الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَمَّا كَانَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى الْبَاطِلِ مُسْتَلْزِمَةً - وَلَا بُدَّ - لِلطَّعْنِ فِي الْحَقِّ، كَانَ دُعَاؤُهُمْ إِلَى دِينِهِمْ وَتَرْغِيبِهِمْ فِيهِ طَعْنًا فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12] وَلَا رَيْبَ أَنَّ الطَّعْنَ فِي الدِّينِ أَعْظَمُ مِنَ الطَّعْنِ بِالرُّمْحِ وَالسَّيْفِ، فَأَوْلَى مَا انْتَقَضَ بِهِ الْعَهْدُ الطَّعْنُ فِي الدِّينِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا عَلَيْهِمْ، فَالشَّرْطُ مَا زَادَهُ إِلَّا تَأْكِيدًا وَقُوَّةً.
[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا نَتَّخِذُ مِنَ الرَّقِيقِ الَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ]
233 -
فَصْلٌ
قَوْلُهُمْ: " وَلَا نَتَّخِذُ مِنَ الرَّقِيقِ الَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ "
يَتَضَمَّنُ أَنَّهُمْ لَا يَتَمَلَّكُونَ رَقِيقًا مِنْ سَبْيِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ، فَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِذَا اسْتَرَقَّ الْإِمَامُ السَّبْيَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُمْ مِنْ كَافِرٍ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا، صِغَارًا كَانُوا أَوْ كِبَارًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ بَيْعُهُمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ أَهْلِ الْحَرْبِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ بَيْعُهُمْ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.
فَأَمَّا مَذْهَبُ مَالِكٍ فَقَالَ فِي " الْجَوَاهِرِ ": إِنِ اشْتَرَى الْكَافِرُ بَالِغًا عَلَى دِينِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ شِرَائِهِ إِذَا كَانَ يَسْكُنُ بِهِ فِي بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُبَاعُ لِمَنْ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ لِمَا يُخْشَى مِنْ إِطْلَاعِهِ أَهْلَ الْحَرْبِ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ صَغِيرًا عَلَى دِينِهِ يَعِي الْكِتَابَ وَغَيْرَهُ مُنِعَ مِنْ شِرَائِهِ؛ لِمَا يُرْجَى مِنْ إِسْلَامِهِ سُرْعَةَ إِجَابَتِهِ إِذَا دُعِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْسَخْ فِي نَفْسِهِ الْكُفْرُ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ.
فَإِنْ بِيعَ مِنْهُ فُسِخَ الْبَيْعُ وَتَحَرَّجَ فِيهِ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُمْنَعُ مِنْ شِرَائِهِ؛ لِأَنَّا لَسْنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ إِسْلَامِهِ إِذَا اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ.
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بَالِغًا عَلَى غَيْرِ دِينِ مُشْتَرِيهِ - وَلَهَا صُورَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: يَهُودِيٌّ يُبَاعُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَعَكْسُهُ - فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَسَحْنُونٌ بِالْمَنْعِ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ فَيَكُونُ إِضْرَارًا بِالْمَمْلُوكِ وَاتِّخَاذًا لِلسُّبُلِ إِلَى دِينِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُمْنَعُ؛ إِذِ الْمَنْعُ لَيْسَ بِحَقِّ اللَّهِ بَلْ بِحَقِّ الْعَبْدِ، فَلَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ تُجَّارٌ، فَيُتَدَارَكُ بَعْدُ بِالْمَنْعِ مِنْ أَذِيَّتِهِ دُونَ فَسْخِ الْبَيْعِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مِنَ الصَّقَالِبَةِ أَوِ الْمَجُوسِ أَوِ السُّودَانِ، فَهَلْ لَهُ شِرَاؤُهُ؟ حَكَى الْمَازِرِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِي الْمَذْهَبِ.
[الْأَوَّلُ:] الْجَوَازُ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ، وَأُطْلِقَ الْجَوَازُ فِي الصَّغِيرِ مِنْهُمْ وَالْكَبِيرِ.
وَالثَّانِي: الْمَنْعُ مُطْلَقًا فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ - قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ -.