغْيِيرِ لِبَاسِهِمْ وَتَمْيِيزِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَرْكَبِ وَاللِّبَاسِ وَنَحْوِه] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُم نُلْزِمَ زِيَّنَا حَيْثُمَا كُنَّا وَأَلَّا نَتَشَبَّهَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي لُبْسِ وَلَا فَرْقِ شَعْرٍ وَلَا فِي مَرَاكِبِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا عِمَامَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِصَاصُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِالتَّلَحِّي فِي الْعَمَائِمِ]

- ‌[فَصْلٌ قوْلُهُمْ وَلَا فِي نَعْلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا بِفَرْقِ شَعْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَرْكِهِ وَكَيْفِيَّةِ جَعْلِ شَعْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُرْخَى الشَّعْرُ وَمَتَى يُضَفَّرُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ لِبَاسِ الْأَرْدِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَشَبَّهُ بِالْمُسْلِمِينَ فِي مَرَاكِبِهِمْ وَلَا نَرْكَبُ السُّرُوجَ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَقَلَّدُ السُّيُوفَ]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ الْأَحْكَامِ الَّتِي ضُرِبَتْ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ لَوْنُ لِبَاسِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فَسَادُ ذِمَمِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَكَلَّمُ بِكَلَامِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قولهم وَلَا نَنْقُشُ خَوَاتِيمَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَكَنَّى بِكُنَاهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ خِطَابُ الْكِتَابِيِّ بِسَيِّدِي وَمَوْلَايَ]

- ‌[فَصْلٌ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ كَيْفَ يُكْتَبُ إِلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ قولهم وَنُوَقِّرُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَنَقُومُ لَهُمْ عَنِ الْمَجَالِسِ]

- ‌[فَصْلٌ صِيَانَةُ الْقُرْآنِ أَنْ يَحْفَظَهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي أَمْرِ مُعَامَلَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ بِالشَّرِكَةِ وَنَحْوِهَا] [

- ‌فَصْلٌ قَولهم وَلَا يُشَارِكُ أَحَدٌ مِنَّا مُسْلِمًا فِي تِجَارَةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِلَى الْمُسْلِمِ أَمْرُ التِّجَارَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] [

- ‌فَصْلٌ قَولهم وَأَنْ نُضِيفَ كُلَّ مُسْلِمٍ عَابِرِ سَبِيلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنُطْعِمَهُ مِنْ أَوْسَطِ مَا نَجِدُ]

- ‌[فَصْلٌ نُزُولُ الْمَرِيضِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْسادسُ فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] [

- ‌فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَأَنَّ مَنْ ضَرَبَ مُسْلِمًا فَقَدْ خَلَعَ عَهْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى يُعْتَبَرُ الذِّمِّيُّ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ بَعْدَ فُجُورِهِ بِمُسْلِمَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا نَقَضُوا مَا شَرَطُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ نُقِضَ عَهْدُهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ طَرِيقٌ ثَالِثٌ فِي نَقْضِهِمُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ]

- ‌[فَصْلٌ لَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَهْدٌ إِلَّا مَا دَامُوا مُسْتَقِيمِينَ لَنَا]

- ‌[فَصْلٌ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِنَكْثِهِمْ أَيْمَانَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ كُلُّ مَنْ طَعَنَ فِي دِينِنَا فَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْهَمُّ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ مُوجِبٌ لِقِتَالِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَمْرُ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ الطَّاعِنِينَ فِي الدِّينِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُحَادُّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانُ مَعْنَى الْكَبْتِ]

- ‌[فَصْلٌ زَوَالُ الْعِصْمَةِ عَنْ نَفْسِ وَمَالِ الْمُؤْذِي لِلَّهِ وَرَسُولِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَدَّ اللَّهُ قِتَالَهُمْ حَتَّى يَنْتَهُوا عَنْ أَسْبَابِ الْفِتْنَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُوَفَّى الْعَهْدُ إِلَيْهِمْ مَا لَمْ يَنْقُصُونَا شَيْئًا مِمَّا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ حُجَّةُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي قَتْلِ السَّابِّ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى شُبْهَةٍ فِي قَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ]

- ‌[فَصْلٌ سَبُّ النَّبِيِّ أَوِ الْأَصْحَابِ]

الفصل: ‌[فصل طريق ثالث في نقضهم العهد]

[فَصْلٌ طَرِيقٌ ثَالِثٌ فِي نَقْضِهِمُ الْعَهْدَ]

263 -

فَصْلٌ

[طَرِيقٌ ثَالِثٌ فِي نَقْضِهِمُ الْعَهْدَ] .

وَسَلَكَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ طَرِيقًا ثَالِثَةً فِي نَوَاقِضِ الْعَهْدِ فَقَالَ: أَمَّا الثَّمَانِيَةُ الَّتِي فِيهَا ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَآحَادِهِمْ فِي مَالٍ أَوْ نَفْسٍ فَإِنَّهَا تَنْقُضُ الْعَهْدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.

وَأَمَّا مَا فِيهِ إِدْخَالُ غَضَاضَةٍ وَنَقْصٍ عَلَى الْإِسْلَامِ - وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَدِينِهِ وَرَسُولِهِ بِمَا لَا يَنْبَغِي - فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْعَهْدَ، نَصَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُخَرِّجْ فِي هَذَا رِوَايَةً أُخْرَى كَمَا ذَكَرَ أُولَئِكَ.

وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقَةِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ:" لَا يَنْتَقِضُ الْعَهْدُ بِذَلِكَ " فَإِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا عَلَيْهِمْ فِي الْعَهْدِ.

فَأَمَّا إِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَنْتَقِضُ، قَالَهُ الْخِرَقِيُّ.

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي كُلِّ مَا شُرِطَ عَلَيْهِمْ تَرْكُهُ، فَصَحَّحَ قَوْلَ الْخِرَقِيِّ بِانْتِقَاضِ الْعَهْدِ إِذَا خَالَفُوا شَيْئًا مِمَّا شُرِطَ عَلَيْهِمْ.

ص: 1364

وَالثَّانِي: لَا يَنْتَقِضُ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَهَاتَانِ الطَّرِيقَتَانِ ضَعِيفَتَانِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ إِقْرَارُ نُصُوصِ أَحْمَدَ عَلَى حَالِهَا، وَهُوَ قَدْ نَصَّ فِي مَسَائِلِ سَبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى انْتِقَاضِ الْعَهْدِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَعَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ، وَكَذَلِكَ فَيَمَنْ جَسَسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ عَلَى انْتِقَاضِ عَهْدِهِ وَقَتْلِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ الْخِرَقِيُّ فِيمَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ.

وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ قَذْفَ الْمُسْلِمَ وَسِحْرَهُ لَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ وَهُوَ تَقْرِيرُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ تَخْرِيجَ حُكْمِ إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى وَجَعْلَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَسْأَلَتَيْنِ - لِوُجُودِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا نَصًّا وَاسْتِدْلَالًا، وَلِوُجُودِ مَعْنًى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنِدًا لِلْفَرْقِ - غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَمْ يُخَرَّجِ التَّخْرِيجُ.

ص: 1365

قُلْتُ: لَفْظُ الْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ ": مَسْأَلَةٌ: إِذَا امْتَنَعَ الذِّمِّيُّ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ وَمِنْ جَرَيَانِ أَحْكَامِنَا عَلَيْهِمْ صَارَ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ، وَكَذَلِكَ إِذَا فَعَلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُهُ وَالْكَفُّ عَنْهُ مِمَّا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَآحَادِهِمْ فِي مَالٍ أَوْ نَفْسٍ، وَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَشْيَاءَ:

[1 -] الِاجْتِمَاعُ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ.

[2 -] وَأَلَّا يَزْنِيَ بِمُسْلِمَةٍ.

[3 -] وَلَا يُصِيبُهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ.

[4 -] وَلَا يَفْتِنُ مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ.

[5 -] وَلَا يَقْطَعُ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ.

[6 -] وَلَا يُؤْوِي لِلْمُشْرِكِينَ عَيْنًا.

[7 -] وَلَا يُعَاوِنُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِدَلَالَةٍ - أَعْنِي لَا يُكَاتِبُ الْمُشْرِكِينَ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ -.

8 -

وَلَا يَقْتُلُ مُسْلِمًا.

وَكَذَلِكَ إِذَا فَعَلَ مَا فِيهِ إِدْخَالُ غَضَاضَةٍ وَنَقْصٍ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ:

[1 -] ذِكْرُ اللَّهِ.

[2 -] وَكِتَابِهِ.

[3 -] وَدِينِهِ.

[4 -] وَرَسُولِهِ، بِمَا لَا يَنْبَغِي سَوَاءٌ شَرَطَ عَلَيْهِمُ الْإِمَامُ أَنَّهُمْ مَتَى فَعَلُوا ذَلِكَ كَانَ نَقْضًا لِعَهْدِهِمْ أَوْ لَمْ يَشْرُطْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.

نَصَّ عَلَيْهَا فِي مَوَاضِعَ، فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ فِي الذِّمِّيِّ يَمْنَعُ الْجِزْيَةَ: إِنْ كَانَ وَاجِدًا أُكْرِهَ عَلَيْهَا وَأُخِذَتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهَا ضُرِبَتْ

ص: 1366

عُنُقُهُ.

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ فِي نَصْرَانِيٍّ اسْتَكْرَهَ مُسْلِمَةً عَلَى نَفْسِهَا: يُقْتَلُ، لَيْسَ عَلَى هَذَا صُولِحُوا، فَإِنْ طَاوَعَتْهُ قُتِلَ وَعَلَيْهَا الْحَدُّ.

وَفِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: كُلُّ مَنْ ذَكَرَ شَيْئًا يَعْرِضُ بِهِ لِلرَّبِّ عز وجل فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي يَهُودِيٍّ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يُؤَذِّنُ فَقَالَ:" كَذَبْتَ " يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ شَتَمَ.

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي يَهُودِيٍّ شَتَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: يُقْتَلُ، قَدْ نَقَضَ الْعَهْدَ.

وَإِنْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ يُقْتَلُ، أُتِيَ عُمَرُ بِيَهُودِيٍّ فَحَشَ بِمُسْلِمَةٍ ثُمَّ غَشِيَهَا فَقَتَلَهُ.

وَقَالَ الْخِرَقِيُّ فِي الذِّمِّيِّ إِذَا قَتَلَ عَبْدًا مُسْلِمًا: يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ.

قَالَ الْقَاضِي: وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى لَا يَنْتَقِضُ الْعَهْدُ إِلَّا بِالِامْتِنَاعِ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ وَجَرْيِ أَحْكَامِنَا عَلَيْهِمْ.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ [يُوسُفَ] بْنِ مُوسَى الْمَوْصِلِيِّ فِي الْمُشْرِكِ إِذَا قَذَفَ

ص: 1367

مُسْلِمًا يُضْرَبُ.

وَكَذَلِكَ نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِي الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَقْذِفُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ: يُنَكَّلُ بِهِ، يُضْرَبُ مَا يَرَى الْحَاكِمُ.

وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي نَصْرَانِيٍّ قَذَفَ مُسْلِمًا: عَلَيْهِ الْحَدُّ.

قَالَ: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ بِقَذْفِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ بِهَتْكِ عِرْضِهِ، انْتَهَى.

فَتَأَمَّلْ هَذِهِ النُّصُوصَ، وَتَأَمَّلْ تَخْرِيجَهُ لَهَا، فَأَحْمَدُ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي انْتِقَاضِ الْعَهْدِ بِسَبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالزِّنَى بِمُسْلِمَةٍ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ نَصُّهُ فِي عَدَمِ الِانْتِقَاضِ بِقَذْفِ الْمُسْلِمِ، فَإِلْحَاقُ مَسَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِمَسَبَّةِ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَفْسَدِ الْإِلْحَاقِ، وَتَخْرِيجُ عَدَمِ النَّقْضِ بِهِ مِنْ نَصِّهِ عَلَى عَدَمِ النَّقْضِ بِسَبِّ

ص: 1368

آحَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَفْسَدِ التَّخْرِيجِ، وَأَيْنَ الضَّرَرُ وَالْمَفْسَدَةُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ إِلَى الْمَفْسَدَةِ مِنَ النَّوْعِ الْآخَرِ؟ وَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُ يُقْتَلُ بِسَبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالزِّنَى مَعَ الْإِحْصَانِ، وَلَا يُقْتَلُ بِالْقَذْفِ، فَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ فَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ مَحْضُ الْفِقْهِ، وَالتَّخْرِيجُ بَاطِلٌ نَصًّا وَقِيَاسًا وَاعْتِبَارًا.

وَاشْتِرَاكُ الصُّوَرِ كُلِّهَا فِي إِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يُوجِبُ تَسَاوِيَهَا فِي مِقْدَارِ الضَّرْبِ وَكَيْفِيَّتِهِ، فَالْمُسْلِمُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَدْخَلَ الضَّرَرَ أَيْضًا مَعَ التَّفَاوُتِ فِي الْأَحْكَامِ.

ثُمَّ يُقَالُ: يَا لِلَّهِ الْعَجَبُ! ! أَيْنَ ضَرَرُ الْمُجَاهَرَةِ بِسَبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكَلَامِهِ وَدِينِهِ عَلَى رُءُوسِ الْمَلَأِ، وَقَهْرِ الْمُسْلِمَاتِ وَإِنْ كُنَّ شَرِيفَاتٍ عَلَى الزِّنَى، إِلَى ضَرَرِ مَنْعِ دِينَارٍ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْجِزْيَةِ! .

وَكَذَلِكَ أَيْنَ ضَرَرُ تَحْرِيقِهِ لِمَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَنَابِرِ، إِلَى ضَرَرِ مَنْعِهِ لِدِينَارٍ وَجَبَ عَلَيْهِ! ! فَكَيْفَ يَقْتَضِي الْفِقْهُ أَنْ يُقَالَ: يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ بِمَنْعِ الدِّينَارِ دُونَ هَذِهِ الْأُمُورِ؟ وَأَيْنَ ضَرَرُ امْتِنَاعِهِ مِنْ قَبُولِ حُكْمِ الْحَاكِمِ إِلَى ضَرَرِ مُجَاهَرَتِهِ بِسَبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَا مَعَهُ؟

وَطَرِيقَةُ أَبِي الْبَرَكَاتِ فِي " الْمُحَرَّرِ " فِي تَحْصِيلِ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ أَصَحُّ طُرُقِ الْأَصْحَابِ عَلَى الْإِطْلَاقِ.

قَالَ: وَإِذَا لَحِقَ الذِّمِّيُّ بِدَارِ الْحَرْبِ مُتَوَطِّنًا أَوِ امْتَنَعَ مِنْ إِعْطَاءِ مَا عَلَيْهِ أَوِ الْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ أَوْ قَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ، وَإِنْ قَذَفَ مُسْلِمًا أَوْ آذَاهُ بِسِحْرٍ فِي تَصَرُّفَاتِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَقِيلَ: يَنْتَقِضُ.

ص: 1369