الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَشَرْطُ الْحُكْمِ تَابِعٌ لَهُ فَصَارَ حَسَنًا لِحُسْنِهِ وَإِنَّمَا قَبُحَ لَوْ كَانَ مَقْصُودًا بِهِ وَفِي ضَمَانِ الْمُدَبَّرِ قُلْنَا بِزَوَالِ الْمُدَبَّرِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى لِكَوْنِهِ مَالًا مَمْلُوكًا تَحْقِيقًا لِشَرْطِ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ وُجُوبُ الضَّمَانِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي صِيَانَةً لِحَقِّهِ وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْمُدَبَّرِ جُعِلَ مُقَابَلًا بِالْفَائِتِ وَهُوَ الْيَدُ دُونَ الرَّقَبَةِ وَهَذَا طَرِيقٌ جَائِزٌ لَكِنْ لَا يُصَارُ إلَيْهِ عَنْ الْمُقَابَلَةِ بِالرَّقَبَةِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ وَالضَّرُورَةِ فَالطَّرِيقُ الْأَوَّلُ وَاجِبٌ وَهَذَا جَائِزٌ.
وَأَمَّا الزِّنَا فَلَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ إنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لِلْمَاءِ وَالْمَاءُ سَبَبٌ لِلْوَلَدِ وُجُودًا
ــ
[كشف الأسرار]
التَّيَمُّمَ فَهَهُنَا إذَا عَادَ الْعَبْدُ مِنْ الْإِبَاقِ جَاءَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ اعْتِبَارُ الْخَلَفِ (قُلْنَا) نَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّهُ بَدَلُ خِلَافَةٍ وَلَكِنَّا نَحْتَاجُ إلَى إزَالَةِ الْأَصْلِ عَنْ مِلْكِهِ حَالَ مَا يَقْضِي الْقَاضِي بِإِدْخَالِ الْبَدَلِ فِي مِلْكِهِ احْتِرَازًا عَنْ اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمَبْدُولِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ فَإِذَا دَخَلَ الْبَدَلُ فِي مِلْكِهِ وَزَالَ الْأَصْلُ عَنْ مِلْكِهِ وَوَقَعَ الْفَرَاغُ عَنْهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى حُصُولِ الْقُدْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَلَا يُوجِبُ سُقُوطَ اعْتِبَارِ الْبَدَلِ كَمَنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ قَوْلُهُ.
(وَشَرْطُ الشَّيْءِ تَابِعٌ لَهُ) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِتَصْحِيحِ الْغَيْرِ لَا أَنْ يَثْبُتَ مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِثُبُوتِ الْمَشْرُوطِ وَيَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ (فَصَارَ) أَيْ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَاصِبِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ (حَسَنًا بِحُسْنِهِ) أَيْ بِحُسْنِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ مَشْرُوطُهُ وَهُوَ الضَّمَانُ وَإِنْ قَبُحَ أَنْ لَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْغَاصِبِ مَقْصُودًا بِالْغَصْبِ ثُمَّ أَجَابَ الشَّيْخُ عَنْ فَصْلِ الْمُدَبَّرِ بِوَجْهَيْنِ تَقْرِيرُ الْأَوَّلِ أَنَّا نَقُولُ فِي فَصْلِ الْمُدَبَّرِ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَعْدَ تَقَرُّرِ حَقِّهِ فِي الْقِيمَةِ تَحْقِيقًا لِشَرْطِ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ الضَّمَانُ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَظْهَرْ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَظَهَرَ لَهُ كَسْبٌ كَانَ لِلْغَاصِبِ دُونَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَلَكِنْ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّ حَقَّ الْعِتْقِ ثَبَتَ لَهُ بِالتَّدْبِيرِ، وَالْمِلْكُ فِي الْمُدَبَّرِ يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ وَلَكِنْ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ، وَالزَّوَالُ كَافٍ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ فَيَثْبُتُ هَذَا الْقَدْرُ وَنَظِيرُهُ الْوَقْفُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ (فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي) أَرَادَ بِهِ الْغَاصِبَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ وَتَقْدِيرُ الثَّانِي أَنَّ فِي الْمُدَبَّرِ الْقِيمَةَ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ الْعَيْنِ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطُهُ وَهُوَ انْعِدَامُ الْمِلْكِ فِي الْعَيْنِ مُتَعَذِّرٌ فِي الْمُدَبَّرِ فَيُجْعَلُ هَذَا خَلَفًا عَنْ النُّقْصَانِ الَّذِي حَلَّ بِيَدِهِ وَلَكِنْ هَذَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَفِي كُلِّ مَحَلٍّ يُمْكِنُ إيجَادُ الشَّرْطِ فِيهِ لَا يَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةُ فَيُجْعَلُ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ وَإِذَا تَعَذَّرَ إيجَادُ الشَّرْطِ يُجْعَلُ خَلَفًا عَنْ النُّقْصَانِ الَّذِي حَلَّ بِيَدِهِ وَنَظِيرُهُ فَصْلَانِ أَحَدُهُمَا ضَمَانُ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ إيجَادَ شَرْطِهِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُ إيجَادَ الشَّرْطِ كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُمْ لَا يُجْعَلُ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ وَكَذَلِكَ ضَمَانُ الصُّلْحِ فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ بِالتَّرَضِّي كَانَ الْمَأْخُوذُ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ وَفِي كُلِّ مَحَلٍّ لَا يَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ بِجَعْلِ الْمَأْخُوذِ بِمُقَابَلَةِ الْجِنَايَةِ الَّتِي حَلَّتْ بِيَدِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
قَوْلُهُ (فَالطَّرِيقُ الْأَوَّلُ) أَيْ جَعْلُ الضَّمَانِ مُقَابَلًا بِالْعَيْنِ (وَاجِبٌ) أَيْ ثَابِتٌ مُتَقَرِّرٌ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ (وَهَذَا) أَيْ جَعْلُهُ مُقَابَلًا بِقَطْعِ الْيَدِ (جَائِزٌ) أَيْ مُمْكِنٌ مُحْتَمَلٌ يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالْمَجَازِ مَعَ الْحَقِيقَةِ لَا يَتْرُكُ الْحَقِيقَةَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ.
[الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ]
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الزِّنَا فَلَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَصْلًا) وَهَذَا يَرِدُ نَقْضًا عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ أَيْضًا بِالطَّرِيقِ الَّذِي مَرَّ ذِكْرُهُ فَقَالَ نَحْنُ لَا نُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ زِنًا وَلَكِنَّا جَعَلْنَاهُ مُوجِبًا لِهَذِهِ الْحُرْمَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ لِلْمَاءِ كَالْوَطْءِ الْحَلَالِ وَالْمَاءُ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْوَلَدِ الَّذِي هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْكَرَامَاتِ وَالْحُرُمَاتِ.
وَبَيَانُهُ أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْحُرْمَةِ فِي الْوَطْءِ الْحَلَالِ لَيْسَ لِعَيْنِ الْمِلْكِ وَلَكِنْ لِمَعْنَى الْبَعْضِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
مَاءَ الرَّجُلِ يَخْتَلِطُ بِمَاءِ الْمَرْأَةِ فِي الرَّحِمِ وَيَصِيرَانِ شَيْئًا وَاحِدًا وَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْإِنْسَانِ يَعْتِقُ وَيُوصَى لَهُ وَيَرِثُ وَبَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَاءِ بَعْضِيَّةٌ وَكَذَا بَيْنَ الْمَوْطُوءَةِ وَهَذَا الْمَاءِ فَيَصِيرُ بَعْضُهَا مُخْتَلِطًا بِبَعْضِهِ فَيَثْبُتُ حُكْمُ الْبَعْضِيَّةِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهَا وَبَنَاتِهَا، وَالْبَعْضِيَّةُ الَّتِي بَيْنَ الْوَاطِئِ وَآبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ لِذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ بَعْضُهَا وَإِذَا ثَبَتَ لِلْمَاءِ وَالْمَاءُ بَعْضُهُمَا تَعَدَّتْ الْبَعْضِيَّةُ إلَيْهِمَا ثُمَّ لَمَّا صَارَ هَذَا الْمَاءُ إنْسَانًا اسْتَحَقَّ سَائِرَ كَرَامَاتِ الْبَشَرِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا حُرْمَةُ الْمَحَارِمِ فَيَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّهِ لِلْبَعْضِيَّةِ أَعْنِي تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُ الْمَوْطُوءَةِ وَبَنَاتُهَا وَأَبَاءُ الْوَاطِئِ وَأَبْنَاؤُهُ لِلْبَعْضِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَعَدَّى مِنْهُ هَذِهِ الْحُرْمَةَ إلَى الطَّرَفَيْنِ لِتَعَدِّي الْبَعْضِيَّةِ مِنْهُ إلَيْهِمَا أَيْ يَتَعَدَّى حُرْمَةَ آبَاءِ الْوَاطِئِ وَأَبْنَائِهِ مِنْ الْوَلَدِ إلَى الْمَرْأَةِ وَحُرْمَةَ أُمَّهَاتِ الْمَوْطُوءَةِ وَبَنَاتِهَا مِنْهُ إلَى الرَّجُلِ لِصَيْرُورَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بَعْضًا لِلْآخَرِ بِوَاسِطَتِهِ لِأَنَّ جُزْأَهُ صَارَ جُزْءًا مِنْهَا إذْ الْوَلَدُ مُضَافٌ بِكَمَالِهِ إلَيْهَا وَجُزْؤُهَا صَارَ جُزْءًا مِنْهُ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ بِتَمَامِهِ أَيْضًا فَصَارَ الْوَلَدُ عَلَى هَذَا التَّحْقِيقِ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بَيْنَهُمَا بِالْبَعْضِيَّةِ الَّتِي تَحْدُثُ بَيْنَهُمَا بِوَاسِطَتِهِ حُكْمًا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى تَعْلِيلُ عُمَرَ رضي الله عنه فِي عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِهِ حَيْثُ قَالَ كَيْفَ تَبِيعُونَهُنَّ وَقَدْ اخْتَلَطَتْ لُحُومُكُمْ بِلُحُومِهِنَّ وَدِمَاؤُكُمْ بِدِمَائِهِنَّ ثُمَّ أُقِيمَ الْوَطْءُ مَقَامَ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعُلُوقِ مُتَعَذِّرٌ وَهُوَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ مُفْضٍ إلَيْهِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ وَجُعِلَ الْوَلَدُ كَالْحَاصِلِ تَقْدِيرًا وَاعْتِبَارًا لِلِاحْتِيَاطِ وَكَمَا أَنَّ الْوَطْءَ الْحَلَالَ مُفْضٍ إلَيْهِ فَكَذَا الْحَرَامُ مُفْضٍ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمَا فِي الْإِفْضَاءِ إلَيْهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ أَيْضًا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُثْبِتَ الْحُرْمَةَ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ بَعْضًا لِلْآخَرِ وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْبَعْضِ حَرَامٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] وَبِقَوْلِهِ عليه السلام «نَاكِحُ الْيَدِ مَلْعُونٌ» إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ فِي حَقِّ الْمَوْطُوءَةِ ضَرُورَةَ إقَامَةِ النَّسْلِ كَمَا سَقَطَتْ حَقِيقَةُ الْبَعْضِيَّةِ فِي حَقِّ آدَمَ عليه السلام لِهَذَا الْمَعْنَى حَتَّى حَلَّتْ حَوَّاءُ لِآدَمَ عليه السلام وَقَدْ خُلِقَتْ مِنْهُ حَقِيقَةً، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ بِنْتُهُ ثُمَّ هَذِهِ الْبَعْضِيَّةُ لَا يَخْتَلِفُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْحُرْمَةِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ هَذِهِ الْبَعْضِيَّةِ بِالْمَحَلِّ فَإِنَّ إلْقَاءَ الْبَذْرِ إنَّمَا يَكُونُ حَرْثًا فِي الْمَحَلِّ الَّذِي خُلِقَ مَنْبَتًا لَهُ وَذَلِكَ النِّسَاءُ لَا الرِّجَالُ إلَّا أَنَّ إتْيَانَ دُبُرِ الْمَرْأَةِ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ عِنْدَنَا لِمَعْنَى الْمِسَاسِ عَنْ شَهْوَةٍ وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْوَطْءِ الَّذِي هُوَ حَرْثٌ مِنْ النِّسَاءِ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الرَّجُلِ سَبَبًا لِوَطْءٍ هُوَ حَرْثٌ وَالْبَعْضِيَّةُ فِي الْحَرْثِ فَمَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ لَا يَكُونُ عِلَّةً لِلْحُرْمَةِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.
فَلِهَذَا قُلْنَا لَا تَثْبُت الْحُرْمَةُ بِاللِّوَاطَةِ وَلَا بِوَطْءِ الْمَيْتَةِ وَلَا بِوَطْءِ الصَّغِيرَةِ وَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا مُوجِبٌ لِلْحَدِّ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَرَامَةِ كَمَا قَالَ وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ حَرْثٌ لِلْوَلَدِ وَهُوَ مُبَاحٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْحُرْمَةِ، وَالْكَرَامَةُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ حَرْثٌ فَيَكُونُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ مُضَافَةً إلَى مَا هُوَ مُبَاحٌ لَا إلَى مَا هُوَ مَحْظُورٌ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي جَانِبِهَا الْفِعْلَ زِنًا تُرْجِمَ عَلَيْهِ وَإِذَا حَبِلَتْ بِهِ كَانَ لِذَلِكَ الْوَلَدِ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لِغَيْرِهِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَيَكُونُ نَسَبُهُ ثَابِتًا مِنْهَا وَتَحْرُمُ هِيَ عَلَيْهِ وَيُتَوَقَّفُ فِي رَجْمِ الْأُمِّ إلَى أَنْ تَلِدَ وَيَنْقَطِعَ الرَّضَاعُ وَثُبُوتُ هَذَا كُلِّهِ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ لِأَنَّهُ حَرْثٌ لَا لِأَنَّهُ
وَالْوَلَدُ هُوَ الْأَصْلُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحُرُمَاتِ وَلَا عِصْيَانَ وَلَا عُدْوَانَ فِيهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى مِنْهُ إلَى أَطْرَافِهِ وَيَتَعَدَّى مِنْهُ إلَى أَسْبَابِهِ وَمَا يُعْمَلُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ غَيْرِهِ فَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِعِلَّةِ الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ التُّرَابَ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْمَاءِ نُظِرَ إلَى كَوْنِ الْمَاءِ مُطَهِّرًا وَسَقَطَ وَصْفُ التُّرَابِ فَكَذَلِكَ يُهْدَرُ وَصْفُ الزِّنَا بِالْحُرْمَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مَا لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ فِي إيجَابِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ.
ــ
[كشف الأسرار]
زِنًا فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْ جَانِبِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِانْتِسَابِ التَّشَرُّفُ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّانِي (فَإِنْ قِيلَ) فَعَلَى مَا ذَكَرْتُمْ يَكُونُ الزِّنَا مَحْظُورًا مِنْ وَجْهٍ مُبَاحًا مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ بِهِ الْحَدُّ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ (قُلْنَا) هَذَا الْفِعْلُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ زِنًا مَحْظُورٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكِنْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ سَبَبًا لِلْبَعْضِيَّةِ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْفِعْلِ جِهَتَانِ إحْدَاهُمَا مَشْرُوعٌ وَالْأُخْرَى مَحْظُورٌ كَمَا مَرَّ، فَوُجُوبُ الْحَدِّ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ زِنًا وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ مَحْظُورٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَثُبُوتُ وَصْفٍ آخَرَ لِأَصْلِ الْفِعْلِ لَا يَقْدَحُ فِي الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ زِنًا لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ فِيهِ مِلْكًا وَلَا شُبْهَةً فَلَا يُوقِعُ خَلَلًا فِيمَا هُوَ سَبَبٌ لِلْحَدِّ فَيَجِبُ الْحَدُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الشَّرْعُ أَعْرَضَ عَنْ تِلْكَ الشُّبْهَةِ فِي بَابِ الْحَدِّ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا.
وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالُوا الْحُرْمَةُ تَثْبُتُ هَهُنَا بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ كَمَا يَثْبُتُ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ عُقُوبَةً وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَقُولُونَ الْمَحْرَمِيَّةُ لَا تَثْبُتُ حَتَّى لَا تُبَاحَ الْخَلْوَةُ وَالْمُسَافَرَةُ وَلَكِنَّ هَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ لِتَعْدِيَةِ حُكْمِ النَّصِّ لَا لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ آخَرَ سِوَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِالتَّعْلِيلِ، وَالْمَنْصُوصُ حُرْمَةٌ ثَابِتَةٌ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ لِتَعْدِيَةِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ إلَى الْفُرُوعِ لَا لِإِثْبَاتِ حُرْمَةٍ أُخْرَى كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قُلْت وَإِنَّمَا اخْتَارَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا هَذَا الطَّرِيقَ لِأَنَّ ثُبُوتَ هَذِهِ الْحُرْمَةِ لِمَا كَانَ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ فِي إثْبَاتِ حُرْمَةِ الْمُنَاكَحَةِ وَالْمُسَافَرَةِ وَالْخَلْوَةِ جَمِيعًا كَمَا قَالُوا فِيمَا إذَا كَانَ الرَّضَاعُ ثَابِتًا غَيْرَ مَشْهُورٍ بَيْنَ النَّاسِ لَا تَحِلُّ الْمُنَاكَحَةُ وَلَا الْخَلْوَةُ وَالْمُسَافَرَةُ أَيْضًا لِلِاحْتِيَاطِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ التُّهْمَةِ وَمَذْهَبُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَمَسْرُوقٍ رضي الله عنهم وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْبُرْغَرِيُّ فِي طَرِيقَتِهِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ فِي الْأَسْرَارِ فَقَالَ وَيَدُلُّ لَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ ثُمَّ بِمَا ذَكَرْنَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فَإِنَّا لَا نَجْعَلُ الْحَرَامَ مُحَرِّمًا لِلْحَلَالِ وَإِنَّمَا بُنِيَتْ الْحُرْمَةُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْفِعْلَ حَرْثٌ لِلْوَلَدِ وَحُرْمَةُ هَذَا الْفِعْلِ لِكَوْنِهِ زِنًا، مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحَرَامِ يُحَرِّمُ الْحَلَالَ كَمَا إذَا وَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْ خَمْرٍ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ وَكَالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ وَوَطْءِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ الِابْنِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ حَرَامٌ حَرَّمَ الْحَلَالَ لَا لِأَنَّهُ حَرَامٌ بَلْ لِلْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا فَكَذَلِكَ هَهُنَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُهُ (وَالْوَلَدُ هُوَ الْأَصْلُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحُرُمَاتِ) أَيْ الْحُرُمَاتِ الْأَرْبَعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
(وَلَا عِصْيَانَ) بِالنَّظَرِ إلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَا عُدْوَانَ) بِالنَّظَرِ إلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ أَيْضًا فِي الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا عِصْيَانَ وَلَا عُدْوَانَ فِي صُنْعِهِ وَلِهَذَا اسْتَحَقَّ هَذَا الْوَلَدُ جَمِيعَ كَرَامَاتِ الْبَشَرِ الَّتِي اسْتَحَقَّهَا الْمَخْلُوقُ مِنْ مَاءِ الرَّشْدَةِ كَمَا ذَكَرْنَا (ثُمَّ يَتَعَدَّى) أَيْ الْحُرُمَاتِ الْمَذْكُورَةَ (مِنْهُ) أَيْ الْوَلَدِ (إلَى أَطْرَافِهِ) أَيْ طَرَفَيْهِ وَهُمَا الْأَبُ وَالْأُمُّ لَا غَيْرُ لِأَنَّ حُرْمَةَ أُمَّهَاتِ الْمَوْطُوءَةِ وَبَنَاتِهَا لَا يَتَعَدَّى مِنْهُ إلَّا إلَى الْأَبِ وَكَذَلِكَ حُرْمَةُ آبَاءِ الْوَاطِئِ وَأَبْنَائِهِ لَا يَتَعَدَّى إلَّا إلَى الْأُمِّ وَلَا يَسْتَقِيمُ تَفْسِيرُ الْأَطْرَافِ بِالْأَبَوَيْنِ