المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مَا اشْتَبَهَ مَعْنَاهُ وَخَفِيَ مُرَادُهُ بِعَارِضٍ غَيْرِ الصِّيغَةِ لَا يُنَالُ - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ١

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌ الْعِلْمُ نَوْعَانِ:

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل عِلْمُ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ]

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي عِلْمُ الْفُرُوعِ وَهُوَ الْفِقْهُ

- ‌ أُصُولَ الشَّرْعِ ثَلَاثَةٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ

- ‌ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي وُجُوهِ النَّظْمِ صِيغَةً وَلُغَةً

- ‌[مَا يَعْرِف بِهِ أَحْكَامُ الشَّرْعِ أَرْبَعَة أَقْسَام]

- ‌[تَعْرِيف الْخَاصُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْعَامُّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْتَرَكُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُؤَوَّلُ]

- ‌[الفرق بَيْن التَّفْسِير وَالتَّأْوِيل]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي وُجُوهِ بَيَانِ النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الظَّاهِرَ وَالنَّصّ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُفَسَّرُ]

- ‌[تَعْرِيف المحكم]

- ‌[تَعْرِيف الخفي]

- ‌[تَعْرِيف الْمُشْكِلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُجْمَلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْمُتَشَابِه]

- ‌[بَيَان الْحِكْمَة فِي إنْزَال الْآيَات الْمُتَشَابِهَات]

- ‌[الْقِسْمِ الثَّالِثِ وُجُوه اسْتِعْمَال النَّظْم]

- ‌[تَعْرِيف الْحَقِيقَةَ]

- ‌[أَقْسَام الْحَقِيقَة]

- ‌ تَعْرِيفِ الْمَجَازِ

- ‌[تَعْرِيف الصَّرِيحُ]

- ‌[تَعْرِيف الْكِنَايَةُ]

- ‌ الِاسْتِدْلَالَ بِعِبَارَةِ النَّصِّ

- ‌[الْقَسْم الرَّابِع وُجُوه وُقُوف السَّامِع عَلَى مُرَاد الْمُتَكَلِّم ومعانى الْكَلَام]

- ‌[الِاسْتِدْلَال بِإِشَارَةِ اللَّفْظِ]

- ‌ الثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ

- ‌ الثَّابِتُ بِاقْتِضَاءِ النَّصِّ

- ‌بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْخُصُوصِ:

- ‌(بَابُ الْأَمْرِ)

- ‌[تَعْرِيف الْأَمْر]

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ)

- ‌[الْأَمْر إذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

- ‌ الْأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ

- ‌(بَابُ مُوجِبِ الْأَمْرِ) :فِي مَعْنَى الْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ

- ‌[بَابٌ بَيَانِ صِفَةِ حُكْمِ الْأَمْرِ]

- ‌[الْقَضَاءِ هَلْ يَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَمْ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ]

- ‌[الْقَضَاءُ نَوْعَانِ إمَّا بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ وَإِمَّا بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ]

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي بِمَعْنَى الْأَدَاءِ

- ‌الْأَدَاءُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ

- ‌[الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل كَامِلٌ]

- ‌[النَّوْع الثَّانِي قَاصِر]

- ‌ الْقَضَاءُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ

- ‌ الْقَضَاءُ الَّذِي فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ

- ‌[حُكْمَ الْأَمْرِ يُوصَفُ بِالْحُسْنِ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ صِفَةِ الْحُسْنِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مَا حَسَن لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ]

- ‌الصَّلَاةِ حَسُنَتْ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا

- ‌[النَّوْع الثَّانِي مَا حَسُنَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ]

- ‌[الْجِهَادُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَسَنَيْنِ لِمَعْنَى فِي غَيْرهمَا]

- ‌[الْقُدْرَةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ شَرْطُ لِلْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ]

- ‌[الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ وَالْمُمَكَّنَة]

- ‌(بَابٌ) تَقْسِيمُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي حُكْمِ الْوَقْتِ

- ‌[الْعِبَادَاتُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل جُعِلَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لِلْمُؤَدَّى وَشَرْطًا لِلْأَدَاءِ وَسَبَبًا لِلْوُجُوبِ]

- ‌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَمَا جُعِلَ الْوَقْتُ مِعْيَارًا لَهُ وَسَبَبًا لِوُجُوبِهِ

- ‌[النَّوْع الثَّالِث الْوَقْتُ الَّذِي جُعِلَ مِعْيَارًا لَا سَبَبًا]

- ‌ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ الْمُؤَقَّتَةِ فَهُوَ الْمُشْكِلُ

- ‌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ الْوَقْتِ فَعَلَى التَّرَاخِي

- ‌(بَابُ النَّهْيِ) :

- ‌[النَّهْيُ الْمُطْلَقُ نَوْعَانِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ]

- ‌ النَّهْيُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌[صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

- ‌ الصَّلَاةُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَدُلُوكِهَا

- ‌[النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ]

- ‌ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ

- ‌ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ

- ‌ اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ

- ‌ الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ

- ‌[الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ]

- ‌ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ لِمَعْنًى فِيهِ

- ‌(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَام الْعُمُومِ) :

- ‌ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ

- ‌ الْعَامَّ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ خُصُوصُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ

- ‌[الْعَامُّ يُوجِبُ الْحُكْمَ لَا عَلَى الْيَقِينِ]

- ‌(بَابُ الْعَامِّ إذَا لَحِقَهُ الْخُصُوصُ)

- ‌ كَانَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مَجْهُولًا

الفصل: مَا اشْتَبَهَ مَعْنَاهُ وَخَفِيَ مُرَادُهُ بِعَارِضٍ غَيْرِ الصِّيغَةِ لَا يُنَالُ

مَا اشْتَبَهَ مَعْنَاهُ وَخَفِيَ مُرَادُهُ بِعَارِضٍ غَيْرِ الصِّيغَةِ لَا يُنَالُ إلَّا بِالطَّلَبِ، وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ اخْتَفَى فُلَانٌ أَيْ اسْتَتَرَ فِي مِصْرِهِ بِحِيلَةٍ عَارِضَةٍ مِنْ غَيْرِ تَبْدِيلٍ فِي نَفْسِهِ فَصَارَ لَا يُدْرَكُ إلَّا بِالطَّلَبِ وَذَلِكَ مِثْلُ النَّبَّاشِ وَالطَّرَّارِ، وَهَذَا فِي مُقَابَلَةِ الظَّاهِرِ

ثُمَّ الْمُشْكِلُ، وَهُوَ الدَّاخِلُ فِي إشْكَالِهِ وَأَمْثَالُهُ مِثْلُ قَوْلِهِمْ أَحْرَمَ أَيْ دَخَلَ فِي الْحَرَمِ وَأَشْتَى أَيْ دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ وَهَذَا فَوْقَ الْأَوَّلِ لَا يُنَالُ بِالطَّلَبِ بَلْ بِالتَّأَمُّلِ بَعْدَ الطَّلَبِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ إشْكَالِهِ، وَهَذَا لِغُمُوضٍ فِي الْمَعْنَى

ــ

[كشف الأسرار]

الْمُقَابَلَةِ وَنِهَايَةُ الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ بِعَارِضٍ غَيْرِ الصِّيغَةِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ السُّؤَالِ مَا وَرَدَ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ ضَعِيفٍ لَا يَقْبَلُهُ السَّائِلُ.

(قَوْلُهُ مَا اشْتَبَهَ مَعْنَاهُ وَخَفِيَ مُرَادُهُ) قِيلَ مَا اشْتَبَهَ مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَخَفِيَ مُرَادُهُ أَيْ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ كَمَا أَنَّ مَعْنَى السَّارِقِ لُغَةً، وَهُوَ آخِذُ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ اشْتَبَهَ فِي حَقِّ الطَّرَّارِ وَالنَّبَّاشِ، وَكَذَا حُكْمُهُ، وَهُوَ وُجُوبُ الْقَطْعِ خَفِيَ فِي حَقِّهِمَا.

وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُمَا يُنْبِئَانِ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَرَادِفَيْنِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْأَوَّلَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالتَّقْوِيمِ، بِعَارِضٍ غَيْرِ الصِّيغَةِ أَيْ خَفِيَ بِسَبَبٍ عَارِضٍ لَا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ خَفِيًّا فِي نَفْسِهِ فَإِنَّ آيَةَ السَّرِقَةِ ظَاهِرَةٌ فِي كُلِّ سَارِقٍ لَمْ يُعْرَفْ بِاسْمٍ آخَرَ وَلَكِنَّهَا خَفِيَّةٌ فِي الطَّرَّارِ وَالنَّبَّاشِ لِعَارِضِ اخْتِصَاصِهِمَا بِاسْمَيْنِ آخَرَيْنِ يُعْرَفَانِ بِهِمَا وَاخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعَانِي فَبَعُدَا بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ عَنْ اسْمِ السَّرِقَةِ؛ فَلِهَذَا خَفِيَتْ الْآيَةُ فِي حَقِّهِمَا، (وَقَوْلُهُ لَا يُنَالُ إلَّا بِالطَّلَبِ) تَأْكِيدٌ.

وَفِي قَوْلِهِ، وَذَلِكَ أَيْ الْخَفِيُّ مِثْلُ الطَّرَّارِ وَالنَّبَّاشِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِخَفِيَّيْنِ بَلْ آيَةُ السَّرِقَةِ خَفِيَّةٌ فِي حَقِّهِمَا وَلَكِنْ لَمَّا حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ فَهْمُ الْمَعْنَى لَمْ يَلْتَفِتْ الشَّيْخُ إلَى جَانِبِ اللَّفْظِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ، وَذَلِكَ مِثْلُ آيَةِ السَّرِقَةِ فِي حَقِّ الطَّرَّارِ وَالنَّبَّاشِ كَمَا ذَكَرَ هُوَ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ وَغَيْرِهِ فِي تَصَانِيفِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى الْعَارِضِ أَيْ الْعَارِضِ الَّذِي صَارَتْ الْآيَةُ خَفِيَّةً بِسَبَبِهِ مِثْلُ اسْمِ الطَّرَّارِ وَالنَّبَّاشِ وَلَكِنْ فِيهِ بُعْدٌ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِعَارِضٍ فِي الصِّيغَةِ مَكَانَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِعَارِضٍ غَيْرِ الصِّيغَةِ وَعَنَى بِهِ أَنَّ الْخَفَاءَ فِي الصِّيغَةِ، وَهُوَ السَّارِقُ مَثَلًا بِالْعَارِضِ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا لَا أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ خَفِيًّا فَيَكُونَ مُوَافِقًا لِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ رحمه الله، وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ الصِّيغَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظْمُ الْآيَةِ وَالْمُرَادُ مِنْهَا فِي كَلَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ صِيغَةُ الطَّرَّارِ وَالنَّبَّاشِ مَثَلًا وَلَا اخْتِلَافَ إذًا بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا وَلَكِنَّ الْوَجْهَ هُوَ الْأَوَّلُ

[تَعْرِيف الْمُشْكِلُ]

(قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُشْكِلُ) ، فِي ثُمَّ إشَارَةٌ إلَى تَبَاعُدِ رُتْبَةِ الْمُشْكِلِ فِي الْخَفَاءِ عَنْ الْخَفِيِّ؛ لِأَنَّهُ فِي أَدْنَى دَرَجَاتِ الْخَفَاءِ وَفَوْقَ الْمُشْكِلِ.

(وَقَوْلُهُ، وَهُوَ الدَّاخِلُ فِي إشْكَالِهِ) إشَارَةٌ إلَى مَأْخَذِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الْمُشْكِلُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ أَشْكَلَ عَلَى كَذَا أَيْ دَخَلَ فِي أَشْكَالِهِ وَأَمْثَالِهِ، وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُشْتَبَهُ الْمُرَادُ مِنْهُ بِدُخُولِهِ فِي أَشْكَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْرَفُ الْمُرَادُ إلَّا بِدَلِيلٍ يَتَمَيَّزُ بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَشْكَالِ. وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: هُوَ الَّذِي أَشْكَلَ عَلَى السَّامِعِ طَرِيقَ الْوُصُولِ إلَى الْمَعَانِي لِدِقَّةِ الْمَعْنَى فِي نَفْسِهِ لَا بِعَارِضٍ فَكَانَ خَفَاؤُهُ فَوْقَ الَّذِي كَانَ بِعَارِضٍ حَتَّى كَادَ الْمُشْكِلُ يُلْتَحَقُ بِالْمُجْمَلِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا يَهْتَدُونَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.

قَوْلُهُ (وَهَذَا لِغُمُوضٍ فِي الْمَعْنَى) أَيْ الْإِشْكَالُ إنَّمَا يَقَعُ لِغُمُوضٍ فِي الْمَعْنَى، قِيلَ نَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى، {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ، فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ فِي حَقِّ الْفَمِ وَالْأَنْفِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِغَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَالْبَاطِنُ خَارِجٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ لِلتَّعَذُّرِ فَبَقِيَ الظَّاهِرُ مُرَادًا وَلِلْفَمِ وَالْأَنْفِ شَبَهٌ بِالظَّاهِرِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَشَبَهٌ بِالْبَاطِنِ كَذَلِكَ عَلَى مَا عُرِفَ فَأُشْكِلَ

ص: 52

أَوْ لِاسْتِعَارَةٍ بَدِيعَةٍ وَذَلِكَ يُسَمَّى غَرِيبًا مِثْلُ رَجُلٍ اغْتَرَبَ عَنْ وَطَنِهِ فَاخْتَلَطَ بِأَشْكَالِهِ مِنْ النَّاسِ فَصَارَ خَفِيًّا بِمَعْنًى زَائِدٍ عَلَى الْأَوَّلِ

ــ

[كشف الأسرار]

أَمْرُهُمَا بِاعْتِبَارِ هَذَيْنِ الشَّبَهَيْنِ فَبَعْدَ الطَّلَبِ أَلْحَقْنَاهُمَا بِالظَّاهِرِ احْتِيَاطًا ثُمَّ وَجَدْنَا دَاخِلَ الْعَيْنِ خَارِجًا مِنْ الْوُجُوبِ مَعَ أَنَّ لَهُ شَبَهًا بِالظَّاهِرِ وَشَبَهًا بِالْبَاطِنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا حُكْمًا؛ فَلِأَنَّ الْمَاءَ لَوْ دَخَلَ عَيْنَ الصَّائِمِ أَوْ اكْتَحَلَ لَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ وَلَوْ خَرَجَ دَمٌ مِنْ قُرْحَةٍ فِي عَيْنِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْعَيْنِ لَا يَفْسُدُ وُضُوءُهُ وَأَنْ يُجَاوِزَ عَنْ الْقُرْحَةِ فَتَأَمَّلْنَا فِيهِ فَوَجَدْنَاهُ خَارِجًا لِلتَّعَذُّرِ كَالْبَاطِنِ؛ لِأَنَّ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ الْعَيْنِ سَبَبٌ لِلْعَمَى، وَلَيْسَ فِي إيصَالِهِ إلَى دَاخِلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ حَرَجٌ فَبَقِيَ دَاخِلًا تَحْتَ الْوُجُوبِ هَذَا هُوَ مَعْنَى التَّأَمُّلِ بَعْدَ الطَّلَبِ، قُلْت هَذَا مَعْنًى فِقْهِيٌّ لَطِيفٌ إلَّا أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ لَا يَصْلُحُ نَظِيرًا لِلْمُشْكِلِ؛ لِأَنَّ الْمُشْكِلَ مَا كَانَ فِي نَفْسِهِ اشْتِبَاهٌ، وَلَيْسَ مَا ذَكَرُوهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّطَهُّرِ لُغَةً وَشَرْعًا مَعْلُومٌ، وَلَكِنَّهُ اشْتَبَهَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ كَاشْتِبَاهِ لَفْظِ السَّارِقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّرَّارِ وَالنَّبَّاشِ فَكَانَ مِنْ نَظَائِرِ الْخَفِيِّ لَا مِنْ نَظَائِرِ الْمُشْكِلِ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدَرِيُّ رحمه الله أَنَّ مِنْ نَظَائِرِهِ قَوْله تَعَالَى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] .

وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُوجَدَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي كُلِّ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَيُؤَدِّي إلَى تَفْضِيلِ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ بِثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ مَرَّةً فَكَانَ مُشْكِلًا فَبَعْدَ التَّأَمُّلِ عُرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ أَلْفُ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَا أَلْفُ شَهْرٍ عَلَى الْوَلَاءِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً؛ لِأَنَّهَا تُوجَدُ فِي كُلِّ سَنَةٍ لَا مَحَالَةَ فَيُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرْنَا قُلْت وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَرَأَ يس يُرِيدُ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَأُعْطِيَ مِنْ الْأَجْرِ كَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ مَرَّةً» وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ يس كَانَ كَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَشْرَ مَرَّاتٍ» فَفِيهِ تَفْضِيلُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ أَيْضًا فَبَعْدَ التَّأَمُّلِ عُرِفَ أَنَّ مَعْنَاهُ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ عَشْرَ مَرَّاتٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ مَرَّةً بِدُونِهَا لَا مَعَهَا، وَمِنْ نَظَائِرِهِ قَوْله تَعَالَى، {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] ، اشْتَبَهَ مَعْنَاهُ عَلَى السَّامِعِ أَنَّهُ بِمَعْنَى كَيْفَ أَوْ بِمَعْنَى أَيْنَ فَعُرِفَ بَعْدَ الطَّلَبِ وَالتَّأَمُّلِ أَنَّهُ بِمَعْنَى كَيْفَ بِقَرِينَةِ الْحَرْثِ وَبِدَلَالَةِ حُرْمَةِ الْقُرْبَانِ فِي الْأَذَى الْعَارِضِ، وَهُوَ الْحَيْضُ فَفِي الْأَذَى اللَّازِمِ أَوْلَى.

وَأَمَّا نَظِيرُ الِاسْتِعَارَةِ الْبَدِيعَةِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى، {قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 16] ، فَالْقَوَارِيرُ لَا يَكُونُ مِنْ الْفِضَّةِ وَمَا كَانَ مِنْ الْفِضَّةِ لَا يَكُونُ قَوَارِيرَ وَلَكِنْ لِلْفِضَّةِ صِفَةُ كَمَالٍ، وَهِيَ نَفَاسَةُ جَوْهَرِهِ وَبَيَاضُ لَوْنِهِ وَصِفَةُ نُقْصَانٍ وَهِيَ أَنَّهَا لَا تَصْفُو وَلَا تَشِفُّ وَلِلْقَارُورَةِ صِفَةُ كَمَالٍ أَيْضًا.

وَهِيَ الصَّفَاءُ وَالشَّفِيفُ وَصِفَةُ نُقْصَانٍ، وَهِيَ خَسَاسَةُ الْجَوْهَرِ فَعُرِفَ بَعْدَ التَّأَمُّلِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كُلٍّ وَاحِدٍ صِفَةُ كَمَالِهِ وَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَهِيَ مَعَ بَيَاضِ الْفِضَّةِ فِي صَفَاءِ الْقَوَارِيرِ وَشَفِيفِهَا.

وَقَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ، {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر: 13] ، فَلِلصَّبِّ دَوَامٌ وَلَا يَكُونُ لَهُ شِدَّةٌ وَلِلسَّوْطِ عَكْسُهُ فَاسْتُعِيرَ الصَّبُّ لِلدَّوَامِ وَالسَّوْطُ لِلشِّدَّةِ أَيْ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ عَذَابًا شَدِيدًا دَائِمًا، وَقِيلَ ذَكَرَ الصَّبَّ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ مِنْ السَّمَاءِ أَيْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَذَكَرَ السَّوْطَ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا أَحَلَّ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْعَذَابِ الْعَظِيمِ بِالْقِيَاسِ إلَى مَا أَعَدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ كَالسَّوْطِ إذَا قِيسَ إلَى سَائِرِ

ص: 53