الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ عليه السلام «مَنْ فَسَّرَ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» أَيْ قَضَى بِتَأْوِيلِهِ وَاجْتِهَادِهِ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ نَصَّبَ نَفْسَهُ صَاحِبَ وَحْيٍ وَفِي هَذَا إبْطَالُ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الثَّابِتُ بِالِاجْتِهَادِ تَفْسِيرًا وَقَطْعًا عَلَى حَقِّيَّتِهِ مُرَادًا، وَهَذَا بَاطِلٌ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَإِنَّ الظَّاهِرَ اسْمٌ لِكُلِّ كَلَامٍ ظَهَرَ الْمُرَادُ بِهِ لِلسَّامِعِ بِصِيغَتِهِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِحْلَالِ وَأَمَّا النَّصُّ فَمَا ازْدَادَ
ــ
[كشف الأسرار]
وَمِنْهُ السَّفِيرُ؛ لِأَنَّهُ يَكْشِفُ مُرَادَ اثْنَيْنِ وَسَافَرَ الرَّجُلُ انْكَشَفَ عَنْ الْبُنْيَانِ وَمِنْهُ السَّفَرُ؛ لِأَنَّهُ يَكْشِفُ عَنْ أَخْلَاقِ الْمَرْءِ وَأَحْوَالِهِ، فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ أَيْ التَّفْسِيرُ مَقْلُوبًا مِنْ التَّسْفِيرِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الْكَشْفُ وَالْإِظْهَارُ عَلَى وَجْهٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ كَجَبَذَ وَجَذَبَ وَطَسَمَ وَطَمَسَ إلَّا أَنَّهُ قِيلَ السَّفَرُ كَشْفُ الظَّاهِرِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْفَسْرُ كَشْفُ الْبَاطِنِ وَمِنْهُ التَّفْسِرَةُ لِلْقَارُورَةِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا عِنْدَ الطَّبِيبِ؛ لِأَنَّهَا يَكْشِفُ عَنْ بَاطِنِ الْعَلِيلِ فَسُمِّيَ كَشْفُ الْمَعَانِي تَفْسِيرًا؛ لِأَنَّهُ كَشْفُ بَاطِنِ الْأَلْفَاظِ.
قَوْلُهُ (وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ) أَيْ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّفْسِيرَ هُوَ الْكَشْفُ بِلَا شُبْهَةٍ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ عليه السلام «فَلْيَتَبَوَّأْ» أَمْرٌ بِمَعْنَى الْخَبَرِ أَيْ فَقَدْ تَبَوَّأَ أَيْ اتَّخَذَ النَّارَ مَنْزِلًا، قُضِيَ بِتَأْوِيلِهِ الْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ، وَالضَّمِيرُ فِي أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْحَاصِلِ بِالتَّأْوِيلِ وَالِاجْتِهَادِ أَيْ حُكِمَ بِأَنْ مَا صَرَفْت اللَّفْظَ إلَيْهِ وَاجْتَهَدْت فِي اسْتِخْرَاجِهِ، وَهُوَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي هَذَا أَيْ الْحَدِيثِ إبْطَالُ قَوْلِهِمْ لِمَا ذُكِرَ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أَرَادَ بِهِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ أَيْ يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَرَادَ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَلَكِنَّهُ يَقَعُ فِي الْخَطَإِ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ أَصَابَ الْحَقَّ غَيْرُهُ.
[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي وُجُوهِ بَيَانِ النَّظْم]
[تَعْرِيف الظَّاهِرَ وَالنَّصّ]
قَوْلُهُ (الظَّاهِرُ اسْمٌ لِكُلِّ) الْمُرَادُ مِنْ الظَّاهِرِ هُوَ الْمُصْطَلَحُ أَيْ الشَّيْءُ الَّذِي يُسَمَّى ظَاهِرًا فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ، وَمِنْ قَوْلِهِ مَا ظَهَرَ الظُّهُورَ اللُّغَوِيَّ فَلَا يَكُونُ فِيهِ تَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ إذْ الْأَوَّلُ بِمَنْزِلَةِ الْعِلْمِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ الْمَعْنَى، وَقِيلَ هُوَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ أَوْ الْعُرْفِيِّ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا، وَقِيلَ هُوَ مَا لَا يَفْتَقِرُ فِي إفَادَتِهِ لِمَعْنَاهُ إلَى غَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَأَمَّا النَّصُّ فَكَذَا) اعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ مَنْ تَصَدَّى لِشَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ وَالْمُخْتَصَرِ ذَكَرُوا أَنَّ قَصْدَ الْمُتَكَلِّمِ إذَا اقْتَرَنَ بِالظَّاهِرِ صَارَ نَصًّا وَشَرْطٌ فِي الظَّاهِرِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْنَاهُ مَقْصُودًا بِالسَّوْقِ أَصْلًا فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّصِّ، قَالُوا لَوْ قِيلَ رَأَيْت فُلَانًا حِينَ جَاءَنِي الْقَوْمُ ظَاهِرًا فِي مَجِيءِ الْقَوْمِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِالسَّوْقِ وَلَوْ قِيلَ ابْتِدَاءً جَاءَنِي الْقَوْمُ كَانَ نَصًّا فِي مَجِيءِ الْقَوْمِ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالسَّوْقِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ إذَا سِيقَ لِمَقْصُودٍ كَانَ فِيهِ زِيَادَةُ ظُهُورٍ وَجَلَاءٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْمَسُوقِ لَهُ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ عِبَارَةُ النَّصِّ رَاجِحَةً عَلَى إشَارَتِهِ، قَالُوا وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِمَعْنًى مِنْ الْمُتَكَلِّمِ لَا فِي نَفْسِ الصِّيغَةِ وَبِقَوْلِهِ فَازْدَادَ وُضُوحًا عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنْ قُصِدَ بِهِ وَسِيقَ لَهُ.
قُلْت هَذَا الْكَلَامُ حَسَنٌ وَلَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ، فَإِنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ رحمه الله ذَكَرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ الظَّاهِرُ مَا يُعْرَفُ الْمُرَادُ مِنْهُ بِنَفْسِ السَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ، مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: 1] .
وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ، {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] ، وَقَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ، {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ ظَاهِرٌ يُوقَفُ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ بِسَمَاعِ الصِّيغَةِ. وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَيْضًا، وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى مِنْ تَصَانِيفِ أَصْحَابِنَا
وُضُوحًا عَلَى الظَّاهِرِ بِمَعْنًى مِنْ الْمُتَكَلِّمِ لَا فِي نَفْسِ الصِّيغَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ نَصَّصْت الدَّابَّةَ إذَا اسْتَخْرَجْت بِتَكَلُّفِك مِنْهَا سَيْرًا فَوْقَ سَيْرِهَا الْمُعْتَادِ وَسُمِّيَ مَجْلِسُ الْعَرُوسِ مِنَصَّةً لِأَنَّهُ ازْدَادَ ظُهُورًا عَلَى سَائِرِ الْمَجَالِسِ بِفَضْلِ تَكْلِيفٍ اتَّصَلَ بِهِ وَمِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] فَإِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِطْلَاقِ نَصٌّ فِي بَيَانِ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ الْكَلَامُ لِلْعَدَدِ وَقُصِدَ بِهِ فَازْدَادَ ظُهُورًا عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنْ قُصِدَ بِهِ وَسِيقَ لَهُ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ لِلتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ نَصٌّ لِلْفَصْلِ مِنْ الْبَيْعِ وَالرِّبَا لِأَنَّهُ سِيقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهِ فَازْدَادَ وُضُوحًا بِمَعْنًى مِنْ الْمُتَكَلِّمِ لَا بِمَعْنًى فِي صِيغَتِهِ
ــ
[كشف الأسرار]
فِي أُصُولِ الْفِقْهِ الظَّاهِرُ اسْمٌ لِمَا يَظْهَرُ الْمُرَادُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ السَّمْعِ مِنْ غَيْرِ إطَالَةٍ فِكْرَةٍ وَلَا إجَالَةِ رُؤْيَةٍ نَظِيرُهُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ قَوْله تَعَالَى، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: 1] ، وقَوْله تَعَالَى، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] ، وَذَكَرَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ أَبُو الْقَاسِمِ السَّمَرْقَنْدِيُّ رحمه الله الظَّاهِرُ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ احْتِمَالًا بَعِيدًا نَحْوُ الْأَمْرُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْإِيجَابُ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ التَّهْدِيدَ وَكَالنَّهْيِ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ التَّنْزِيهَ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ عَدَمَ السَّوْقِ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ هُوَ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مَسُوقًا أَوْ لَمْ يَكُنْ أَلَا تَرَى كَيْفَ جَمَعَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرُهُ فِي إيرَادِ النَّظَائِرِ بَيْنَ مَا كَانَ مَسُوقًا وَغَيْرَ مَسُوقٍ وَأَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأُصُولِيِّينَ لَمْ يَذْكُرْ فِي تَحْدِيدِهِ لِلظَّاهِرِ هَذَا الشَّرْطَ، وَلَوْ كَانَ مَنْظُورًا إلَيْهِ لَمَا غَفَلَ عَنْهُ الْكُلُّ، لَيْسَ ازْدِيَادُ وُضُوحِ النَّصِّ عَلَى الظَّاهِرِ بِمُجَرَّدِ السَّوْقِ كَمَا ظَنُّوا إذْ لَيْسَ بَيْنَ قَوْله تَعَالَى، {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] ، مَعَ كَوْنِهِ مَسُوقًا فِي إطْلَاقِ النِّكَاحِ وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى، {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] ، مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَسُوقٍ فِيهِ فَرْقٌ فِي فَهْمِ الْمُرَادِ لِلسَّامِعِ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِأَحَدِهِمَا بِالسَّوْقِ قُوَّةٌ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ عِنْدَ التَّعَارُضِ كَالْخَبَرَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الظُّهُورِ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِأَحَدِهِمَا مَزِيَّةٌ عَلَى الْآخَرِ بِالشُّهْرَةِ أَوْ التَّوَاتُرِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَعَانِي، بَلْ ازْدِيَادُهُ بِأَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ مَعْنًى لَمْ يُفْهَمْ مِنْ الظَّاهِرِ بِقَرِينَةٍ نُطْقِيَّةٍ تَنْضَمُّ إلَيْهِ سِبَاقًا أَوْ سِيَاقًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَصْدَ الْمُتَكَلِّمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالسَّوْقِ كَالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا لَمْ تُفْهَمْ مِنْ ظَاهِرِ الْكَلَامِ بَلْ بِسِيَاقِ الْكَلَامِ.
وَهُوَ قَوْله تَعَالَى، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، عُرِفَ أَنَّ الْغَرَضَ إثْبَاتُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] فَأَنَّى يَتَمَاثَلَانِ، وَلَمْ يُعْرَفْ هَذَا الْمَعْنَى بِدُونِ تِلْكَ الْقَرِينَةِ بِأَنْ قِيلَ ابْتِدَاءً {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: رحمه الله وَأَمَّا النَّصُّ فَمَا يَزْدَادُ بَيَانًا بِقَرِينَةٍ تَقْتَرِنُ بِاللَّفْظِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ ظَاهِرًا بِدُونِ تِلْكَ الْقَرِينَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ النَّصُّ فَوْقَ الظَّاهِرِ فِي الْبَيَانِ لِدَلِيلٍ فِي عَيْنِ الْكَلَامِ، وَقَالَ الْإِمَامُ اللَّامِشِيُّ: النَّصُّ مَا فِيهِ زِيَادَةُ ظُهُورٍ سِيقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهِ وَأُرِيدَ بِالْإِسْمَاعِ بِاقْتِرَانِ صِيغَةٍ أُخْرَى بِصِيغَةِ الظَّاهِرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] ، نَصٌّ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا حَيْثُ أُرِيدَ بِالْإِسْمَاعِ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ دَعْوَى الْمُمَاثَلَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ بِمَعْنًى مِنْ الْمُتَكَلِّمِ لَا فِي نَفْسِ الصِّيغَةِ فَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ ازْدَادَ النَّصُّ وُضُوحًا عَلَى الظَّاهِرِ لَيْسَ لَهُ صِيغَةٌ فِي الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَضْعًا بَلْ يُفْهَمُ بِالْقَرِينَةِ الَّتِي اقْتَرَنَتْ بِالْكَلَامِ أَنَّهُ هُوَ الْغَرَضُ لِلْمُتَكَلِّمِ مِنْ السَّوْقِ كَمَا أَنَّ فَهْمَ التَّفْرِقَةِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ صِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً بَلْ بِالْقَرِينَةِ السَّابِقَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَصْدَ الْمُتَكَلِّمِ هُوَ التَّفْرِقَةُ وَلَوْ ازْدَادَ وُضُوحًا بِمَعْنًى يَدُلُّ عَلَيْهِ صِيغَةُ بَصِيرٍ مُفَسَّرًا فَيَكُونُ هَذَا احْتِرَازًا عَنْ الْمُفَسَّرِ.
يُقَالُ الْمَاشِطَةُ تَنِضُّ الْعَرُوسَ فَتُقْعِدُهَا عَلَى الْمَنَصَّةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَهِيَ كُرْسِيُّهَا لِتُرَى بَيْنَ النِّسَاءِ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] ، أَيْ مَا حَلَّ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ مِنْهُنَّ مَا حَرَّمَ كَاَللَّاتِي فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ،
وَحُكْمُ الْأَوَّلِ ثُبُوتُ مَا انْتَظَمَهُ يَقِينًا وَكَذَلِكَ الثَّانِي إلَّا أَنَّ هَذَا عِنْدَ التَّعَارُضِ أَوْلَى مِنْهُ.
ــ
[كشف الأسرار]
وَقِيلَ مَا ذَهَابًا إلَى الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ مَا سُؤَالٌ عَنْ الصِّفَةِ كَمَا أَنَّ مَنْ سُؤَالٌ عَنْ الذَّاتِ؛ وَلِأَنَّ الْإِنَاثَ مِنْ الْعُقَلَاءِ يَجْرِينَ مَجْرَى غَيْرِ الْعُقَلَاءِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المعارج: 30] ، مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، مَعْدُولَةٌ عَنْ أَعْدَادٍ مُكَرَّرَةٍ، وَإِنَّمَا مُنِعَتْ التَّصْرِيفَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْعَدْلَيْنِ عَدْلُهَا عَنْ صِيغَتِهَا وَعَدْلُهَا عَنْ تَكَرُّرِهَا، وَهِيَ نَكِرَاتٌ يُعَرَّفْنَ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ تَقُولُ فُلَانٌ يَنْكِحُ الْمَثْنَى وَالثُّلَاثَ وَالرُّبَاعَ وَمَحَلُّهُنَّ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ مِمَّا طَابَ تَقْدِيرُهُ فَانْكِحُوا الطَّيِّبَاتِ لَكُمْ مَعْدُودَاتِ هَذَا الْعَدَدِ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا وَأَرْبَعًا أَرْبَعًا كَذَا فِي الْكَشَّافِ، وَقِيلَ مَا طَابَ أَيْ مَا أَدْرَكَ مِنْ طَابَتْ الثَّمَرَةُ إذَا أَدْرَكَتْ وَالْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الصَّغَائِرِ جَائِزٌ، ظَاهِرٌ فِي الْإِطْلَاقِ أَيْ فِي إبَاحَةِ نِكَاحِ مَا يَسْتَطِيبُهُ الْمَرْءُ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ، وَقِيلَ فِي اخْتِيَارِهِ لَفْظَ الْإِطْلَاقِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ الْحَظْرُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ رِقٌّ وَكَوْنُهَا حُرَّةً يُنَافِي صَيْرُورَتَهَا مَمْلُوكَةً؛ وَلِأَنَّهَا مُكَرَّمَةٌ بِالتَّكْرِيمِ الْإِلَهِيِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] ، وَصَيْرُورَتُهَا مَوْطُوءَةً مَصَبَّةٌ لِلْمَاءِ الْمَهِينِ يُنَافِي التَّكْرِيمَ إلَّا أَنَّهُ أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فَفِي قَوْلِهِ الْإِطْلَاقُ إشَارَةٌ إلَى إزَالَةِ هَذِهِ الْحُرْمَةِ، الضَّمِيرُ فِي لِأَنَّهُ لِلشَّأْنِ.
وَقُصِدَ بِهِ أَيْ قُصِدَ الْعَدَدُ بِالسَّوْقِ، فَازْدَادَ هَذَا الْكَلَامُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى، {فَانْكِحُوا} [النساء: 3] إلَى قَوْلِهِ رُبَاعَ، وُضُوحًا عَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عَدَدٍ بِسَبَبِ أَنَّ قَصْدَ الْعَدَدِ بِالْكَلَامِ وَسِيقَ الْكَلَامُ لِلْعَدَدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ مَفْهُومًا مِنْ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ (وَحُكْمُ الْأَوَّلِ) ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ثُبُوتُ مَا انْتَظَمَهُ يَقِينًا عَامًّا كَانَ أَوْ خَاصًّا وَكَذَا الثَّانِي، وَهُوَ النَّصُّ عَامًّا كَانَ أَوْ خَاصًّا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ وَعَامَّةُ الْمُعْتَزِلَةِ وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِ دِيَارِنَا مِنْهُمْ: الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ رحمه الله حُكْمُ الظَّاهِرِ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِمَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ ظَاهِرًا لَا قَطْعًا وَوُجُوبُ اعْتِقَادِ حَقِّيَّةَ مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا حُكْمُ النَّصِّ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَامَّ الْخَالِيَ مِنْ قَرِينَةِ الْخُصُوصِ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ قَطْعًا عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ بِخِلَافِهِ لِاحْتِمَالِ الْخُصُوصِ فِي الْجُمْلَةِ وَكَذَا كُلُّ حَقِيقَةٍ مُحْتَمِلٌ لِلْمَجَازِ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ كَذَا فِي الْمِيزَانِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا دَخَلَ تَحْتَ الِاحْتِمَالِ.
وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بَلْ يُوجِبُ الْعَمَلَ عِنْدَهُمْ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَعِنْدَنَا لَا عِبْرَةَ لِلِاحْتِمَالِ الْبَعِيدِ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ؛ لِأَنَّ النَّاشِئَ عَنْ إرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ، وَهِيَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَالْأَحْكَامُ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَرُخَصِ الْمُسَافِرِ لَا تَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ الْمَشَقَّةِ وَالنَّسَبِ بِالْأَعْلَاقِ وَالتَّكْلِيفِ بِاعْتِدَالِ الْعَقْلِ لِكَوْنِهَا أُمُورًا بَاطِنَةً بَلْ بِالسَّفَرِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْمَشَقَّةِ وَالْفِرَاشِ الَّذِي هُوَ دَلِيلُ الْأَعْلَاقِ وَالِاحْتِلَامِ الَّذِي هُوَ دَلِيلُ اعْتِدَالِ الْعَقْلِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ رحمه الله فِي الْمُسْتَصْفَى الظَّاهِرُ هُوَ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَالنَّصُّ هُوَ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُهُ ثُمَّ قَالَ النَّصُّ يُطْلَقُ فِي تَعْرِيفِ الْعُلَمَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ مَا أَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ، فَإِنَّهُ سَمَّى الظَّاهِرَ نَصًّا فَهُوَ