الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ قَولهم وَلَا نَتَشَبَّهُ بِالْمُسْلِمِينَ فِي مَرَاكِبِهِمْ وَلَا نَرْكَبُ السُّرُوجَ]
244 -
فَصْلٌ
قَالُوا: " وَلَا نَتَشَبَّهُ بِالْمُسْلِمِينَ فِي مَرَاكِبِهِمْ، وَلَا نَرْكَبُ السُّرُوجَ، وَلَا نَتَقَلَّدُ السُّيُوفَ، وَلَا نَتَّخِذُ شَيْئًا مِنَ السِّلَاحِ وَلَا نَحْمِلُهُ مَعَنَا ".
فَأَهْلُ الذِّمَّةِ مَمْنُوعُونَ مِنْ رُكُوبِهِمُ السُّرُوجَ وَإِنَّمَا يَرْكَبُونَ الْأُكُفَ - وَهِيَ الْبَرَاذِعُ - عَرْضًا، وَتَكُونُ أَرْجُلُهُمْ جَمِيعًا إِلَى جَانِبٍ وَاحِدٍ كَمَا أَمَرَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ فِيمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ [عَبْدِ اللَّهِ] ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَسْلَمَ: أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ أَهْلَ الذِّمَّةِ أَنْ يَرْكَبُوا عَلَى الْأُكُفِ عَرْضًا وَأَنْ يَرْكَبُوا عَرْضًا وَلَا يَرْكَبُوا كَمَا يَرْكَبُ الْمُسْلِمُونَ.
وَذَكَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ إِلَى عُمَّالِهِ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَرْكَبَ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي شَقِّ شَقٍّ.
وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: زَعَمَ أَبِي قَالَ: نَهَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يَرْكَبَ السُّرُوجَ مَنْ خَالَفَ الْإِسْلَامَ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ [أَبِي] عُثْمَانَ الْأُمَوِيِّ قَالَ: أَمَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُحْمَلُوا عَلَى الْأُكُفِ وَأَنْ تُجَزَّ نَوَاصِيهِمْ.
وَأَنَّ السُّرُوجَ مِنْ آلَاتِ الْخَيْلِ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ مَمْنُوعُونَ مِنْ رُكُوبِهَا فَإِنَّهَا عِزٌّ لِأَهْلِهَا وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْعِزِّ، وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ.
قَالَ الْجُوَيْنِيُّ فِي " النِّهَايَةِ ": اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّا نَأْمُرُ الْكُفَّارَ بِالتَّمْيِيزِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ بِالْغِيَارِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ.
وَقَالَ الْأَصْحَابُ: يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْجِيَادِ، وَيُكَلَّفُونَ رُكُوبَ الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ إِلَّا النَّفِيسَةَ الَّتِي يُتَزَيَّنُ بِرُكُوبِهَا فَإِنَّهَا فِي مَعْنَى الْخَيْلِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَتَمَيَّزَ مَرَاكِبُهُمْ عَنِ الْمَرَاكِبِ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا الْأَمَاثِلُ وَالْأَعْيَانُ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ.
وَقِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رِكَابُهُمُ الْعَرُورَ، وَهُوَ رِكَابُ الْخَشَبِ، ثُمَّ يُضْطَرُّونَ إِلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ رُكُوبِ وَسَطِ الْجَوَادِ إِذَا كَانَ يَطْرُقُهَا الْمُسْلِمُونَ، وَإِنْ خَلَتْ مِنْ زَحْمَةِ الطَّارِقِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا حَرَجَ، ثُمَّ تَكْلِيفُهُمُ التَّمَيُّزَ بِالْغِيَارِ وَاجِبٌ حَتَّى لَا يَخْتَلِطُوا فِي زِيِّهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ.
قَالَ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَمْيِيزِهِمْ فِي الدَّوَابِّ وَالْمَرَاكِبِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَقَالَ قَائِلُونَ: التَّمَيُّزُ بِهَا حَتْمٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْغِيَارِ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ مَا عَدَا الْغِيَارَ أَدْنَى، ثُمَّ إِذَا رَأَى الْإِمَامُ وَمَنْ إِلَيْهِ الْأَمْرُ ذَلِكَ فَلَا مُعْتَرِضَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يَسُوغُ إِلَّا الِاتِّبَاعُ.
وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْهُمْ أَنْ تَتَمَيَّزَ بِالْغِيَارِ إِذَا بَرَزَتْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجِبُ كَالرَّجُلِ.
وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ؛ إِذْ بُرُوزُ النِّسَاءِ نَادِرٌ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي تَمْيِيزًا فِي الْغِيَارِ.
وَإِذَا دَخَلَ الْكَافِرُ حَمَّامًا فِيهِ مُسْلِمُونَ وَكَانَ لَا يَتَمَيَّزُ عَمَّنْ فِيهِ بِغِيَارٍ وَعَلَامَةٍ، فَالَّذِي رَأَتْهُ الْأَصْحَابُ مَنْعُ ذَلِكَ وَإِيجَابُ التَّمْيِيزِ فِي هَذَا الْمَقَامِ
أَوْلَى؛ إِذْ رُبَّمَا يَفْسَدُ الْمَاءُ عَلَى حُكْمِ دِينِهِ بِحَيْثُ لَا يُشْعَرُ بِهِ.
وَدُخُولُ الْكَافِرَةِ الْحَمَّامَ الَّذِي فِيهِ الْمُسْلِمَاتُ مِنْ غَيْرِ خِلَافِ غِيَارٍ يُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وَكَانَ شَيْخِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: " لَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ رُكُوبِ جِنْسِ الْخَيْلِ، فَلَوْ رَكِبُوا الْبَرَاذِينَ الَّتِي لَا زِينَةَ فِيهَا وَالْبِغَالَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا مَنْعَ، وَالْحِمَارُ الَّذِي تَبْلُغُ قِيمَتُهُ مَبْلَغًا إِذَا رَكِبَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ فِيهِ مَنْعًا، وَلَعَلَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى الْجِنْسِ، وَمِنَ الْكَلَامِ الشَّائِعِ: رُكُوبُ الْحِمَارِ ذُلٌّ وَرُكُوبُ الْخَيْلِ عِزٌّ "، انْتَهَى.
وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَلَا يَرْكَبُوا أَصْلًا فَرَسًا، وَإِنَّمَا يَرْكَبُونَ الْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ ".
قَالَ أَصْحَابُهُ: فَتُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ رُكُوبِ الْفَرَسِ؛ إِذْ فِي رُكُوبِهَا الْفَضِيلَةُ الْعَظِيمَةُ وَالْعِزُّ، وَهِيَ مَرَاكِبُ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَحْمُونَ حَوْزَةَ الْإِسْلَامِ وَيَذُبُّونَ عَنْ دِينِ اللَّهِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] فَجُعِلَ رِبَاطُ الْخَيْلِ لِأَجْلِ إِرْهَابِ الْكُفَّارِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمَكَّنُوا مِنْ رُكُوبِهَا إِذْ فِيهِ إِرْهَابُ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا