الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنَّمَا نَهَى عُمَرُ رضي الله عنه أَهْلَ الذِّمَّةِ عَنْ لُبْسِهَا؛ لِأَنَّهَا زِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَحَابَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ، وَلِلْمُسْلِمِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ أُسْوَةٌ وَقُدْوَةٌ، فَالْخُلَفَاءُ يَلْبَسُونَهَا اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَشَبُّهًا بِهِ وَهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِاتِّبَاعِهِ وَاقْتِفَاءِ أَثَرِهِ، وَالْعُلَمَاءُ يَلْبَسُونَهَا إِذَا انْتَهَوْا فِي عِلْمِهِمْ وَعِزِّهِمْ وَعَظُمَتْ مَنْزِلَتُهُمْ وَاقْتَدَى النَّاسُ بِهِمْ فَيَتَمَيَّزُونَ بِهَا لِلشَّرَفِ عَلَى مَنْ دُونَهُمْ لِمَا رَفَعَهُمُ اللَّهُ بِعِلْمِهِمْ عَلَى جَهَلَةِ خَلْقِهِ، وَالْقُضَاةُ تَلْبَسُهَا هَيْبَةً وَرِفْعَةً، وَالْخُطَبَاءُ تَلْبَسُهَا عَلَى الْمَنَابِرِ لِعُلُوِّ مَقَامِهِمْ؛ فَيُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ لِبَاسِ الْقَلَنْسُوَةِ لِعَدَمِ وُجُودِ هَذِهِ الْمَعَانِي فِيهِمْ.
[فَصْلٌ قَوْلُهُمْ وَلَا عِمَامَةٍ]
237 -
فَصْلٌ
قَوْلُهُمْ: " وَلَا عِمَامَةٍ ".
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: وَالْعِمَامَةُ يُمْنَعُونَ مِنْ لُبْسِهَا وَالتَّعَمُّمِ بِهَا؛ إِنَّ الْعَمَائِمَ تِيجَانُ الْعَرَبِ وَعِزُّهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ مِنْ سِوَاهَا، وَلَبِسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةُ مِنْ بَعْدِهِ، فَهِيَ لِبَاسُ الْعَرَبِ قَدِيمًا، وَلِبَاسُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ، فَهِيَ لِبَاسُ الْإِسْلَامِ.
قَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» .
قَالَ: وَرَوَى عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ،
عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَصْحَابِهِ: " «اعْتَمُّوا تَزْدَادُوا حِلْمًا، وَقَالَ: الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَبِ» ".
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخُفَّيْنِ» .
وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " «فَرْقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ الْعَمَائِمُ عَلَى الْقَلَانِسِ» ".
وَهَذَا - وَإِنْ كَانَ إِخْبَارًا بِالْوَاقِعِ - فَإِنَّهُ إِرْشَادٌ إِلَى الْمَشْرُوعِ.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ [عَمْرٍو] ، عَنْ [الْفُضَيْلِ] بْنِ الْفَضَالَةِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَلْزَمَ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالْعَصَائِبِ وَالْأَلْوِيَةِ. يُرِيدُ بِالْعَصَائِبِ الْعَمَائِمَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ: " «فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى [الْعَصَائِبِ] وَالتَّسَاخِينِ» ". فَالْعَصَائِبُ الْعَمَائِمُ، وَالتَّسَاخِينُ الْخِفَافُ.
قَالُوا: وَالْعَمَائِمُ لَيْسَتْ مِنْ زِيِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ زِيِّ الْعَرَبِ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: وَلَا يُمَكَّنُ الذِّمِّيُّ مِنَ التَّعَمُّمِ بِهَا، فَإِنَّهُ لَا عِزَّ لَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا هِيَ مِنْ زِيِّهِ.
قُلْتُ: فَلَوْ خَالَفَتْ عَمَائِمُهُمْ عَمَائِمَ الْمُسْلِمِينَ فِي لَوْنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهَلْ يُمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ؟ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِتَمْكِينِهِمْ مِنْهَا لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ الْمَقْصُودِ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يُمَكَّنُوا إِذِ الْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ لَا يَلْبَسُونَ هَذَا الْجِنْسَ كَمَا لَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ وَلَوْ تَمَيَّزَتْ عَنْ خُيُولِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ رُكُوبَهَا عِزٌّ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ، كَمَا يُمْنَعُونَ مِنْ إِرْخَاءِ الذَّوَائِبِ.
وَلَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ نَصًّا فِي لُبْسِهِمُ الْعَمَائِمَ، وَلَكِنْ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَتْبَاعِهِ: إِنَّهُمْ يَشُدُّونَ فِي أَطْرَافِ عَمَائِمِهِمْ وَقَلَانِسِهِمْ مَا يُخَالِفُ لَوْنَهَا بِحُمْرَةٍ أَوْ صُفْرَةٍ وَنَحْوِهِمَا.
وَحَكَوْا فِي جَوَازِ تَمْكِينِهِمْ مَنِ الطَّيَالِسَةِ وَجْهَيْنِ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْعَمَائِمِ أَوْلَى وَأَحَقُّ بِالْمَنْعِ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ أَبُو الشَّيْخِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ " أَنِ امْنَعْ مَنْ قِبَلَكَ فَلَا يَلْبَسُ نَصْرَانِيٌّ قَبَاءً وَلَا ثَوْبَ خَزٍّ وَلَا عَصَبٍ، وَتَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ أَشَدَّ التَّقَدُّمِ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ نَهْيٌ عَنْهُ، وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ قِبَلَكَ مِنَ النَّصَارَى قَدْ رَاجَعُوا لُبْسَ الْعَمَائِمِ وَتَرَكُوا الْمَنَاطِقَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ وَاتَّخَذُوا الْوَفْرَ وَالْجُمَمَ، وَلَعَمْرِي إِنْ كَانَ يُصْنَعُ ذَلِكَ فِيمَا قِبَلَكَ إِنَّ ذَلِكَ بِكَ ضَعْفٌ وَعَجْزٌ، فَانْظُرْ كُلَّ شَيْءٍ نُهِيتَ عَنْهُ وَتَقَدَّمْتَ فِيهِ فَلَا تُرَخِّصْ فِيهِ وَلَا تُغَيِّرْ مِنْهُ شَيْئًا ".
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلْمَانَ، ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حِبَّانَ قَالَا: دَخَلَ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَيْهِمُ الْعَمَائِمُ كَهَيْئَةِ الْعَرَبِ، قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلْحِقْنَا بِالْعَرَبِ. قَالَ: فَمَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ بَنُو تَغْلِبَ. قَالَ: أَوَلَسْتُمْ مِنْ أَوْسَطِ الْعَرَبِ؟ قَالُوا: نَحْنُ نَصَارَى. قَالَ: عَلَيَّ بِجَلَمٍ، فَأَخَذَ مِنْ نَوَاصِيهِمْ وَأَلْقَى الْعَمَائِمَ وَشَقَّ مِنْ رِدَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شِبْرًا يَحْتَزِمُ بِهِ وَقَالَ: لَا تَرْكَبُوا السُّرُوجَ، وَارْكَبُوا الْأُكُفَ وَدَلُّوا أَرْجُلَكُمْ مِنْ شَقٍّ وَاحِدٍ.
حَدَّثَنَا خَالِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُوسَى الْعَسْقَلَانِيُّ،
حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الرُّعَيْنِيُّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَمْصَارِ الشَّامِ: " لَا يَمْشِي نَصْرَانِيٌّ إِلَّا مَفْرُوقَ النَّاصِيَةِ، وَلَا يَلْبَسُ قَبَاءً، وَلَا يَمْشِي إِلَّا بِزُنَّارٍ مِنْ جِلْدٍ، وَلَا يَلْبَسُ طَيْلَسَانًا، وَلَا يَلْبَسُ سَرَاوِيلَ ذَاتَ خِدْمَةٍ، وَلَا يَلْبَسُ نَعْلًا ذَاتَ عَذَبَةٍ، وَلَا يَرْكَبُ عَلَى سَرْجٍ، وَلَا يُوجَدُ فِي بَيْتِهِ سِلَاحٌ إِلَّا انْتُهِبَ، وَلَا يَدْخُلُ الْحَمَّامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ حَتَّى تُصَلَّى الْجُمُعَةُ ".
حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى عَنِ ابْنِ [مُسْهَرٍ] ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِلَى الْأَمْصَارِ أَنْ: " تُجَزَّ نَوَاصِيَهُمْ - يَعْنِيَ النَّصَارَى - وَلَا يَلْبَسُوا أَلْبِسَةَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُعْرَفُوا ".
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَذَّاءُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ:" أَمَّا بَعْدُ، فَلَا يَرْكَبَنَّ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ عَلَى سَرْجٍ وَلْيَرْكَبَنَّ عَلَى إِكَافٍ، وَلَا يَرْكَبَنَّ نِسَاؤُهُمْ عَلَى رَاحِلَةٍ وَلْيَكُنْ رُكُوبُهُنَّ عَلَى إِكَافٍ، وَتَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ تَقَدُّمًا بَلِيغًا ".
وَقَالَ الْخَلَّالُ فِي " الْجَامِعِ ": بَابُ مَا تُؤْخَذُ بِهِ النَّصَارَى مِنِ اتِّخَاذِ الزَّنَانِيرِ وَعَلَى نِسَائِهِمْ مِنْ زِيِّهِمْ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَارِثِ قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ: " يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالزَّنَانِيرِ يُذَلُّونَ بِذَلِكَ ".
ثَنَا يَحْيَى بْنُ [جَعْفَرِ بْنِ] عَبْدِ اللَّهِ بْنِ [الزِّبْرِقَانِ] ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ [السَّكَنِ] ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَمَرَ عُمَرُ رضي الله عنه أَنْ تُجَزَّ نَوَاصِي أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَأَنْ يَشُدُّوا الْمَنَاطِقَ، وَأَنْ يَرْكَبُوا الْأُكُفَ بِالْعَرْضِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَنْهَوُا النَّصَارَى أَنْ يَفْرِقُوا رُءُوسَهُمْ، وَتُجَزَّ نَوَاصِيهِمْ، وَأَنْ تُشَدَّ مَنَاطِقُهُمْ، وَلَا يَرْكَبُوا عَلَى سَرْجٍ، وَلَا يَلْبَسُوا عَصَبًا وَلَا خَزًّا، وَأَنْ يُمْنَعَ نِسَاؤُهُمْ أَنْ يَرْكَبْنَ الرَّحَائِلَ، فَإِنْ قُدِرَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّقَدُّمِ إِلَيْهِ فَإِنَّ سَكَنَهُ لِمَنْ وَجَدَهُ.